ينتظرون أولياءهم بشغف لتناول الحلوى وارتداء ملابس العيد كانت الساعة تشير إلى السابعة مساء من نهار أمس، عندما دخلت ”الفجر” إلى مركز إعادة التربية للأطفال القصر الذكور، بساعة ونصف تقريبا عن موعد الإفطار. سبقتنا في ذلك جمعية ”جزائر الخير” التي تذكرت في هذه الأجواء الروحانية من رمضان الطفولة المحرومة، بعدما زارت في الأسبوع الأول من رمضان مركز إعادة التربية للإناث بحي الصديقية بوهران. دخلنا إلى المركز ووجدنا أيمن، 16 سنة، وأحمد8 سنوات، شقيقان من ولاية غليزان، تم تحويلهما مند يومين إلى مركز حي جمال بوهران، بعدما كانا يقيمان بمركز الڤرابة بغليزان للأطفال القصر. والتقينا أيضا مع طفل نحيل الجسم يدعى عبد الله، 9 سنوات. من حي شطيبو الذي يعد نقطة سوداء بالولاية ويتجمع فيه سكان من 48 ولاية نزحوا إليه خلال سنوات الجمر، والطفل مصاب بداء السكري واطلعنا أنه يستعمل الأنسولين. ورغم ذلك لا يترك قطع الحلوى بعيدة عنه بعدما وجدناه يتناول البعض منها وطلبنا منه تركها، لكنه قال لنا إن مؤطر المركز تركني أتناولها باستمرار لتفادي نقص السكر لدي. وكان بجانبه شقيقه الحاج احمد، 11 سنة، اللذان تخلت عنهما والدتهام لدى مصالح الدرك الوطني لبلدية سيدي الشحمي بعد وفاة زوجها من جنسية مغربية، كما علمنا، ولم تجد سبيلا لحماية أطفالها إلا برميهما في المركز بعد التخلي عنهما إشباعا لرغباتها وانحرافها.. لتقوم برمي فلذات كبدها إلى الشارع الذي كانوا ينامون فيه، وهم من أسرة تتكون من 6 أفراد، الشقيق الأكبر في السجن وشقيقتان شققن طريقهن نحو الانحراف والرذيلة. وفي ركن آخر من المركز كان هناك الشقيق الثالث لهما ينظر إليهما، ونحن نتبادل معهما أطراف الحديث في سهرة رمضانية أقامتها جمعية ”جزائر الخير”. وبعدما كنا نعتقد أن بالمركز طفل واحد من العائلة وجدنا أسرة كاملة من الأطفال يجتمعون في المركز، بعدما توقفوا عن الدراسة ورمى بهم أولياؤهم إلى الشارع، لتقوم مصالح الأمن بأمر من قاضي الأحداث بإحالتهم على المركز بعدما كانوا في خطر معنوي. ووجدنا في طاولة أخرى أيضا أيمن، يحسن لعبة كرة القدم، وجمال صديقه، وغريب، ومحمد، وغيرهم، ومنهم الكثير بما يفوق 40 طفلا قاصرا أعمارهم من 8 إلى 15 سنوات جميعهم توقفوا عن الدراسة ولكل واحد منهم قصة مع الزمن، ليدرك هؤلاء البراعم ما يخفيه لهم الزمان بعدما وجدوا أنفسهم محرومين من حنان الوالدين، وليشعروا بقسوة الزمن ومرارة الأيام. أعينهم تلاحق كل زائر للمركز، خاصة بعد انقطاع حبل الوصال بينهم وبين عائلاتهم التي لم تكلف نفسها عناء تفقد الوضعية التي يقيم فيها أبناؤها. قال لنا عبد الله ”حتى لو جاءت أمي بعد سنة من رميها لنا في الشارع مع أخي فلن أتحدث معها”. أما شقيق أيمن، يبلغ 8 سنوات، فقال لنا”أسامح أمي وأحبها وإذا جاءت فإنني سأقبلها كثيرا، وكم أتمنى أن أقضي العيد معها تم أعود إلى المركز”. هي انشغالات وهموم كبيرة أكبر من حجم أجساد هؤلاء الأطفال الذين وجدوا أنفسهم مقحمين في دوائر تسير بهم نحو غد مجهول، بعدما اغتصبت منهم كلمة ”بابا وماما” التي ينطقها كل طفل.. وبدل من نسج الأولياء لهم خيوط مستقبل زاهر، سواء في الدراسة أو في الحياة، وجدوا أنفسهم أمام مصير غامض في عالم لا يرحم مليء بالمخاطر. في الوقت الذي علمنا أن إدارة المركز قررت تحويل أيمن وشقيقه إلى مركز الطفولة المسعفة بحي سانتيبار، على