مرة أخرى ينتهي الحوار بين الحزب الحاكم في تونس والمعارضة إلى الطريق المسدود، وتخيب معه آمال التونسيين الذين انتظروا طويلا الحلول التي وعدت بها الترويكا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ولم تجن تونس من النهضة إلا غلاء المعيشة وارتفاع نسبة البطالة، إضافة إلى الوضع الأمني المتدهور، وضع تغذيه النهضة دوريا بدعم الجماعات السلفية لتعطيها مبررا للبقاء في السلطة، ألم يقل وزير العدل السابق أنه لا يمكن تنظيم انتخابات إذا كان الوضع الأمني متدهورا؟ وها هي تونس تدشن مرحلة جديدة من الإرهاب مرحلة أكثر خطورة مما عرفته حتى الآن بظهور الانتحاريين حيث فجر، الأسبوع الماضي، انتحاري نفسه في منتجع سياحي بسوسة، ووجه بذلك إسلاميو تونس ضربة للاقتصاد من جهة باستهداف السياحة عصب الاقتصاد في تونس، وضربة أخرى للحوار الذي كسبت فيه المعارضة أشواطا على حساب النهضة، وأرغمتها على قبول استقالة الحكومة، قبل أن يوجه الغنوشي الحوار إلى الطريق المسدود كسبا للوقت، ربما ليرى ما ستؤول إليه الأوضاع في مصر، حيث ما يزال الإخوان يطمعون في العودة إلى السلطة، ظنا منهم أن أمريكا والغرب قد يتحرك لإعادة مرسي إلى القصر الرئاسي، أو أن العمليات الإرهابية التي يقودها الإخوان في سيناء وفي جهات أخرى من مصر ستنهك النظام ويرضخ للأمر الواقع ويعود مرسي رئيسا لمصر. مهما كانت نوايا الغنوشي وما يخبئه لتونس، فالنهضة التي فازت بالأغلبية في انتخابات أكتوبر 2011 لتسيير مرحلة انتقالية ولصياغة دستور جديد للبلاد في ظرف سنتين، قد انتهت صلاحيتها وهي الآن تستولي على الحكم بطريقة غير شرعية منذ23 أكتوبر المنصرم، ولكي تستمر في الحكم لمدة أطول ريثما تستولي على مفاصل السلطة، ها هي تراوغ وتتلاعب بالحوار مع المعارضة، مع أنها الطريقة الوحيدة التي تمكن النهضة من الخروج الآمن لها ولتونس، وتجنب البلاد نهاية مأساوية مثل تلك التي عرفها تنظيم الإخوان في مصر في جويلية الماضي. واختيار النهضة لشخصية المستيري كرئيس للحكومة، لأنها تعرف مسبقا أان المعارضة سترفض شخصية محسوبة على النظام السابق كما أن كبر سن الرجل لن يسمح له بأداء المهام التي يتطلبها منصب رئيس حكومة تقود البلاد في ظروف صعبة، ما يعني أنه سيكون الستار الذي ستختبئ وراءه النهضة وتستمر في إدارة دفة الحكم من وراء الستار، مثلما تديرها الآن من وراء رئيس الجمهورية المؤقت الذي انتهت هو الآخر شرعيته بانتهاء الفترة الانتقالية. الرباعي الراعي للحوار غسل أول أمس يديه من مسؤولية فشل الحوار، ما يعني أن تونس مقبلة على مرحلة جديدة من الاحتجاجات. فالمعارضة التونسية التي خرجت بقوة إلى الشارع في جويلية الماضي مطالبة برحيل النهضة لن تسكت ولن تسلم بالأمر الواقع، ولن تردعها العمليات الإرهابية التي تحركها جهات من النهضة كلما وجدت النهضة ظهرها إلى الحائط، وستجبر النهضة على تسليم السلطة سواء بالحوار أو بالقوة، فلم تعد هناك شرعية يخاف الانقلاب عليها بعد انتهاء الفترة الانتقالية. وبعدما فشلت النهضة في تجربة الحكم وأثبتت أنها لا تقل ديكتاتورية وفسادا من نظام بن علي، بل أسوأ، فبن علي لم يروع التونسيين بعمليات إرهابية، ليختاروا بين النهضة والإرهاب زد على ذلك أن الرأي العام الدولي خاب ظنه في الثورات العربية المزعومة، واكتشف أن التنظيمات الإسلامية التي جاءت إلى الحكم بطرق ديمقراطية، سرعان ما كفرت بالديمقراطية وراحت تحارب المرأة وتدوس على حقوق الإنسان وتسعى للسيطرة على الحكم رافضة التداول على السلطة الذي هو مبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية. تونس اليوم مجبرة على حماية “ثورتها” خاصة وأن رياح السياسة الدولية لم تعد تسير في اتجاه الثورات العربية، بعدما فشل الربيع المزعوم، وتحولت أحلام شعوبه إلى كوابيس مزعجة في ليبيا وسوريا ومصر واليمن، وتمسك النهضة بالحكم لن يصمد طويلا مهما كانت العمليات الانتحارية، إذا ما تحرك الشارع التونسي بقوة مثلما تحرك في جانفي 2011، فخلاص تونس مرهون بقوة معارضتها وبالمكاسب التي ستحققها في ساحات الاحتجاجات.