رغم كل ما يقال عن التحسينات الطارئة في مجال السياسة الوطنية للتكفل بالأمهات والمواليد الجدد، إلا أن آخر تقرير لوزارة الصحة وإصلاح المستشفيات، كشف أن 700 امرأة حامل تتوفى سنويا في الجزائر، نتيجة تعقيدات أثناء الحمل أو الولادة، بما يعادل 97 وفاة في كل مائة ألف حالة، في حين تفقد الحياة 50 بالمائة من النسوة الحوامل في المناطق الريفية داخل سيارات الإسعاف،أثناء تحولهن إلى مستشفيات أخرى، وإضافة إلى ذالك يتوفى 30 مولودا في كل ألف ولادة طبيعية . أفاد تقرير لوزارة الصحة أن 4,18 بالمائة من الحوامل يتوفين بسبب ارتفاع ضغط الدم، وهو ما يغفل عنه الأطباء في كثير من الأحيان، ويحول دون إنقاذ حياة الحوامل، كما تتوفى 6 ,16 بالمائة من الأمهات بسبب النزيف. وتوحي هذه النسب بتردي أوضاع أقسام التوليد عبر مستشفيات العاصمة، والتي ترجمتها ظروف صارت عامة للأسف كافتقار المستشفيات إلى أسرة للولادة، بعد أن صار افتراش الأرض سلوكا أكثر من عادي، فالأمهات يفترشن مداخل الغرف، بل وتمتد إلى دهاليز الأقسام التي ضاقت بمن فيها أبعداد تفوق استيعاب هذه الأقسام، ناهيك عن الشكاوى الدائمة من أخصائيي التوليد، وأكثر منهم القابلات من الانتقادات الموجهة لهن. وقد استنتجنا من خلال جولة استطلاعية أن مصالح التوليد بكبرى مستشفيات ولاية الجزائر تشهد اكتظاظا كبيرا مما أدى إلى تدني ظروف الاستشفاء ونوعية الخدمات المقدمة على مستواها، وحسب المعاينة الميدانية التي قادتنا إلى مصالح التوليد بكل من مصطفى باشا الجامعي،''دوروندو'' بباب الوادي ونعيمة ببلكور، فإن مختلف هذه المصالح تستقبل يوميا عددا هائلا من الحوامل يفوق طاقة استيعابها، مما ينعكس سلبا على الخدمات، خاصة أن العاصمة تبقى الوجهة المفضلة لغالبية الحوامل القادمات من مختلف البلديات المجاورة، وهي الوضعية التي غطت حسب ما أكده مسؤولو هذه المصالح على المجهودات التي يقومون بها. مستشفى مصطفى باشا.. حوامل يشتكين ظروف الاستقبال والاكتظاظ مستشفى مصطفى باشا واحد من المستشفيات الكبرى بالعاصمة، الذي شهد ميلاد 9560 طفل خلال سنة 2008 لحوامل قدمن من مختلف مناطق الوطن، وبمعدل 35 ولادة يوميا وفي ظروف صعبة نتيجة الاكتظاظ الخانق، وهي حقيقة لاحظناها بعد أن تمكنا من دخول المصلحة وكل غرفها خلال موعد الزيارة الذي تم تغييره إلى الواحدة والنصف زوالا. فالزائر لمستشفى مصطفى باشا الجامعي في هذه الفترة، يلاحظ حشدا هائلا من الرجال والنساء وحتى الأطفال الذين يتدفقون دفعة واحدة على المستشفى، إلى مختلف الأقسام، وبكثرة على قسم التوليد، هذا الأخير الذي يمنع دخوله إلا على الطاقم الطبي. ولكن تمكنا بدخوله لنبحث عن طبيبة نحتاجها، لا يمكن أن تتصور الوضعية التي تتم فيها الولادة والعمليات القيصرية التي تصل إلى عشر عمليات في اليوم، من خلال توزيع العدد الإضافي من الأسرة هنا وهناك، وحتى بطريقة فوضوية، بينما تفترش بعض النسوة المساحة المتبقية على الأرض في انتظار التوليد الطبيعي أو العملية القيصرية. فالوضعية بجناح الولادة أصبحت