زلابية وهريسة مواقع ليهود الجزائر.. الخامْسة، المقروط و الكسكسي إرث يهودي في المقبرة اليهودية.. أسماء عربية و زيارات متخفية هل يمكن للجزائري أن يكون يهوديا؟ سؤال يحمل في طياته صدمة النفي والإنكار على الأقل إعلاميا.. هذا ما لمسناه ونحن نحاول طرح السؤال عمدا على بعض المارة أين تقع المقبرة اليهودية في بلوغين، حيث كانت نظرات التحفظ والريبة تلاحقنا وتحاول أن تجد مبررا وراء مغزى بحثنا عن مكان المقبرة اليهودية. مايزال التحفظ والحيطة والتوجس يربط بين اليهودي والجزائري رغم أن أقلية يهودية موجودة في الجزائر وتعيش بصفة عادية وطبيعية لكن في أغلب الحالات لا تعلن عن وجودها. تعود حالة التوجس التي تربط الشارع الجزائري بكلمة ”يهودي” إلى كون اليهود إبان الاحتلال الفرنسي وقفوا إلى جانب المحتل الفرنسي مقابل حصولهم على امتيازات. وماعدا قلة قليلة من اليهود الماركسيين الذين ناصروا القضية الجزائرية، أعلن اليهود وقوفهم إلى جانب المحتل الفرنسي. واستمر هذا التوجس لأن أبناء الجالية اليهودية ماعدا قلة أيضا منهم ربطوا بين يهوديتهم ونصرة الصهيونية، ومن هنا استحكم التوجس بين طرف يهودي يرى من واجبه مناصرة الصهاينة وبين الجزائري الذي يعتبر من واجبه أيضا نصرة القضية الفلسطينية، خاصة أن العديد من يهود إسرائيل يسعون جاهدين لانتزاع اعتراف دولي للحصول على تعويض على أملاكهم في الجزائر. وقد أكد مثلا د. حاييم سعدون في كتابه ”الجالية اليهودية في الجزائر” الصادر العام الماضي عن معهد بن تسافي ووزارة التعليم في تل أبيب:”أن أملاك اليهود في الجزائر تشمل بيوتاً وعقارات ومحلات ومصالح تجارية وحسابات مصرفية، إضافة لمؤسسات عامة مثل الكنائس والمعابد والمقابر اليهودية”. وقد أكد هذا الكتاب الصادر بعد نصف قرن من استقلال الجزائر أن الدائرة الإسرائيلية المكلفة بإحصاء وجرد واستعادة أملاك اليهود في الجزائر، بدأت بتوزيع نماذج للتعبئة يفصل فيها اليهود الأملاك المتروكة، وستعمل على جمع أدلة على تملك اليهود لها قصد الضغط لاحقا على الحكومة الجزائرية لاستعادتها أو دفع تعويضات لهم. نتيجة هذا بقي دائما الحديث عن اليهود في الشارع الجزائري مرتبطا بالمؤامرات التي تحيكها إسرائيل ضد العرب والمسلمين على وجه التحديد، وقد اضطر الرئيس بوتفليقة إلى التراجع عن الدعوة التي وجهها إلى المغني ماسياس لزيارة الجزائر بعدما بدأ تململ في بعض الأوساط السياسية التي أصدرت بيانات الرفض وربطت قبول زيارة ماسياس بتخليه عن دعمه لإسرائيل، وهو المطلب الذي رفضه ماسياس جملة وتفصيلا. كما أحدثت مصافحة بوتفليقة لإيهود بارك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، على هامش جنازة الحسن الثاني سنة 1999، الكثير من اللغط الإعلامي و السياسي، حيث حاول البعض أن يربط بين المصافحة وبين التطبيع مع إسرائيل، خاصة أن الجزائر وجدت نفسها في قلب مبادرة ”الاتحاد من أجل المتوسط” التي أطلقها ساركوزي الذي لم يخف يوما دعمه لإسرائيل. يميز مؤلف كتاب ”الجالية اليهودية في الجزائر، حاييم سعدون، بين نوعين من الوجود اليهودي في الجزائر.. الأول يضم اليهود الأصليين الذين يمتد وجودهم إلى ما قبل الميلاد، والثاني اليهود الذين رافقوا الهجرات القادمة من الأندلس. وقد اشتهر يهود الجزائر بالاشتغال في التجارة، حيث برزوا في تجارة الذهب والصوف والقمح والجلود والفلين.. واستقروا بعدد من المدن مثل العاصمة، قسنطينة، وهران، تلمسان، معسكر، البليدة، بوسعادة، عين تيموشنت، سيدي بلعباس، خنشلة، جيجل وميلة. وبرز النفوذ التجاري لليهود في الجزائر إبان الحكم العثماني للبلاد، ولعل الأدوار التي كانت تلعبها شركة بوشناق وبكري في توريد القمح الجزائري إلى فرنسا خير دليل على