تنتهي اليوم بالقصر الأميري بالعاصمة القطرية الدوحة، مراسم المبايعة لأمير البلاد الجديد الشيخ تميم بن حمد آل الثاني، الذي خلف والده في هذا المنصب ولم يتعد سن الثالثة والثلاثين.وكان الشيخ حمد بن جاسم ألقى خطابا للأمة، أعلن فيه قرار اعتزاله السلطة وتمكين ولي عهده ونجله تميم ابنه الثاني من زوجته الثانية موزة بنت المسند من كرسي العرش الأميري، ليكون بذلك أصغر أمير يقود أغنى دول العالم بثرواتها النفطية والغازية وحجم استثماراتها في كل دول العالم وفي كل مجالات النشاط؛ من سياحة وعقارات ورياضة وصناعة السيارات والطائرات... ورغم القراءات السياسية والتحاليل التي رافقت هذا القرار الأول من نوعه في بلد خليجي، إلا أن الأمير الأب أعطى قراءة مغايرة تماما لقرار تكليف نجله بهذه المهمة، بقناعة أن "الوقت قد حان لفتح صفحة جديدة وتسليم المسؤوليات للجيل الجديد، الذي سيكون على قدر المسؤولية والأمانة الموكَّلة إليه". وبانتهاء مراسم التسليم والاستلام ومهما كانت المبررات، فإن الأسئلة بدأت تُطرح هنا وهناك حول التوجهات السياسية التي ستنتهجها الدوحة في عهد الأمير تميم وما إذا كان سيواصل على نهج والده أم أنه سيلجأ إلى إحداث تغييرات كبيرة ووضع بصمته في تاريخ دولة قطر. والفارق أن الشيخ تميم بن حمد تَولى مقاليد السلطة في وقت تشهد فيه منطقة الخليج وكل المنطقة العربية، تحولات لم يكن أي أحد يتوقعها، وهي مرشحة لأن تتواصل باتجاه التأزم، وقد تفرز خارطة جديدة للمشهد السياسي العربي، كنتاج ل "ثورات الربيع العربي" التي هزت كيانات أنظمة عربية حكمت بلدانها بيد من حديد. وبغضّ النظر عن قدرته في المحافظة على قوة قطر الاقتصادية بفضل مداخليها الضخمة واستثماراتها اللامتناهية في كل قطاع ونشاط، فإن الإشكالية بالنسبة للأمير الشاب تبقى أمر التعاطي مع قضايا الراهن العربي، التي تشابكت خيوطها حد المعضلة، والواقع القائم في سوريا يبقى أكبر دليل على ذلك، بل إن الربيع العربي الذي زحف على البلدان العربية والذي لعب فيه والده دورا محوريا حد اتهامه بافتعال الأحداث التي أدت إلى الإطاحة بأنظمة عربية عاتية، مازالت تبعاته قائمة بعد أن عجزت الأنظمة العربية الجديدة التي خلفته، عن تحقيق الانطلاقة المرجوة بعد أن تأكدت أن حجم المشاكل أكبر من نشوة انتصار لم تدم، فهل سيواصل دعمه لهذه الأنظمة بأموال ضخمة تستدعيها عمليات تحول كانت قوّتها بقوة الزلزال، ولا شيء بإمكانه أن يُرجع الأمور إلى نصابها سوى الأموال الطائلة إذا سلّمنا أن خروج الشارع العربي غذّته الحاجة إلى حياة أفضل وعيش رغيد. والمؤكد أن الوافد الجديد على القصر الأميري في الدوحة، سيعمل على التكيف التدريجي مع وضعه الجديد حتى يضمن انتقالا سلسا للسلطات والمهام بعد أن يكون قد أحاط بخبايا كل الملفات الساخنة التي تنتظره على مكتبه، فهو مطالَب بأن يتعاطى مع الملف السوري الذي عمل والده على الإشراف عليه منذ المظاهرات الأولى التي زعزعت عرش نظام الرئيس بشار الأسد قبل أكثر من عامين وإلى غاية القرار الأخير لمجموعة دول أصدقاء سوريا، القاضي بتسليح المعارضة السورية. والشيء الذي يجب الاقتناع به أن نظرة الأمير الجديد إلى مختلف هذه القضايا وطرق التعامل معها وسبل حلها، لن تكون بالضرورة نفسها مع طريقة تعامل والده معها، ولذلك فإن "ثورة القصر" التسمية التي أطلقتها بعض وسائل الإعلام الغربية على ما وقع في قطر ستكون مناسبة للأمير الشاب لإدخال تغييرات جوهرية على أسلوب عمله، سيبدأها بتعيين طاقم حكومي يتبنى نظرته لإدارة الشأن العام؛ لأنه لا يُعقل أن يواصل العمل مع طاقم عمل طيلة سنوات مع والده، ولذلك فإنه سيعمل على اختيار طاقم شاب من جيله؛ بما يعني أن أول ضحية في عملية التغيير الجوهرية في القصر الأميري، سيكون الوزير الأول ووزير الخارجية الشيخ جاسم بن حمد آل الثاني، الذي كان عراب الدبلوماسية القطرية وحمل لواءها لعدة سنوات. ولكن أمير قطر الجديد مطالَب في نفس الوقت، بأن يحافظ على نفس وتيرة الحركية التي ميزت نشاط الخارجية القطرية في السنوات الأخيرة، وجعلها تتسلق سلّم المسؤوليات العربية بشكل لافت بما يحتّم عليه إيجاد شخصية قادرة على مواجهة هذا التحدي، حتى وإن كان ذلك بطريقة مغايرة وأسلوب دبلوماسي لن يكون بالضرورة ذلك الذي طبع السياسة الخارجية، التي رسم حمد بن جاسم خطوطها العريضة ووسائل تجسيدها، عندما زاوج بين المال والقوة العسكرية لتحقيقها، فالمهم بالنسبة لقطر أن تبقى الدولة العربية التي استأثرت بأدوار متعددة، ومكّنها ذلك من زحزحة دور دول بحجم مصر والعربية السعودية وحتى الجامعة العربية، وأصبحت معها الدوحة مركز اتخاذ القرار العربي بدلا عن الرياض والقاهرة، فقد حضر اسم قطر في المصالحة الفلسطينية الفلسطينية والمفاوضات السودانية والسودانية الجنوبية وإقليم دارفور السوداني وحركة طالبان وكابول، قبل أن تضطلع بالدور المحوري فيما أصبح يُعرف بالربيع العربي، الذي هبّت رياحه عاتية على أنظمة عسكرية في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولكنها اصطدمت بجدار صد قوي في سوريا، إلا أن ذلك لم يمنع الدوحة في مواصلة تحركاتها، مستغلة علاقتها مع تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مع أجل التسريع بعملية رحيل الرئيس بشار الأسد. كما أن السلطة القطرية الجديدة مطالَبة بأن تتعامل مع جار إيراني لم يعد يُقلق الغرب فقط ولكن دول الخليج أيضا؛ بسبب قوّته العسكرية المتنامية وبرنامجه النووي الذي تنظر إليه دول مجلس التعاون الخليجي بكثير من الريبة والتوجس؛ لدواع بيئية حينا، وحسابات استراتيجية في أحيان كثيرة. ومهما يكن فإن هذه التساؤلات سيكشف عنها أمير قطر الجديد في أول خطاب سيلقيه اليوم ويحدد فيه التوجهات العامة لسلطته.