لا تطاق، جراء انتشار روائح الدماء المختلطة برائحة الأدوية، كما لاحظنا غياب مشكل النظافة بقاعة الولادة حيث أن جدرانها كلها ملطخة بالدماء، والسبب هو الإهمال واللامبالاة. وإلى جانب هذا يتم تغيير مواعيد إجراء العمليات القيصرية بطريقة عشوائية، دون الأخذ بعين الاعتبار حالة الحامل التي يطلب منها الصوم قبل خضوعها للعملية، وهو الأمر الذي زاد من تذمرهن، حسب ما أعربت عنه لنا السيدة ''أمال''، إضافة الى ذلك، هو عدم التمكن من الاطمئنان عليهن لا بالدخول ولا بالهاتف النقال الذي تم منعه أيضا، فضلا عن منع إدخال المأكولات من خارج المصلحة التي توزع الوجبات في فترات محددة.. ولأننا دخلنا وقت الزيارة الذي يكون بعد الظهيرة، وكان وقت تناول وجبة الغذاء، تمكنا من رؤية ما يتم تقديمه للنساء الحوامل والواضعات الجديدات، ولم يكن شيئا غير شوربة العدس ، وبيض مغلي، وسلطة خس، وعندما تأملنا في أرضية كل سرير، وجدنا الطبق الذي قدم للنساء في الغذاء، وهو مملوء لم تلمسه أية واحدة منهن حيث ينتظرن، بفارغ الصبر، على حد قولهن، فترة الزيارة وحضور الأهل. عيادة الولادة ''جوروندو'' بباب الوادي... في غياب الوساطة يصعب على الحامل وضع مولودها أكاد أجزم أن الحامل التي تضع مولودها في عيادة ''جوروندو'' التابعة لمستشفى مايو، والمعروفة حاليا بعيادة ''غرافة''، التي لا يكون دخولها سهلا، ستحتفظ بذكريات لا تنسى لأنها ستمضي وقتا طويلا في انتظار المعاينة التي تكون فيها الأولوية لأصحاب الوساطة، على حد تعبير السيدة (ف.ب) التي قالت: ''إن تجربتي الأخيرة كانت مختلفة عن سابقتها، حيث أنجبت ابنتي الأولى في المصلحة في ظروف جد صعبة، بينما حظيت هذه المرة بالعناية، بعد أن توسطت لي إحدى معارفي لدى المصلحة''. فحكايات قسم التوليد بهذه المصلحة لا تختلف كثيرا عن أقسام التوليد الأخرى، فالأوساخ ودورات المياه المتعفنة والمتسخة كفيلة بأن تنشر مختلف الأمراض والأوبئة. في قسم التوليد وحسب شهادة إحدى النساء الحوامل كالسيدة خديجة، راضية ونورة، ''فان الحامل التي تدخل هذه العيادة ستعانين لا محالة وهن مستلقيات على الأرض، بسبب الاكتظاظ ونقص العمال، خاصة الممرضات أثناء الليل، مؤكدة أن الكثير من الحوامل تجهض فوق السرير، ووسط دهشة وصراخ القابلات أو الممرضات على حد سواء، مشيرة إلى أنهن لا يكلفن أنفسهن عناء مساعدتهن، وهن تحت وطأة الألم . وأكبر مشكل يمكنه أن يضع حياة الحامل في خطر هو غياب الممرضة ليلا وصعوبة الاتصال بها، كما صرحت السيدة فضيلة قائلة: ''فلا احترام للحوامل في هذه العيادة، فالقابلات يرغمن الحوامل على ترك السرير والمشي في الرواق بحجة تسهيل عملية الولادة، حيث إن إحدى الحوامل كادت أن تضع مولودها في الرواق''. حوامل يؤكدن بأن عيادة نعيمة مختصة في الإهانة لا الولادة وجهتنا ما قبل الأخيرة كانت إلى بلكور بعيادة ''نعيمة'' التابعة للقطاع العام، التي دخلناها أثناء موعد الزيارة، فأول ما يشاهده الزائر هو تواجد الحوامل ومرافقاتهن بكثرة في قاعة الانتظار للقيام بالفحوص، أو