ذلك، حيث تذكر بعض المصادر التاريخية أن النفوذ التجاري لهذه الشركة كان له الأثر الكبير على القرارات السياسية لبعض دايات الجزائر، مثل قضية الوزناجي وهو باي المدية الذي حكم عليه أحد الدايات بالسجن، فتدخل بوشناق للعفو عنه بل صار فيما بعد بايا على قسنطينة. وخلال فترة الاحتلال الفرنسي استفاد يهود الجزائر من الامتيازات التي منحها لهم مرسوم كريميو سنة 1870 الذي منحهم الجنسية الفرنسية، وقطع بذلك العديد منهم صلتهم بالجزائر متخذين صف فرنسا في حربها ضد بلدهم الأصلي. ورغم ذلك عاد بعضم ليجد الدعم من المسلمين الجزائريين عندما ألغت حكومة فيشي الفرنسية امتيازات مرسوم 1870، وشهد اليهود حملات قمع مستمرة من قبل الحكومة العميلة للنازية في باريس. وبعد نهاية الحرب وانهزام ألمانيا عادت إليهم امتيازاتهم كفرنسيين ووقف أغلبهم ضد استقلال الجزائر. بعد الاستقلال غادر أغلب اليهود الجزائر كفرنسيين مع المستعمر المنهزم، وهذا خوفا من الانتقام الذي قد يطالهم بعد وقوفهم إلى جانب المحتل.. إذ يذكر ”بن جامين سطورا” أن البلاد عرفت مغادرة حوالي 130 ألف يهودي باتجاه فرنسا، تلتها فيما بعد موجة أخرى من الهجرة في الفترة الممتدة بين 1962 و 1965 بعد أن خيرهم الرئيس الراحل بن بلة بين البقاء أوالرحيل، فاختاروا الهجرة خوفا من انتقام الشارع لوقوفهم ضد الثورة التحريرية. تتضارب الأرقام والإحصائيات التي تقدر حاليا عدد اليهود في الجزائر، حيث أورد كتاب حاييم سعدون أن ربع اليهود الذين هاجروا من الدول العربية إلى إسرائيل جاؤوا من الجزائر والمغرب، كما قدرتهم أرقام صادرة عن منظمة الأممالمتحدة ببضعة عشرات (خمسين)، وهو الرقم الذي سبق أن أكده كتاب صادر عام 1997 في إسرائيل ‘'الانتشار اليهودي في العالم''، حيث يشير إلى أن عدد اليهود في الجزائر بلغ نهاية التسعينيات 50 يهوديا يرتكزون في العاصمة ووهرانوالبليدة. فيما ذهبت مراجع أخرى إلى تقدير عددهم بحوالي 10 آلاف يهودي، اندمجوا وذابوا بصفة كلية في المجتمع. أما اليهود الذين مايزالون محافظين على ديانتهم بصفة معلنة ومعروفين من قبل الجيران المقربين فيقدرهم البعض بحوالي 200 عائلة يهودية تقيم في مناطق متفرقة من الوطن في بعض المدن مثل البليدة، قسنطينة، تلمسان، بوسعادة بولاية المسيلة، وباب الوادي والأبيار بالعاصمة. زهية منصر زلابية وهريسة موقعان ليهود الجزائر الخامسة، المقروط والكسكسي.. إرث يهودي؟ ”هريسة” و”زلابية” اسمان لمواقع لا تعطي انطباعا أنها مخصصة للدفاع عما يسمى بحقوق يهود الجزائر، بل تحيل مباشرة إلى أكلات شعبية هي الزلابية والهريسة.. لكن المتصفح لهذين الموقعين يكتشف أنه مخصص للحديث عما يعرف بالوجود اليهودي في الجزائر وثقافته، حيث قام هذا الموقع بنسبة رمز ”الخامسة” المعروفة في الثقافة الشعبية الجزائرية إلى اليهود وكذا عدد من الأكلات الشعبية، مثل المقروط والكسكسي. الموقع أيضا يحتوى عددا من الصور لأماكن كانت مخصصة للعبادة وبعض الرواد والمنتسبين للديانة اليهودية من الجزائريين قبل الاستقلال. في هذا الموقع الذي يتحدث عن التاريخ و”موطن الأمس”، يطالب المتحدثون باسم يهود الجزائر السلطات، بتعويض نحو 120 ألف يهودي كانوا غادروا الجزائر بعد استقلالها عن فرنسا، وقدرت تلك الممتلكات - حسبهم - بنحو 144 مليون دولار، وقد وصل الأمر بهم إلى حد التهديد باستعمال الضغط الدولي على الحكومة الجزائرية للاعتراف بحقهم، مشيرين إلى مساعي الكنيست الإسرائيلي في الضغط على الدول العربية لتعويض اليهود العرب . بعد إقرار القانون المنظم للشعائر الدينية من قبل الحكومة عام 2006، حيث تم إسناد أمر تمثيل الطائفة اليهودية في الجزائر إلى روجي سعيد الذي غادر إلى مرسيليا بعد الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر في التسعينيات. وتتحدث الوزارة عن وجود حوالي 25 معبدا للطائفة اليهودية في الجزائر لكن أغلبها غير مستغلة حاليا، وقد سبق هذا القانون الزيارة التي قام بها سنة 2005 وفد من اليهود الفرنسيين إلى تلمسان، حيث معبد ”القباسة” الذي يضم ضريح الحاخام ”افراييم العنقاوة”، وهناك مارس الحجاج اليهود طقوس الهيلولة. وقد أثارت هذه الزيارة الكثير من اللغط واعتبرها البعض مقدمة للضغط على الجزائر في اتجاه التطبيع مع إسرائيل. في المقبرة اليهودية أسماء عربية وزيارات متخفية كان سؤالنا المتعمد لمن التقيناهم في الشارع ذاك الصباح البارد والماطر، عن مدخل المقبرة اليهودية ببولوغين، الهدف منه جس نبض الشارع الجزائري البسيط تجاه ”اليهودي”. البعض قابل سؤالنا بتوجس فيما قابله البعض باستنكار وتحفظ. الرجل الذي صادفناه قرب مدخل المقبرة ببولوغين اعتقد أن زميلي المصور وزميلتي بالجريدة يهوديان ربما جاِؤوا بحثا عن قبر أحد الأقارب.. فراح يحدثهم عن أبناء العمومة الذين عاشوا في هذه الديار لفترات تاريخية متعددة، لكن ظهوري أخلط أوراق حديثه، فخماري دليل على أنني لست منهم.. المقبرة اليهودية في بولوغين تتربع على أكثر من 5 هكتارات، أعيد ترميمها سنة 2008 بمبلغ قدره البعض بمليار و800 مليون سنتيم، وشملت أعمال الترميم الطلاء وبناء السور الخارجي وإعادة تهيئة القبور، وتخضع في تسييرها لولاية الجزائر وتحظى بنفس الاهتمام والرعاية التي توكل لمقابر المسلمين طبقا للقانون الجزائري الذي يمنع التفرقة في هذا الإطار. تطوع شاب بمرافقتنا في جولة داخل المقبرة، كان هو وعائلته يقطن داخل المقبرة اليهودية، وعندما سألته عن السبب الذي جعله يسكن هنا قال لي إنها قصة طويلة ومعقدة، فالعائلة عجزت عن إيجاد سكن، لكن بعض من في الحي قال إن الشاب والعائلة تتلقى مبلغ 1400 أورو سنويا كهبة يدفعها شخص يقيم في فرنسا، وتتلخص مهمته في مراقبة والحفاظ على المقابر اليهودية في بعض الربوع العربية. في الجولة التي قادتنا إلى داخل المقبرة في المربع المخصص للعساكر والجنود، لاحظنا وجود باقة ورد وضعت حديثا، كأن الذي وضعها هنا لم يمض على مجيئه أكثر من يومين.. حدس أكده لنا الشاب المرافق الذي اطلعنا أن سيدة رفقة ابتنها جاءت قبل يومين و زارت قبرا هنا لأحد الأقارب. في المربع الذي يحمل أسماء وصور الجنود الذين قضوا في الحروب الفرنسية المختلفة في هذه الربوع كانت تزينها أيضا لوحات رخامية تؤكد كتباتها ولاء الجنود الدائم لفرنسا. خارج المربع المخصص للجنود وأفراد الجيش تحمل أغلب القبور ألقابا عربية من قبيل بوخبزة وتابت بلعيش، خلفون، سلطان شرقي، سعدون، عروس وغيرها.. مع أن أغلب الأسماء فرنسية. وهذا يفسر انحياز يهود الجزائر الكلي لفرنسا إبان الاحتلال. الشاب الذي لعب دور المرافق لنا داخل المقبرة أكد أن ثمة زيارات للمقبرة، حيث يأتي عادة بعض الأقارب من فرنسا وفي مناسبات متعددة، ويساعدهم الشاب في البحث عن أسماء القبور ليتعرفوا على أصحابها، حيث يضع الزائرون ورودا عند زيارة المقبرة. وتعود آخر جنازة داخل المقبرة - حسب الشاب - إلى عام 2010 حيث دفنت مريم بلعيش، وهي العائلة الوحيدة التي مازالت تجهر بيهوديتها بينما يخفي الباقون هويتهم.. فلا يبدو مثلا المعبد اليهودي المجاور للثكنة العسكرية بباب الوادي أنه يستقبل مصلين رغم أن الكثير من الشهادات تقول إن بعض اليهود يلتقون فيه بصفة دورية لتأدية طقوسهم الدينية، لكن يتم ذلك بصفة سرية وغير معلنة، وهذا توجسا من رد فعل المجتمع الذي يربط عادة بين اليهودي والإسرائيلي، وهذا يعود - حسب الكثير من الذين تحدثنا إليهم - إلى الانحياز المطلق لليهود لإسرائيل التي تقمع الشعب الفلسطيني.