ألم نقل إن مصر تسير بخطوات ثابتة على طريق التجربة الجزائرية؟ ولن أعود إلى تجربة وقف المسار الانتخابي والإطاحة بالرئيس الإخواني الذي ما كان له ليكون أصلا على رأس مصر، لو أن التجربة كانت حقا تجربة ديمقراطية وكانت خيارا مصريا، وليس خيار صناع الثورات والانقلابات!؟ مصر سنت هذه الأيام قانون التظاهر، ويبدو أن هذا القانون لا يختلف في شيء عن القانون الجزائري الذي أصدرته الحكومة سنة 2001، بعد مظاهرة العروش في 14 جوان 2001، والتي راح ضحيتها صحفيان، وخلفت فوضى عارمة في البلاد. ويبدو أن الحكومة المصرية التي خلفت حكومة الإخوان غير المأسوف عليها، نسيت أن شرعيتها التي نصبتها على رأس مصر، استمدتها من المظاهرات الشعبية العارمة التي عرفتها كل محافظات مصر في 30 جوان الماضي، بل إن خلاص المصريين من مشاريع التوريث ومن حكم مبارك يرجع الفضل فيه إلى الشارع المصري الذي اهتز في جانفي 2011 لتدخل مصر مرحلة جديدة مطلّقة ديكتاتورية خنقت أنفاسها لثلاثة عقود متتالية. وعكس الجزائريين الذين سلّموا بالأمر الواقع لهذا القانون الذي كتم على أنفاس المواطنين، والطبقة السياسية، ولم يعد مسموحا لنا إلا بالخروج لأفراحنا الكروية، بينما نكتم في صمت امتعاضنا من القرارات السياسية التي لا تخدم المواطن والوطن، فلولا قانون منع التظاهر في الجزائر، ولولا ما عاشته البلاد من حرق ودمار ومجازر خلال العشرييتين الماضيتين، هل كان سيسكت الشارع الجزائري على الفساد؟ وهل كان سيقبل بسحب متابعة شكيب خليل ومن معه من الأنتربول دون الخروج إلى الشارع؟ هل كنا سنسكت على كل ما يخطط من خلط سياسي في البلاد، وكانت مناضلة مثل لويزة حنون، التي كانت أول من يخرج على رأس المظاهرات، أن تبصم بالأصابع العشرة لكل الخيارات السياسية المطروحة بما فيها العهدة الرابعة، وهي من كانت تنتقد كل شيء تقوم به السلطة؟ لأعد إلى مصر، فقانون التظاهر هذا إذا فرض على المصريين، لن يكتم فقط أنفاس المصريين، بل سيفتح الطريق من جديد أمام الحكم العسكري، فليس لأن المصريين ساندوا العسكر في فكهم من مخالب الإخوان ومشروعهم الظلامي، يعني القبول بالعودة إلى ديكتاتورية العسكر مثل تلك التي مارسها مبارك. ماذا يعني انهيار المشروع الديمقراطي الذي مهدت له ثورة 25 يناير، قبل أن يخطفها الإخوان ومن ورائهم أمريكا وتدخل مصر في متاهة وتفتحها على كل المخاطر، بما فيها مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية التي تستهدف من حين إلى آخر المسيحيين. ليس من حق الحكومة الانتقالية في مصر أن تخاطر بهكذا قوانين وقرارات، فهي في حاجة إلى الشارع ودعمه في حربها على الإرهاب وفي حربها على المشروع الإخواني. ولن يتضرر الإخوان وحدهم من هذا التضييق بل كل القوى الحية في مصر. هذه القوى التي دعمت السيسي في خياراته وما كان ليصمد أمام تهديدات أمريكا والغرب؟!