اعتبار أنهم صغار ودخلوا إلى المركز بعدما كانوا في خطر معنوي بالشارع، ولم يرتكبا أي جرم أو سرقة، كما هو حال ياسين، الذي كان يسرق الحقائب والهواتف النقالة من الفتيات في الشوارع. ولأن المركز يجمع كل الأطياف فإن الخطر يزحف نحو الطفولة البريئة التي رمى بها الفقر إلى المركز أغلبيتهم بدافع الحاجة والتفكك الأسري من طلاق ووفاة الوالد وغيرها. أدوا الصلاة في صف واحد وجلسوا إلى مائدة واحدة بعد الصيام إنه وقت الأذان.. تنقل الأطفال رفقة المشرف عليهم في ساحة المركز، وفي صف واحد جمعتهم الصلاة، وأدوا صلاة المغرب. بعدها التحقوا بمائدة الإفطار والفرحة تغمر وجوههم وكأنهم بين ذويهم وأسرهم. وكان معهم مدير المركز الذي كان يتفقدهم في كل مرة ويتكلم معهم بكل لطف ويمسح على رؤوسهم، ما جعل الأطفال يتقربون منه كثيرا. وتقدم أعضاء جمعية ”جزائر الخير” نحو مائدة رمضان بعدما قاموا بطهي وجبة الإفطار في مطبخ المركز وأعدوا ما لذ من الطعام من طاجين زيتون ولحمر محمر، وكذا أنواع من سلطات وطبق الحريرة والبوراك والجبن ومشروبات غازية متنوعة، نالت إعجاب الأطفال بعدما حرموا من مثل هذه المأكولات مدة طويلة، خاصة اللحم الذي قيل لنا إنه لا يدخل المركز إلا نادرا ولا يتناوله الأطفال إلا قليلا. وبعد الانتهاء من وجبة الإفطار، أقيم حفل فني في ساحة المركز نشطته جمعية الإنشاد الديني لفرقة الرحاب، التي تجاوب مع أناشيدها الأطفال، ووزعت عليهم بعض الحلويات من نوع الشامية. ليتم بعدها تكريم الفريق الرياضي للمركز من قبل جمعية الجزائر الخير التي أقامت دورة كروية بين المقيمين في المركز.. إذ تسلم اللاعب جمال الكأس، وسعد الجميع بالسهرة التي انتهت قرابة الساعة الواحدة صباحا، حيث عاد الأطفال إلى مضاجعهم بعدما استمعنا إلى قصص البعض منهم. أيمن كان بجانبنا طول الوقت، فتح قلبه لنا وبدأ يتكلم عن والدته وكيف وجد نفسه بين أسوار المركز، ليخبرنا أنه أخد معه شقيقه الصغير المتواجد معه بالمركز أحمد بولاية غليزان، 8 سنوات، إلى مدينة البليدة ليشتغلا في أسواقه كحمالين بعد طلاق والدتهما التي كانت تطلب منهما جلب الأموال بأي طريقة. وبينما ركب القطار صعد المراقب وطلب منهما التذكرة كما قال لنا لكنها لم تكون لديه فأخذهما إلى مركز الشرطة، ليتم وضعهما بعد ذلك في مركز إعادة التربية بمنطقة القرابة بولاية غليزان، خاصة أن الأمن راسل والدتهم ورفضت الحضور بعدما تخلت عنهما، أين قضيا هناك 4 أشهر وتم تحويلهما إلى مركز حي جمال الدين بوهران، أين يتواجد مع شقيقه الصغير الذي قال لنا ”اشتقت كثيرا لوالدتي، وكم تمنيت أن تأخدني معها لأشتري ملابس العيد وأمضي اليوم في المنزل وبعدها أعود إلى المركز”. وكانت أعينهما تتمعن الزائرين إلى المركز علهم يشاهدون والدتهم وهو حال أغلبية الأطفال بالمركز، ومثلهم عبد الله وحاج احمد وإبراهيم وغيرهم، حيث أضاف عبد الله أن والدتهم تخلت عنهم بعهد وفاة الوالد وطردتهم من المنزل ليقوم بعد بقائه في الشارع التنقل إلى مصالح الدرك الوطني، وتم وضعهم بالمركز إلى جانب العشرات من الأطفال المتشردين في الشوارع، وهو وأخوه انقطعوا عن الدراسة ويقضون أوقاتهم في المركز. علمنا أن المركز يفتقر إلى الكثير من التجهيزات من إعلام آلي وقاعات التكوين لممارسة نشاط حرفي ومهني، خاصة أن إبراهيم تم توقيفه بعد تورطه في قضايا السرقة ويقضي عقوبته بالمركز.