اغتصاب مبادئ الثورة بموزمبيق والحرب الفيتنامية تعود إلى مشهد الذاكرة شكلّت الثورة وقضايا التحرر لبلدان العالم الثالث من إفريقيا وجنوب آسيا، لاسيما التي تعرضت إلى الاستعمار الأجنبي منذ عقود وأخرى لاتزال تشهد الاحتلال اليوم رغم نداءات الجمعيات الحقوقية الناشطة والهيئات الدولية من أجل استرداد حريتها.. مواضيع عروض اليوم الثالث من الأيام الرابعة للفيلم الملتزم التي تتواصل فعالياتها بقاعة الموڤار في العاصمة حتى ال26 من هذا الشهر. ثلاثة أفلام دخلت المنافسة الرسمية لمهرجان الجزائر الدولي لسينما في الفئتين الوثائقي والخيالي، أول أمس، بقاعة الموڤار، هي الفيلمان الوثائقيان ”الجهة الأخرى للجدار، ثائرو الصحراء الغربية” للمخرج الفرنسي دونيس فريسال، و”كونغ بين، ليل هندو صينيى طويل” لصاحبه ”لام لي”، إضافة إلى الفيلم السينمائي الطويل ”العذراء مارغاريدا” للمخرج البرازيل المقيم في موزمبيق، ليتشينيو أزافيدو. ”كونغ بين” ليل هندو صيني طويل مجندو ”إندوشين” يعودون إلى الذاكرة كانت البداية مع عرض الفيلم الوثائقي الفيتنامي ”كونغ بين”، الذي عاد بذاكرة الشعب الفيتنامي، خاصة الشعوب التي قبعت تحت رحمة الاحتلال الفرنسي، إلى سنوات الاستعمار وصفحات تاريخ مريرة تخللتها نهضة ورغبة قوية في التحرر واسترجاع الحرية المسلوبة من طرف فرنسا الكولونيالية. وركز المخرج في هذا العمل على شهادات لجنود ومعتقلين وعمال سابقين عايشوا تلك المرحلة بعد أن جندته فرنسا قرابة 20 ألف شخص في مستعمرات الهند الصينية، لخلافة العمال الفرنسيين قبيل الحرب العالمية الثانية.. فقدم شهادات حية لناجين فيتناميين من التجنيد الإجباري للقوات الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، تحدثوا كيف تم إقحامهم في المصانع وحقول الأرز الموجه محصولها لفائدة فرنسا الاستعمارية. كما يصف الفيلم من جهة كيفية وظروف ترحيل آلاف منهم إلى فرنسا خلال الحرب، التي رافقتها ألوان من العذاب والعبودية والإذلال الممزوج بخزي المستعمر في معاملة هؤلاء الشباب.. دون أن يجانب ”كونغ بين” الجوانب والحقوق الإنسانية التي تم انتهاكها من قبل الحكومة الفرنسية. والبداية عام مع سنة 1939 تاريخ نقل العمال الفيتناميين إلى مصانع الأسلحة والذخيرة، وصولا على حقول الأرز التي أصبحت رائجة في فرنسا بفضل هؤلاء العمال المحتجزين في المعتقلات والمخيمات على غرار ”مازارغوس”، الذي شهد وفاة مئات العمال. ”الجهة الأخرى للجدار، ثائرو الصحراء الغربية” متى يهدّم جدار العار المغربي؟ جدار العار الذي شيدته القوات المغربية تحت إمرة الملك محمد السادس، لايزال يثير اللغط والجدال في الأوساط السياسية والحقوقية والهيئات الأممية، كونه شبيه بالجدار العازل أوالفاصل الذي بنته الدولة العربية بينها وبين الشعب الفلسطيني، حيث تطالب بضرورة هدمه باعتباره يسبب معاناة حقيقة للشعب الصحراوي سواء المتواجد بالأراضي المحررة أوالمحتلة. جدار بطول 2700 كلم يعدّ الأطول في العالم ويعتبر وصمة عار وذل في جبين المغرب في زمن الألفية الثالثة، بدأ تشييده سنة من قبل قوات الاحتلال المغربي سنة 1980، ومرت عملية بنائه 6 مراحل متتالية، وانتهت آخر مراحله منه سنة 1987.. حيث كان محور نقاش ومعالجة من قبل المخرج الفرنسي دونيس فريسال، فتطرق إلى مراحل الانتهاك المغربي للشعب الصحراوي واستغلاله للثروات الاقتصادية التي يزخر بها هذا البلد وقدم سدرا تاريخيا وإنسانية للقضية التي مازالت تنتظر الفرج في تقرير مصيرها حسب ما أفضت إليه اللوائح الأممية، عبر استفتاء حر ونزيه تشرف عليه الهيئة الأممية. من جهة أخرى سلط المخرج الضوء على الألغام المنتشرة بمحيط الجدار والتي تتعدى الآلاف، زرعتها القوات المغربية حتى لا يتمكن الشعب الصحراوي من الانتقال إلى مخيمات اللاجئين بتندوف بالجزائر، ومنعهم كذلك من الالتقاء بأهاليهم في الأراضي المحررة. كما نقل الفيلم شهادات حية لمواطنين منهم أستاذ مدرسة استطاع الهروب إلى مخيمات اللاجئين بتندوف. وفي زمن قدره 49 دقيقة، أشار المخرج دونيس إلى النضال والمقاومة الصحراوية المرتفعة