لنرى الآن بوضوح، بعد فورة الغضب والصدمة بعد تأكيد فضيحة نساء النهضة ونكاح الجهاد في سوريا!؟ ليس من باب الصدفة أن تستهدف المرأة التونسية في شرفها، وأن تساق للتضحية على مذبح النخاسة والعار. لم تأت فتاوى العريفي وشيوخ الوهابية من عدم، فقد دبر للمكيدة بليل - على حد المثل - واستهداف التونسيات ليس بريئا، فالمرأة التونسية كانت دائما مرجعية للمناضلات العربيات لما اكتسبت من حقوق مشهود لها، ليس لدى العرب، لأن العرب لا يؤمنون لا بالمرأة ولا بحقوق الإنسان، وإنما بالغرب. فالمكاسب التي حققتها التونسية في عهد الرجل السابق لعصره بورقيبة، كانت مطلبا لتكون مرجعية لحقوق المرأة العربية في القمة العربية التي عقدت في تونس سنة 2004، المطلب الذي عارضته المملكة العربية السعودية ودول الخليج، حيث ما زالت المرأة في الكثير منها مجرد وسيلة للمتعة والتفريخ، وما زالت محرومة في أغلبها من حقوقها المدنية، في التصويت والانتخاب، وليس فقط في قيادة السيارة والسفر من غير محرم. فالتونسية التي تجرأت وخرجت بشعرها الجميل ولسانها العربي الفصيح إلى شارع بورقيبة وشاركت بقوة في قلب نظام بن علي، وما زالت مصممة على المضي بثورتها حتى تحقيق كل أهدافها، تخيف هؤلاء، المشككين في ذكورتهم الخائفين (نفاقا) على عفتهم. ومثلما ألهبت الثورة التونسية قبل أن تسرق وتنحرف عن مسارها، الشارع العربي، خاف شيوخ السعودية وقطر على عروشهم أن تهتز، وأن تطلق نساؤهن المكبوتات صرخة تزلزل كيانهم، فألقوا بالتونسية في عهد الغنوشي إلى مستنقع الرذيلة. شتان بين بنات بورقيبة الذي خلع السفساري (الحايك) عن كتفي فلاحة تونسية، موجها بذلك رسالة قوية إلى المرأة التونسية والعربية عموما، أن تحرري فلا مجال للخنوع والتخفي، فالعفة ليست في قطعة قماش، ولا حتى في حزام العفة، العفة في الثقة بالنفس، في اعتلاء أعلى مراتب العلم، وفي الإيمان بالهوية والوطنية. وليت بنات الغنوشي، اللواتي ضحك عليهن وأرسلهن إلى سوريا في مهمة يندى لها الجبين، تقربا من أسياده الأمراء الذين اشتروا له أصوات الغلابى في تونس بكيس سميد وصفيحة زيت، ومع ذلك يتجرأ وينتقد بورقيبة على موقفه من الحايك ومن الحجاب، وموقفه من مظاهر التدين المزيفة. بورقيبة لم يتاجر بالتونسية، فتح لها الجامعات، ومنحها كل الحقوق كإنسانة، لم يخلع عنها الخمار ليتمتع بجمال شعرها، وإنما ليحررها من قيود التقاليد البالية، لم يجمع بين مثنى وثلاث ورباع، لأن المرأة عنده رفيقة درب، يناقشها الأفكار ويسكن إليها، لا جارية يبدلها بأخرى كلما فتر لونها ودب إليها الكبر. لم يرسل الغنوشي سميته إلى سوريا لتجاهد وتجلب له الحسنات، مثلما فعل مع بنات العشب المغلوبات على أمرهن. لابنته اختار الاستثمارات والتجارة المربحة، والتونسيات اختار لهن فضيحة لا تمحى. ربما لم يعط نفسه فرصة للمقارنة بينه وبين سلفه الذي جاء محاولا محو أثره من تونس، وإلا لما فعل هذا. فشتان بين من يعري شعر فلاحة تونسية ليقودها على طريق الحرية، وبين من يطلب من تونسيات تعرية فروجهن للعشرات، بل المئات من المجانين يسمونهم مجاهدين، والجهاد بريء منهم. لم ينتبه الغنوشي لفعلته، وها هو يتعرى على حقيقته، مثلما عرّى ستر بنات تونس الأصيلات. من حق “يتامى” بورقيبة أن يتفاخرن بنسبهن، وبشرف انتمائهن، فبورقيبة لن تلده تونس مرتين!؟