الالتحاق بقاعة الولادة مرفوقات بالحقائب ولوازم ما بعد الوضع، فصور الاكتظاظ الخانق بها وخاصة بالجناح المخصص للولادة، يكفي أن ترى مشاهد المعاناة التي تتكبدها الحوامل جراء ساعات طول الانتظار، حوامل في حالات استعجالية يوشكن على وضع حملهن يُرفض استقبالهن، ويتم توجيههن إلى مستشفيات أخرى للوضع، ما يتسبب في نشوب مشادات بين أزواج الحوامل وأعوان الأمن، تستدعي تدخل أعوان الشرطة في حالات كثيرة. في حين كشفت العديد من الحوامل اللائي تحدثنا إليهن أنهن يضطررن في قسم التوليد إلى اقتسام سرير واحد، وهو ما يزيد من معاناة الحامل، وهو أيضا ما أكدته السيدة (ف. ب) التي اضطرت إلى تقاسم السرير مع غيرها رغم آلام المخاض، كما أشارت إلى أن هذا الوضع يجعل إمكانية انتقال العدوى بين الحوامل ممكنة، علاوة على العجز المسجل في الأسِرة الخاصة بالمواليد الجدد، وهو ما يشكل خطورة على حياة المولود في حال غفلة الأم. ومن جانب آخر الانقطاع المتكرر للمياه، حسب الشكاوى التي رفعتها إلينا النساء اللواتي وجدناهن بغرفهن، ولكم أن تتصورا كيف يتحول الوضع في ظل غياب الماء عن الحنفيات، وخاصة أن القسم تجرى به عمليات الجراحة القيصرية التي تستدعي من الأطباء غسل أيديهم قبل وبعد كل عملية تجرى. 7000 امرأة تموت سنويا داخل قاعات التوليد سببها نقص التكوين وتخلف أساليب التوليد كوارث كبيرة تحدث داخل قاعات التوليد، لا يستطيع أن يتصورها إنسان، حيث أصبحت هذه الأخيرة تشبه ''مذابح ''، وأبطالها قابلات متربصات، يتفنن في نسج خيوط الآلام الكبيرة التي تتعرض لها الأمهات، ما يؤدي إلى وفاة أغلبهن. وحسب مصدر لم يرد الكشف عن اسمه بقسم التوليد بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، أوضح لنا أن غالبية قاعات التوليد بالمستشفيات العمومية تتميز بالاكتظاظ، وكذا ضعف التكوين من قبل القابلات، وعدم وجود فروع خاصة للتكوين الحسن للقابلات وحتى الأطباء على حد سواء، مؤكدا أن الاعتماد أضحى فقط على المتربصين. مشيرا إلى أن الحالة التي توجد فيها مصلحة الولادات هي حالة تنبئ بالخطر، خاصة أن كل الأمراض المتنقلة تأتي من عدم التنظيم الذي تشهده هذه المصلحة دون سواها. وأكد أن عدد الوفيات التي نسجلها سنويا تقدر بأكثر من 7000 امرأة تموت أثناء وضع حملها، هذا الرقم الكبير أدى إلى هروب العديد من الأمهات إلى المصالح الخاصة التي هي الأخرى تسجل نقصا فادحا في القابلات. هذا وأضاف ذات المصدر أن السبب الحقيقي من وراء هذا هو ضعف تكوين القابلات، وكذا تسجل نقص فادح في اختصاصيي أطباء النساء والتوليد، إضافة إلى التخلف الذي تشهده معظم مستشفياتنا وغياب الثقافة الاستشفائية، ما أدى بنا للوصول إلى هذا المستوى. هذا وأشار المتحدث إلى أن 50 بالمائة من نسبة وفيات حديثي الولادة، لا تتعدى 24 ساعة، قائلا ''إن ارتفاع نسبة وفيات الحوامل، يرجع بالدرجة الأولى إلى عدم التحكم في الحالات المستعجلة، خاصة تلك المتعلقة بالنزيف الحاد الذي يعد السبب الأول المتسبب في الموت''. أولياء يرفعون دعاوى