والشاهقة رغم أنف المغرب منذ 40 سنة، كانت كلها فداء وتضحية وصبر. فرغم المعاناة والذل الذي يعيشه أبناء الصحراء الغربية إلا أنّ النضال مستمر من أجل التحرير والحرية، فتمكن أصدقاء الشعب الصحراوي من إنتاج هذا العمل بفضل تسريبات الفيديو لمواطنين صحراويين من مدينة العيون المحتلة ومخيم ”اكديم نزيك” تحوي مشاهد مرعبة للقمع المغربي، وهي فيديوهات مسجلة بالهواتف النقالة، على علم أن النظام المغربي يرفض كل أشكال الإعلام يغطي المنطقة حسب قانون الإعلام الساري بالملكة المغربية. وبالتالي كانت العمل بمثابة تحقيق كشف مشاهد مؤلمة من جحيم العيون المحتلة ومدى القمع الممارس للنظام المغربي في آخر مستعمر على وجه البسيطة، رغم رداءة الصوت بالنظر إلى تصويره بالهواتف النقالة، غير أنّها أنارت الظلام وطرق الاستعباد للمساندين للقضية من الدول والشعوب. مكن جانب آخر استعان المخرج بصور من الأرشيف لتعزيز مضمون الفيلم منها التهديدات الأولى للمغرب فور خروج الاحتلال الإسباني سنة 1973، دون أن يستغني عن التراث الصحراوي الموسيقي على غرار أغاني شعبية ممزوجة بأهازيج وطقوس تقليدية تعبر عن تاريخ وثقافة الصحراء الغربية. فيلم ”مارغاريدا العذراء” لليتشينيو أزافادو عندما تغتصب مبادئ الثورة.. أبرز المخرج البرازيلي، ليتشينيو أزفيدو، في فيلمه ”مارغريدا العذراء”، قصصا حقيقية لنساء بطلات وشجاعات، كنّ ضحية نظام اشتراكي خاطئ أعلن عن إحداث تغييرات في المجتمع الموزمبيقي سنة 1975.. حيث صور حياتهن داخل معسكر لإعادة التأهيل شمال البلاد، ميزته الأشغال الشاقة والتدريبات الصارمة التي فرضها الثوار عليهن. المخرج أزفيدو المقيم في موزمبيق، الذي عرض عمله سهرة السبت، بقاعة الموقار في إطار برنامج الفيلم الملتزم الرابع، طرح فكرة مهمة تتعلق بكيفية تصحيح حياة صعبة لنساء تقبعن داخل معسكرات لإعادة التربية شبيهة بالسجن، يسودها التعذيب وفرض الأعمال الشاقة والتأديب التعسفي، بهدف تحويلهن إلى ”نساء جديدات” في المجتمع، سواء كأم أو كزوجة لها مهنة أنثوية وتخدم الشعب على غرار نظيرها الرجل، وبالتالي إيجاد ذهنيات جديدة هي بالدرجة الأولى الفكرة التي جاء بها النظام الاشتراكي الذي تبناه الثوار بعد رحيل الاستعمار البرتغالي سنة 1975. يحيل الفيلم المتفرج إلى مشاهد، تبرز القمع العشوائي الممارس من قبل الحارسات وجيش الحكومة القائم، ويتبني تلك الأفكار التي لا تخلو من حب النفس والأنا. ويستعرض الفيلم جانبا آخر مشرق لهذه النساء اللاتي تسلحن بالشجاعة والقوة والاتحاد لتجاوز العقبات المختلفة التي واجهتهن خلال الحقبة السوداء التي قضين فيها حياتهن في مركز إعادة التأهيل في الأدغال. حيث دافعن بشراسة عن شرفهن وتحررهن. سلط المخرج الضوء على هذه الفترة التي قامت فيها حكومة ”فريليمو” بتنظيف شوارع العاصمة من العاهرات وبيوت الدعارة، وأرسلت الآلاف منهن إلى مراكز معزولة شمال البلاد حتى تمحى بسرعة الآثار التي خلّفها الاستعمار، حيث مست العملية معظم النساء بمن فيهن الشريفات وطبقت عليهن عقوبات وقوانين صارمة كانت جدّ قاسية استمرّت سنتين. زهاء 500 امرأة تم اعتقالهن، من بينهن الفتاة ”مارغاريدا” البالغة من العمر 16 سنة، التي وجدت نفسها عن طريق الخطأ وسط نسوة لا تشبههن.. وهي الفتاة البسيطة جاءت من الريف إلى المدينة لشراء جهاز عرسها ولم تكن حينها تحمل أوراق هويتها، ما جعل عساكر الحكومة يعتقلونها.. فكان منعرجا غيرّ حياتها وهدم أحلامها فكونها عذراء زاد من أطماع المحيطين بها، لكن تمكنت المعتقلات من حمايتها طوال فترة الاعتقال واستطعن أن يفرجن عنها سبقتها محاولة فرار فاشلة، حيث قدمهن اعترافات جريئة للقائدة ”جوانا” بضرورة إطلاق سراحها، وخلال زيارة تفتيش القائد لمخيم الاعتقال تم تبرئة ”مارغارديا”، وأنّ اعتقالها باطل وغير شرعي باعتبارها فتاة شريفة، فاقتنع القائد بذلك وقرر الإفراج عنها، لكن ما حدث هو أنّه حينما نقلها إلى المدينة قام باغتصابها بوحشية، عكست المبادئ والنظام الذي كان يدعو له والثورة الاشتراكية التي أسس لها بهدف ترقية المجتمع من جميع الجوانب.