ها هي رقعة الدم تزداد اتساعا في تونس وتفتح جريمة اغتيال محمد براهمي، أول أمس، أبواب الجمهورية في عيدها على المجهول، فاختيار تاريخ الجريمة لم يكن اعتباطا، إنه تاريخ إعلان الجمهورية التونسية وإلغاء الملكية سنة 1956. والرسالة من ورائه واضحة، رفض مبدأ الجمهورية، فالخلافة لم تعد حلما بعيدا للتيارات الإسلاموية الحاكمة وغير الحاكمة في تونس. تونس تدخل نفقا مظلما وتدخل أزمة سياسية جديدة باغتيال زعيم التيار الشعبي والنائب بالمجلس التأسيسي، الذي لا يكف عن انتقاد النهضة ويدعو للحذو حذو مصر للتمرد على الحكومة الانتقالية التي تعمل لتكون أمرا محتوما على تونس، وتسعى للاستحواذ على السلطة. فقد سبق وقال وزير العدل إنه لا يمكن تنظيم انتخابات في ظل الإرهاب الذي تعيشه تونس، ما يعني أن المؤقت سيصبح دائما، والانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان من المفروض أن تجرى في ظرف سنة من الانتخابات التأسيسية في أكتوبر 2011، لم تجر بعد، وقد لا تجرى قبل نهاية السنة الثانية. فالنهضة تسعى للبقاء في الحكم حتى بطريقة غير شرعية، إنهم وصلوا عبر الصناديق ولن يذهبوا ولو على حمام من الدم. وعندما يصرح رئيس الجمهورية المؤقت المرزوقي ووزير داخليته، كل من جهته، أن المجرمين معروفين، وهم نفسهم قتلة شكري بلعيد قبل 6 أشهر، فهذا لا يعتبر إنجازا يمكن التفاخر به مثلما تشدق بذلك الوزير، وإنما دليل على تقاعس الترويكا التي لم تسع لوقف الإرهابيين مع أنها تعرفهم، منذ 6 أشهر، وهي بهذا تتحمل مسؤولية عدم حماية المسار الديمقراطي، وحماية المعارضة والنخبة التونسية، التي تتعرض اليوم لما تعرضت إليه قبلها نخبة الجزائر على يد الإرهاب الأصولي. ومع أن المغدور يطبق فرائض الإسلام، وزوجته ملتزمة، إلا أن تجار الدين لم يروا فيه إلا الصوت الرافض لمشروعهم الظلامي، فقرروا إسكاته مثلما أسكتوا قبله الزعيم شكري بلعيد، ومثلما أسكتت في الجزائر الكثير من الأصوات، الرافضة للدولة الدينية. الخوف أن تفرغ تونس من نخبتها مثلما أفرغت الجزائر، إما بالقتل أو الإجبار على الهجرة، وتفرغ بذلك الساحة للغنوشي وذراعه المتشدد السلفي، فالغنوشي وحده المستفيد من الأزمة الأمنية، ومن اغتيال السياسيين الديمقراطيين لأنه لا يريد معارضة في تونس. الغنوشي يريد الشمولية وما زال يحلم بالخلافة الإسلامية، وما اغتيال البراهمي إلا رسالة لكل من يفكر في الانقلاب على النهضة، فلو كان الرجل يرفض العنف الإسلامي، لما منح اللجوء السياسي للمجرم أبو قتادة، إن لم يكن للاستفادة من خبرته في المجازر واغتيال النخب. يحدث هذا في دولة يترأسها مناضل من أجل حقوق الإنسان، رئيس يدوس على دم شكري بلعيد، وسيدوس على دم براهمي وعلى كل من ستمتد إليهم يد الغدر الإسلاموي، وأكثر من ذلك سيجد لها المبرر، وستبقى جريمة أخرى بدون عقاب.