قضائية ضد المستشفيات.. والقابلات على رأس قائمة المتهمين بخمسين بالمائة قضائيا تبقى شكوى الأمهات من المعاملة في أقسام التوليد تفوق بكثير مشكل الإمكانيات أو الأخطار الأخرى، ذلك أن المرأة المقبلة على الوضع بحاجة إلى الرعاية والتفهم أكثر من أي شيء آخر، وهو ما لا يتوفر للأسف في مستشفياتنا وبخاصة في القطاع العام، مما يدفع بالمرأة وزوجها إلى اختيار العيادات الخاصة، سعيا وراء الراحة والمعاملة المنشودة والإفلات من كابوس يطارد الحوامل اسمه القابلات اللواتي صرن في حالات كثيرة مرادفا للعذاب، يتصدرن الاتهام من طرف الأولياء، كقضية السيد'' عبد الرحمن ط'' الذي رفع دعوى قضائية ضد مستشفى باينام بتهمة التسبب في وفاة ابنته بعد ساعات من ولادتها، يوم السابع من أكتوبر الجاري، والتي لم تكن تعاني من أي مرض حسب تقرير الطبيبة المختصة. وحسب ما صرح به الأب أن التقارير الطبية التي أجرتها الأم قبل الولادة، تقر بأن الأم والجنين في صحة جيدة، ليرفع اللوم إلى رئيس مصلحة التوليد ورئيس مصلحة الأطفال حديثي الولادة بتهمة الإهمال والتسبب في قتل الرضيعة. وبشان مقاضاة القابلات صرحت لنا السيدة ''عقيلة قروش'' رئيسة الاتحاد الوطني للقابلات، أن عدد الشكاوى قد بلغ حوالي خمسة آلاف شكوى مودعة تنتظر تطبيق عقوبات صارمة ضد عدد كبير منهن، مشيرة إلى أن بعض الحالات وصلت الى السجن لمدة خمس سنوات. هذا وأوضحت ذات المسؤولة، أن الأسباب التي تدفع إلى مقاضاة القابلات، جلها تتمثل في وفاة وجرح المواليد خلال مرحلة الولادة، بالإضافة إلى تدهور الحالة الصحية للأم، قائلة بأن هناك أطفالا يولدون بصحة جيدة، وهناك أطفال يموتون وآخرون يعيشون بعاهات، هذه الأخطاء تنسب للقابلات والتي بسببها تقبع الكثيرات منهن في السجون، مضيفة أنه من الصعب أيضا معاتبة الزوجين عند لجوئهم الى العدالة بعد وفاة طفلهما، أو تعرضه لعاهات مستديمة بسبب خطأ ارتكب من قبل القابلة، وفي نفس الوقت تقول'' أتأسف لأن المتابعات القضائية في تزايد مستمر ضد نصف القابلات ترتكبن أخطاء خلال ممارسة مهنتهن''. هذا وأشارت إلى ان العدد في الإحصاء الأخير حسب الاتحاد الوطني للقابلات في الجزائر، تجاوز عشرة آلاف قابلة، حيث إن ثماني مائة قابلة تشرف على عملية ولادة في السنة، فهي مهنة شاقة ومتعبة التي تمارسها القابلات الجزائريات، وكثيرا ما كانت سببا في دخول عدد كبير منهن للسجن، ليأتي القانون الجديد ليحدد مسؤوليتها ويرد لها شيئا من الاعتبار المفقود، ولكن يحرمهن من التقدم في السلم الوظيفي. قابلات وممرضات يبررن تعاملهن مع الحوامل العاملون بإدارة المستشفيات بدورهم يشتكون الاكتظاظ، ويقولون إنهم مرغمون على استقبال الحوامل وهذه هي الوضعية، لأن الدولة لم تكلف نفسها عناء توسيع المستشفيات، لكن الإشكالية التي تطرح هي غياب المعاملة الإنسانية للنساء في هذه الأقسام، لماذا تهان المرأة من طرف الممرضات والقابلات؟ والسؤال المطروح عليهن، الإجابة عليه واحدة''نعاني الإرهاق بسبب كثافة العمل''، ثم إن الحوامل يأتين ويبالغن في الصراخ والعويل، رغم أنهن يعرفن جيدا الوضعية الحالية لمستشفياتنا. وتقول إحدى العاملات بمستشفى مصطفى باشا إنها تعمل فوق طاقتها بسبب الاكتظاظ، وترهق لدرجة أنه ليس بإمكانها تحمل كل هؤلاء الوافدين وأحيانا تقول إنها تجد نفسها لوحدها في جناح بأكمله. في حين قللت ''شفيقة'' و''خديجة'' ممرضات بعيادة نعيمة من شأن الانتقادات، وأرجعتا الأمر برمته إلى عدم تقبل المرضى للنمط التنظيمي المتبع، وسعيهم للحصول السريع على الخدمة العلاجية، دون التفات إلى أنه ثمة هناك اعتبارات كتأخر الأطباء لسبب أو لآخر، أو ارتباطهم بحالة مرضية حرجة وما إلى ذلك، ووجهتا عبارة ''كل ما ينبغي أن يعلمه المرضى، أننا نعمل قصارى جهدنا لإرضائهم''. الحوامل بين مطرقة الوضع وسندان العيادات الخاصة في الوقت الذي يشهد فيه القطاع العام في الصحة فوضى كبيرة، تبقى المريضات بين مطرقة المرض وسندان العيادات الخاصة، هذه الأخيرة مجرد مؤسسات ذات طابع اجتماعي واقتصادي، تخضع لقانون العرض والطلب، بموجب العقد الطبي الموجود بين الطبيب والمريض، حيث تقدم خدمات جيدة وبامتياز، وأصبحت تنافس المستشفى لولا غلاء خدماتها، حيث توفر وبدون تضخيم غرفا للمرضى، هي أفخم بكثير من غرف الفنادق بالجزائر، وهو حال عدد من العيادات بالعاصمة، ''شهرزاد'' بالشراڤة و''السعادة'' بسالومبي، حيث يصل سعر الليلة إلى مليوني سنتيم لليلة الواحدة دون الخدمات الخاصة، تتوفر كل غرفة على سريرين أو ثلاث على الأكثر، وصالون مجهز بشاشات عملاقة، هاتف وكل اللوازم، ناهيك عن الحمام المجهز بكل اللوازم، كما تتوفر العيادات على مطاعم فاخرة يسيرها خبراء في الطبخ الصحي ويقدمون أطباقا ذات جودة وقيمة غذائية عالية، فالوافدون إليها من النساء الحوامل وعائلاتهم، يستحسنونها مثلما قالت لنا ''السيدة جميلة '' التي وضعت مولودها بالعيادة ''لا أخفي عليك أنني وضعت ثلاثة مواليد، في عيادات خاصة، فرغم الوجع الذي كنت فيه، لكن فور دخولي قاعة الولادة والمعاملة الحسنة التي تلقيتها من الطاقم، وحتى بعد خروجي ورؤيتي لنظافة الغرف، وكل ركن من العيادة،لم اندم على تكاليف الولادة والتي تقدر بأربعين ألف دينار''. العيادات الخاصة.. القيصريات تحت الطلب وخواص ''يخطفون'' المرضى من المستشفيات بعد أن صارت الولادة في أحيان كثيرة ببلادنا، مرادفا لأنواع من العذاب بدءا من العمليات القيصرية، إلى الولادة بالفورسابس وانتهاء بالإنتانات التي تصيب الأمهات والمواليد الجدد، إلى درجة أن بعض المستشفيات استحقت بجدارة لقب ''المذابح'' التي تثير الرعب في نفوس المقبلات على الولادة لمجرد سماع اسمها، وأيضا نظرا لارتفاع نسبة الوفيات في أوساط الأمهات والمواليد الجدد والتي تجاوزت 700 امرأة في المستشفيات بسبب تعقيدات في الحمل والولادة، وحوالي ألف مولود جديد يموتون سنويا في القطاع العام، لم يبقى على المرأة سوى الاتجاه إلى العيادات الخاصة،فهذه الأخيرة حسناتها وسيئاتها،وعندما نقول العيادات الخاصة فهي ليست الجنة، صحيح أن المرأة تلقى الرعاية من طرف فريق