اللّغة حاجز يمحوه لطف الأوكرانيين فوجئنا في اليوم الأول من زيارتنا للعاصمة الأوكرانية كييف بوجود عدد قليل من الأوكرانيين الذين يتكلمون أو يفهمون الإنجليزية، حتى اللافتات، والملصقات الإعلانية كتبت بالأحرف الرومانية، وتعد الأوكرانية اللغة الرسمية للبلاد منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعيناتو غير أن معظم الكيفيين يتحدثون الروسية، وشرح لنا مرافقنا أن الكثير من الكيفيين يستخدمون الروسية في حياتهم اليومية، وذلك نظرا للسياسة الروسية التي استخدمها الاتحاد السوفياتي لعقود طويلة، ما جعل اللغة الوطنية تتلاشى لدى الكثير من الأجيال، غير أن الدولة الأوكرانية تحاول الآن استعادة اللغة في الحياة اليومية للأوكرانيين بفرضها في التعاملات الإدارية، والجامعات على الرغم من وجودنا تائهين أمام لغة لا نفهمها، إلا أن الأوكرانيين يتمتعون بصفة جميلة لن يتركوك إلا إذا فهمتهم أو فهموك. كييف عاصمة ممزقة بين ماضيها السوفياتي ومستقبلها الليبرالي يتميز الطابع المعماري لمدينة كييف كباقي المدن الأوكرانية بانقسامه الصارخ بين بنايات وقصور الحقبة السوفياتية على غرار مبنى البرلمان، ومعهد الدراسات الدبلوماسية وناطحات السحاب الحديثة التي تحاول الاستجابة للمتطلبات العصرية للمواطن الأوكراني. وعلمنا خلال جولتنا أن اليونسكو قامت بتصنيف بعض الأبنية ضمن التراث العالمي لحمايتها من بعض التغييرات التي بدأت تمسها، كأي عاصمة أوربية نموذجية. تزدحم شوارع كييف الكبرى بأشهر الماركات العالمية ك”شانال” و”ديور” و”ماك دونانلد”، غير بعيد عن هذه المحلات الفاخرة ينتصب تمثال “لينين” في ساحة الحرية كمشهد غير مألوف في الدول التي تخلصت من الحكم السوفياتي وتخلصت معه من كل رموز حقبته، بالنسبة للأوكرانيين يبقى التاريخ بكل أخطائه وزلاته أمرا مقدسا لا يجوز المساس به وتجربة يجب الاحتفاظ بكل تفاصيلها على حد قول أحد الكييفين “بعض الأجيال لن تعرف لينين ولن تسمع عن فترة الحكم السوفياتي ربما جعلهم وجود هذا التمثال ينتبهون إلى التساؤل عنه والبحث عن إجابات تجعلهم يتفادون أخطاءنا”. أولمبيسكي يفتح أبواب الحلم بالاتحاد الأوربي في قلب كييف ينتصب ملعب أولمبيسكي الذي انطلقت فيه الأشغال في نهاية 2008 لتحضيره لبطولة كأس الأمم الأوروبية 2012 حيث أسفرت الأشغال عن أحد أجمل وأكبر الملاعب في العالم. والواضح أن استضافة كأس أمم أوربا ترك أثرا بالغا في نفوس الأوكرانيين، حيث مازالوا يأتون على ذكر الموضوع إلى الآن. وأكد لنا الكثيرون منهم أنهم صاروا أكثر انفتاحا بعد احتكاكهم بذلك الكم الكبير من السياح وزوار أوكرانيا، كما أبدى أندريا، ماشا، كيرل، وأندرو وهم من جيل الشباب، رغبتهم الكبيرة في انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوربي لما سيوفره لهم الأمر من حرية أكبر في التنقل وسهولة في الحصول على فرص لتطوير حياتهم. أرفع قبعتي للجامعة التي أسكنتني السماء إلى جانب تماثيل للعديد من عظماء التاريخ، ينتصب تمثال سيكورسكي بجامعة كييف الوطنية، رافعا قبعته احتراما للمؤسسة التي جعلته يغزو السماء، في جامعة كييف التقينا الهادي، مسعود، ورؤوف طلبة جزائريين حصلوا على منح للدراسة في أوكرانيا في مجالات الطيران والهندسة واللغات، إذ تقدم أوكرانيا كل سنة 15 منحة للطلبة الجزائريين من أصل 150منحة تقدم لدول إفريقيا في إطار التبادل العلمي. وتعتبر جامعات أوكرانيا من أرقى وأعرق الجامعات المسجلة لدى منظمة اليونسكو وذات تصنيف عالمي عال. وفي سؤالنا عن عائق اللغة الذي قد يشكل عقبة لدى الطلبة الجزائريين، أجابنا هؤلاء بأنهم يفتتحون دراستهم بسنة لتعلم اللغة حيث تمنحهم الجامعة كل التسهيلات اللازمة لدمجهم مع الطلبة الأوكرانيين. وعن تكاليف الدراسة قال الهادي: “أن الكلفة المنخفضة نوعا ما مقارنة بجامعات أوربا الأخرى جعلت أوكرانيا وجهة جيدة للدراسة”. والحراڤة موجودون أيضا بكييف عماد شاب من ولاية أم البواقي، التقينا به بمدينة كييف وهو يبيع الزهور للساهرين، حدثنا عن مغامرته التي قادته إلى أوكرانيا: “جئت إلى أوكرانيا للسياحة لكني التقيت ببعض الجزائريين والمغاربة الذين اتخذوا أوكرانيا كجسر عبور إلى الاتحاد الأوربي، اقتنعت بالفكرة ومازلت بانتظار دوري للعبور”. تشهد أوكرانيا كل سنة توافد مئات المهاجرين السريين من الأفغان والباكستانيين خصوصا، ما جعل السلطات تقوم بتشديد إجراءات المراقبة على الحدود، كما قامت بإنشاء مركز “روسيديف” لإيواء مثل هذه الحالات. أوكرانيا وشركاؤها” عرض لإمكانيات الأوكران نظمت أوكرانيا هذه السنة للمرة الأولى مؤتمرا اقتصاديا ليكون تقليدا سنويا في محاولة للبحث عن طرق لتحسين القدرة التنافسية العالمية للاقتصاد الأوكراني. واستطاع الحدث خلق فرص وصفقات لتعزيز التعاون الاقتصادي الدولي بين أوكرانيا وشركاء الأعمال، وجذب نشاط الاستثمار الأجنبي في البلاد، حيث عرضت على مدار يومين الإمكانات الاقتصادية لأوكرانيا في مجال الغذاء والدواء والصناعات الإستراتيجية، كما لم يغفل القائمون على هذا الحدث عرض جانب من الثقافة الأوكرانية بتنظيم عروض موسيقية وجولات سياحية، مما لا شك فيه أن هذا الحدث سيسمح للأوكرانيين بالانفتاح مرة أخرى على العالم. أجمل ماتريوشكا في أوكرانيا كان الجميع يسألني عن أجمل شيء صادفته خلال زيارتي، خلال الأيام التي قضيتها هناك رأيت الكثير من الأشياء الجميلة، حقا أوكرانيا تشبه ماتريوشكا ولن تكف عن مفاجأتك، لكن المتريوشكا الأجمل هي تلك الأخيرة الأصغر المختفية في قلب الكل، أجمل ما في أوكرانيا هم الأوكرانيون، الروح السلافية الجميلة التي تقيم هناك، تلك التي تفهمك حتى وإن لم تفهم لغتك التي ترحب بك وتحترم خصوصياتك وتجعلك تشعر انك لم تفارق بلدك أصلا.