مستشفيات جزائرية تشبه كثيرا الطرقات والأسواق الشعبية، فالداخل إلى أي مصلحة للعلاج من مرض ما إذا خرج سليما معافى من أمراض أخرى عليه أن يشكر الله على نعمته. ولعل ما تخفيه المستشفيات الجزائرية أكبر من أن يحيط به مقال صحفي.. لم يعد من المستغرب في مستشفيات كثيرة أن أعوان الحراسة وعاملات النظافة وموظفي الاستقبالات صارت لهم اليد الطولي في المراكز الصحية والمستشفيات، حيث صار من العادي ومن الطبيعي أن يصل نفوذ أعوان الحراسة وعاملات النظافة، ليس فقط إلى قاعات العلاج لكن إلى كبار المسؤولين في القطاع الصحي. فقد تكون معرفتك بعون أمن أورئيس حظيرة في مستشفى أفضل من معرفة بروفيسور. وأن تربط علاقة مع عاملة نظافة قد تقدم لك خدمات لا يوفرها أي مسؤول رفيع في القطاع!. يروي العديد من المرضى، خاصة النساء في قاعات الولادة، أن عاملات النظافة صرن صاحبات الأمر والنهي في المستشفيات، لدرجة أن الممرضات وأعوان الشبه طبي صاروا يرتدون عمدا السماعات الطبية لدى تجوالهم في أروقة المصحات حتى لا يتم الخلط بينهم وبين عاملات النظافة، خاصة أن لون المآزر لم يعد يختلف بين الأعوان والعاملين في مختلف الأقسام الصحية، من الأبيض إلى الأخضر الذي يرتديه ممرضو أقسام الجراحة، والأزرق المخصص لأعوان مصالح الإنعاش. يقول عادل، شاب في منتصف الثلاثينيات من عمره، إنه اضطر إلى تقديم إكرامية مالية لإحدى عاملات التنظيف في مستشفى بني مسوس حتى ”تتهلا” في زوجته التي وضعت مولودتها هناك، لأنه لم يكن يملك غير هذا الحل ولا ”معريفة” لديه في القطاع، وكان المبلغ البسيط الذي قدمه”للفام دومنيجاج” وبعض الهدايا البسيطة التي لا تخرج عن كونها مأكولات بسيطة كافية - يقول عادل - لتجعل تلك المرأة ”تتهلا” في زوجته وتقدم لها كل ما تحتاجه بما في ذلك توفير الحقن المخففة لآلام المخاض والتي أضحى الحصول عليها ترفا غير متاح لكل النساء!. تروي بعض الشهادات للمرضى وأهاليهم أن عاملات النظافة قد يلعبن أيضا دور المرشد النفسي، عندما تقدم لك نصائح في رواق المستشفى وتحثك على الصبر، وقد تساعد أيضا الممرضات في نقل بعض وثائق المريض من مصلحة إلى أخرى، وقد تحدثك كأنها أحد الاختصاصيين البارعين. بأي منطق يحدث هذا؟؟ لا أحد يمكنه أن يقدم لك الإجابة. قد تكون أيضا لعاملات النظافة فائدة أخرى - تقول زهرة - حيث علمتها تجربتها التي جعلتها تتنقل دوريا خلال الخمس سنوات الأخيرة بين أروقة مستشفى مصطفى باشا لمرافقة والدتها المريضة بالسرطان، وجعلتها تربط صداقات مع بعض عاملات النظافة هناك أفادتها كثيرا في توفير الأدوية وضبط موعد الفحوصات وتجنب الدوران بين المصالح والأروقة. وتؤكد هذه السيدة أن ما يمكن أن تقدمه لك عاملات النظافة أو أعوان الحراسة من خدمات قد لا يقدمه لك أحسن دكتور هنا، وهذا بحكم عملهن المرن الذي يجعلهن في تنقل يومي بين الأروقة والمصالح ويمنحن لهن فرصة التعرف وربط علاقات مع أناس كثيرين بما في ذلك المسؤولين عن القطاع. وهذا ما يتيح لهن التحكم في مداخل ومخارج الأمور في المستشفيات.. فأن تكون قريبا أو صديقا أو حتى من معارف ”فام دو ميناج” أو ”عساس” خير لك من أن تكون قريب وزير الصحة.