طبي، ولكن بما أن أغلب العاملين ليسوا دائمين في هذه العيادات، فإنهم في الغالب على عجلة من أمرهم، وعلى الحامل أن تكون لديها واسطة قوية، رغم أنها تدفع حتى تلقى العناية المثالية. وكما قلنا، العاملون، سواء أكانوا أطباء أو ممرضين أو قابلات، فهم يضطرون إلى حرق مراحل الولادة لأنهم على عجل، ولا يدعون العملية تتم بطبيعية، وأحيانا يصرون على العملية القيصرية، حتى وإن كانت المرأة قادرة على الولادة الطبيعية لأن الأمر أسهل ويوفر مالا إضافيا، الخدمة في عيادات التوليد الخاصة تكون، إما بتوصية أو ب''شطارة'' المرأة الحامل، بمعنى أن تطالب بحقوقها مادامت تدفع المال من أجل راحتها. و هو الأمر الذي يدفع بالمرأة وزوجها إلى اختيار العيادات الخاصة، سعيا وراء الراحة والمعاملة المنشودة التي تجدها الحوامل والأمهات في هذه الأخيرة، رغم مخاطرها الجمة التي لا تدركها الحوامل أمام الولادة القيصرية، بحيث لا تفكر النساء لحظة المخاض سوى في الخلاص، وشراء حقن خاصة بالولادة دون ألم، وهي الأخرى لها مخاطرها وآثارها، حيث أضحت هذه العيادات تبرمج أكبر عدد من الحوامل، لإجراء عمليات قيصرية تحت أي مبرر، حتى ولو كان غير مقنع لإدخال السيدة إلى غرفة العمليات. وهو ما أدى بالنساء مؤخرا للجوء إلى بعض العيادات، خاصة السيدات اللواتي تلدن لأول مرة، لأنها في الغالب هي الفاصلة، والتي يتحدد من وراءها أن باقي الولادات ستتم عن طريق عمليات قيصرية. الحوامل يعتقدن أن العمليات القيصرية لها آثار ومضرة هذا التبرير كثيرا ما لا ينطبق على الواقع، خاصة إذا سمعنا روايات لأمهات من كل الأعمار تعرضن لمقص الجراح، ولكل واحدة منهن ما تقوله. خديجة من الشراقة أنجبت للمرة الثانية، لكن ولادتها هذه المرة كانت مختلفة عن المرة الأولى، فقد تمت بعملية قيصرية، مما سبب لها إنتانات بعد العملية القيصرية بسبب الجرح الغائر الذي لم يشأ أن يندمل، بالإضافة إلى العلامات المشوهة التي تركها على بطنها التي تعيش معها بقية حياتها، في حين تشتكي آمال من عين البنيان هي أيضا من إجراء عملية قيصرية، تركت لها جرحا بعد أن تسبب مشرط الجراح في تهتك الرحم. وهو ما لم تدركه إلا بعد مرور أربع سنوات على إنجاب طفلها الأول، وهو حسبها ما اثر بشكل واضح على قدرتها على الإنجاب،وحكايات الحوامل والأمهات أصبحت جزءا من حياتهن منهن من نالت حظها ومنهن من تنتظر. أطباء يرجعون تزايد العمليات القيصرية إلى الولادة في سن متأخرة هذا وأرجع أخصائيو طب النساء تزايد العمليات القيصرية في هذه الأعوام إلى تأخر سن الزواج، فالولادة تكون في سن متأخرة صعبة، وحسب ما أوضحته لنا الدكتورة '' بن حبليس'' مختصة في طب النساء بعيادة ''طالب'' الخاصة بعين البنيان، فإن جل العمليات القيصرية التي تتم بالعيادات الخاصة تكون جراء خوف من تدهور الحالة النفسية للحوامل، وخاصة عند اقتراب موعد دخولهن إلى مصلحة التوليد. هذا وأضافت الدكتورة ''بن حبليس'' إن استعمال ''الفورسابس'' أو ''الملاقط'' يسرع في عملية الولادة الطبيعية المتعسرة، ليتم تفادي