اغتيل في بيروت قبل يومين الوزير السابق محمد شطح أحد أبرز شخصيات تيار المستقبل اللبناني في عملية تفجير سيارة مفخخة، تقارب الكثير من عمليات التفجير التي شهدها لبنان في السنوات الثماني الماضية، واستهدفت شخصيات لبنانية قيادية بينهم رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وكان القاسم الرئيس في عمليات الاغتيال، هو اتهام نظام الأسد وأنصاره في لبنان، وخاصة حزب الله، بالقيام بهذه العمليات في إطار سياسة تستهدف الرافضين لسياسات نظام دمشق في لبنان، والرغبة في استمرار الهيمنة على البلد الجار. ورغم أن من الضروري رؤية عملية اغتيال شطح في إطار الوضع الداخلي اللبناني، باعتبارها أحد تعبيرات الصراع بين طرفي 14 و8 آذار، وهو صراع مستمر وسوف يستمر في ظل تصادم سياسي وأمني قائم في لبنان، فإنه لا يمكن عزل اغتيال شطح عن تطورات القضية السورية وصلتها بالوضع في لبنان، وهي صلات لا يمكن للبنان واللبنانيين الانعتاق منها في ظل المعطيات الراهنة اللبنانية والسورية. فاغتيال شطح هو أحد تعبيرات الاحتدام اللبناني وعلاقته بالواقع السوري، وهذا الاحتدام قائم في كل لبنان وفي المجالات كافة، وإن كان بمستويات مختلفة، وله تعبيرات حاضرة في المجتمع والدولة وفي تفاصيل كل منهما، واغتيال شطح هو رسالة من أحد طرفي الاحتدام الواقف إلى جانب نظام الأسد بقيادة حزب الله إلى مؤيدي ثورة السوريين من اللبنانيين، وفي مقدمتهم تيار المستقبل الذي ينتمي إليه الوزير الراحل. كما أن اغتيال شطح يمثل رفعا لمستوى الصراع في الواقع اللبناني وعمقه السوري إلى حد الاغتيال الدموي، مما يمكن أن يجر إلى اشتباك مباشر، وهو مستوى بدأ وكان الوضع اللبناني لا يرغب في الوصول إليه، لكن اغتيال شطح قد يعكس رغبة لبنانية مرتبطة بنظام الأسد في الخروج عن تلك القاعدة بهدف تغيير توازنات القوة بين الطرفين، وحسم الصراع لصالح حزب الله وحلفائه خاصة في ظل الأزمة السياسية القائمة وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. ولا يحتاج إلى تأكيد أن الدلالات السابقة لا تنفصل عن تطورات الوضع السوري وخاصة التطورات الميدانية، التي عكست أمرين اثنين، أولهما المزيد من انغماس ميليشيات حزب الله اللبناني وميليشيات لبنانية حزبوية وطائفية أخرى في الصراع السوري، والثاني تقدم ملموس لقوات النظام في المناطق المحاذية للحدود مع لبنان، ولا سيما في منطقة القلمون، وكلاهما أمر يحتاج إلى التعبير عنه في لبنان بإظهار مزيد من قوة حلفاء النظام هناك، واغتيال شخصية قيادية مثل محمد شطح هو تعبير عن ذلك، بل ربما كان مطلوبا القيام بها لإشعار اللبنانيين والسوريين وغيرهم بالإصرار على متابعة حزب الله وميليشياته مسارهما الدموي إلى جانب نظام الأسد، وضرورة التعبير عن قوتهما، وما قاما به من تقدم ميداني في منطقة القلمون. كما أن اغتيال الوزير شطح كوجه معتدل وتوافقي في لبنان وفي تيار المستقبل، لا يمكن فصله عن سياسية تطرف وتشدد يتابعها النظام في سوريا في تدمير خط الاعتدال والمعتدلين، وكان المقصود بعملية اغتيال شطح إضعاف المعتدلين، مما يقوي المتشددين وهذا يعزز سياسة التشدد والتطرف لدى حلفاء نظام الأسد في لبنان، وسوف نلاحظ مزيدا من تشدد حزب الله وحلفائه في الفترة المقبلة. وثمة أمر لا بد من التوقف عنده في الدلالات السورية للحدث اللبناني، وهو أن توقيت عملية الاغتيال يحمل دلالة مهمة بفعل تزامنه مع قرب انعقاد المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري.. الأمر الذي يعكس تحديا واستهتارا بالمحكمة وبالمجتمع الدولي والرأي العام العالمي، وتأكيد عدم قدرتهم في التأثير على الوقائع الإجرامية ما حصل منها في لبنان وما يحصل في سوريا، وهي سياسة كانت ملموسة من جانب نظام الأسد وحلفائه اللبنانيين، ويجري تأكيدها في الوقت الحالي تعبيرا عما يعتقدونه من صعود في قوة الحلف الإقليمي بزعامة إيران الذي يشكل نظام نوري المالكي في العراق ونظام بشار في سوريا وحزب الله وحلفائه امتداداته في شرق المتوسط. إن الدلالات السورية للحدث اللبناني وما يجسده اغتيال محمد شطح من تحول فيه، تستحق أن تقرأ ويدقق فيها، ليس من جانب اللبنانيين والسوريين فقط، بل من المحيط الإقليمي والدولي، نظرا لتأثيراتها، التي ستكون أخطر مع مرور الوقت.. الأمر الذي يفرض مواجهتها بكل حزم وبأقرب وقت ممكن.