اختناق المولود أثناء الوضع، ولكن استعماله يكون فيه مخاطر كبيرة، فهو يتسبب في إعاقة دائمة للطفل إذا أفرط الطبيب في الضغط على رأس المولود، كما قد يسبب تشوهات خلقية بالجهاز التناسلي للمرأة، وكم من حالات اجتماعية ارتكبت باسم الفورسابس''، إلى درجة أن أغلبية النساء اليوم يفضلن إجراء عملية قيصرية بالعيادات الخاصة، معطية امثلة عن بعض الحالات اضطرت إلى إجراء عملية ترقيع لجهازهن التناسلي، بفعل الاستعمال العنيف للفورسابس، ليتكبدن كل التكاليف لإصلاح ما أفسدته يد الطبيب. وزارة الصحة تعمد إلى غلق وتغيير كثير من مدراء المستشفيات نظرا لضعف مستوى الخدمات في مستشفيات الوطن، إثر تدهور وضعيات كثير من أقسام التوليد على وجه الخصوص، و''تفاقم'' ظاهرة الوفيات نتيجة للأخطاء الطبية أو الممارسات التي لها علاقة بالإهمال، وهو واقع أظهرته آخر الإحصاءات لأرقام مخيفة، أكثر من 700 امرأة تموت سنويا في المستشفيات بسبب تعقيدات في الحمل والولادة، نصف الوفيات تكون في 24 ساعة بعد الولادة، والباقي خلال 42 يوما الموالية للولادة، و30 إلى 100 منهن يعاني من علل عادة ما تنتهي إلى إعاقات دائمة، أكثر من 52 من أقسام الولادة في المستشفيات الجزائرية لا تتوفر على محاضن، إضافة إلى أكثر من 40 من النساء الحوامل يعانين من مشاكل صحية يخلفها الحمل، وألف مولود جديد يموتون سنويا، ألف مولود قبل الأوان يموتون سنويا، 400 طفل يموتون قبل بلوغ عام، فهذه الأرقام تؤكد الوضع الكارثي لأقسام التوليد التي تسيرها زمرة من الأطباء والقابلات والممرضات والممرضين المهملين، مضافة إليها غياب وزارة الصحة عن مراقبة ودعم هذه الأقسام، حيث لجأت وزارة الصحة الوصية لإظهار صرامتها، وعدم تسامحها مع المتسببين في مهازل القطاع، حيث عملت إلى تغيير كثير من مدراء المستشفيات الموصوفة ب''سوء التسيير''، وغلق عيادات خاصة، خاصة أنّ أقسام الاستعجالات في المستشفيات الجزائرية تمثل نقطة سوداء يجب إزالتها، حسب ما اطلعنا عليه مصدر موثوق طلب عدم البوح باسمه، كشف لنا أن عددًا معتبرًا من المستشفيات تتواجد في حالة يرثى لها، مستشهدًا بعدم مبالاة الأخيرة إزاء الإضرابات المتتالية لعمال القطاع الطبي لرفع الرواتب وتمكينهم من المزيد من التدريب المهني، في حين تلفت نقابة الأطباء إلى أنّ المعدل الحالي هو 20 مريضًا حاليًا يتلقون العناية من ممرض أو ممرضة واحدة، في حين أنه يفترض اقتصار ممرضة واحدة لكل أربعة مرضى، لكنه يرفض تحميل المسؤولية للأطباء، ويقصرها على الوصاية. خلاصة تحقيقنا هذا، تأخذنا إلى أنه على وزارة الصحة أن تتخذ التدابير والإجراءات الضرورية الصارمة، لأن التجاوزات التي تحدث في بعض العيادات العمومية الكبرى للتوليد، فاقت كل التصورات وضربت بعامل الإنسانية عرض الحائط، وإن كانت نسبة الولادة، كما تقول وزارة الصحة عالية في فصل الصيف، فهذا ليس ذنب النساء، كما أن الذنب لا يقع عليهن كونهن من أسر ذات دخل بسيط، ما يضطرهن للذهاب إلى عيادات تستقبل الأم بالصراخ وأطفال الغد بالتلوث والأمراض.