تعتبر المكتبة الوطنية الجزائرية أحد أهم الأقطاب العلمية في الوطن حيث استطاعت على مدار السنوات الطويلة أن تستحوذ عل اهتمام الطلبة والباحثين وهواة المعرفة، وذلك لما تحتويه من مراجع ومخطوطات مهمة، وعناوين تتماشى مع متطلبات الحركة العلمية والفكرية في الجزائر. كما تعتبر المرجع الأساسي والمركزي للإنتاج الفكري الوطني المطبوع في كل المجالات والتخصصات المعرفية، وهي أقدم الهيئات الوثائقية في الجزائر، وعاشت هذه الهيئة على مدار تاريخها الطويل حركات ونزاعات وتداول على إدارتها، فبعد أن عاشت حركة تجديدية في عهد الروائي أمين الزاوي الذي استضاف في النادي الأدبي للمكتبة ألمع الأسماء الفكرية والأدبية، ونظم فعاليات خاصة بمعرض الكتاب الدولي، عادت بعدها هذه الهيئة لتغرف في الصمت والنسيان. المكتبة الوطنية الجزائرية أعرق المكتبات في العالم أسست المكتبة الوطنية الجزائرية في 13 أكتوبر سنة 1835 بالتزامن مع المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، وذلك بقرار من وزير الثورة الفرنسي آنذاك أدريان باربروغر، وتمثلت أولى خطوات إنشاء المكتبة بجمع عدد كبير من أمهات الكتب الأوربية، والإغريقية ذائعة الصيت آنذاك. كما احتوت رفوف المكتبة على مخطوطات هامة من أمهات كتب التراث العربي والجزائري، وبقيت المكتبة تنتقل من مكان إلى آخر إلى أن منحت مقرا مستقرا سنة 1863 في قصر الداي مصطفى باشا، وفي سنة 1958 نقلت إلى مبنى في شارع فرانس فانون، وبقيت المكتبة الوطنية خاضعة لقانون التسيير الفرنسي إلى غاية سنة 1972. وبعد إلغاء كل القوانين الفرنسية المسيرة للهيئات الوطنية ضلت المكتبة تتخبط في فراغ قانوني ليتم بعدها في سنة 1985 الإعلان عن مشروع الإيدع القانوني المنظم لشؤون الهيئة. وبعدها بسنة واحدة بدأ مشروع بناء مكتبة وطنية جزائرية، والتي تم تدشينها في 1 نوفمبر 1994 في الموقع الجديد المتعارف عليه والمتواجد بالحامة. المكتبة الوطنية.. إدارات مختلفة ورؤى متباينة يعتبر العلامة ابراهيم بيوض أول جزائري تولى منصب إدارة المكتبة الوطنية بعد تسليم إدارتها للجزائريين بشكل كلي، وتوالى على هذا المنصب العديد من رجال الفكر والثقافة الجزائريين على غرار الأخضر السائحي، الدكتور أحمد حمدي، وصولا إلى الدكتور أمين الزاوي وبعده الأديب عز الدين ميهوبي، وشهدت كل فترة من فترات هذه الإدارات كثيرا من التقلبات والمشاكل وتباينا كبيرا في الرؤى ووجهات النظر حول الطريقة المثلى لإدارة هذا الجهاز العلمي، ولعل أشهر القضايا في هذا الموضوع قضية الأديب أمين الزاوي الذي أقيل من منصبه بعد تحميله مسؤولية تصريحات أحد ضيوف النشاطات الثقافية التي كان ينظمها. أدونيس وبن شيكو يطيحان بالزاوي تميزت فترة تنصيب الروائي الجزائري أمين الزاوي مديرا للمكتبة الوطنية، بنشاطاتها الثقافية المتنوعة، حيث تم استحداث مقهى أدبي أديرت فيه العديد من النقاشات الأدبية والفكرية والسياسية، ودعيت إليه أهم الأسماء الفكرية في الوطن العربي والعالم، وأنهيت مهام الزاوي بعد خمس سنوات من اعتلائه منصب المدير العام الذي عين فيه بمرسوم رئاسي وباقتراح من وزارة الثقافة، ويعود السبب المباشر في قرار الإقالة إلى التصريحات التي أدلى بها الشاعر السوري أدونيس في المكتبة الوطنية الداعية الرسمية والراعية للقاء، حيث مس فيها أدونيس بالدين الإسلامي، الذي وصفه بأنه سبب العنف والطائفية، وكل ما يحدث من مشاكل في الوطن العربي، كما أثارت من قبل قضية كتاب بن شيكو الكثير من اللغط، بعد أن سمحت المكتبة بطبعه وإيداعه لديها لأن الكتاب يمس في بعض فصوله بالثورة التحريرية وبعض الشخصيات الوطنية ويقزم من عذابات الشعب الجزائري. عز الدين ميهوبي: حاولت رقمنة المكتبة الوطنية وجعلها مكانا خاصا للكتب وفقط يرى الأديب عز الدين ميهوبي الذي تولى مهامه كمدير للمكتبة الوطنية خلفا للمدير السابق أمين الزاوي أنه عمل خلال عهدته على إعادة النظام للمكتبة الوطنية، ومنح الأولوية للأنشطة الثقافية التي تمت بصلة وثيقة للكتاب. كما حاول منح نفس جديد للمؤسسة بتفعيل نظام الرقمنة والترقيم وتقديم الإصدارات الحديثة في هذا المجال، والعمل على التنسيق الدائم مع المؤسسات التي لها صلة بالكتاب، وتحدث ميهوبي عن نشاطاته التي اعتبرها ”رهانا وعملا أساسيا” على المكتبة الوطنية أن تكسبه، كما أكد أنه حرص على توظيف التكنولوجيا في خدمة الرصيد الثقافي والمعرفي الذي تتوفر عليه المكتبة وجعله مادة متاحة أمام الباحثين والمهتمين، وتمنى أن يواصل المدير الجديد في العمل على تحقيق هذه الأهداف دون الدخول بالمكتبة الوطنية في متاهات وانزلاقات هي في غنى عنها. أحمد حمدي: الأولى أن تعمل المكتبة الوطنية على حفظ تراثها يرى الدكتور والروائي أحمد حمدي أن المكتبة الوطنية تعيش اليوم أسوأ فتراتها وذلك نظرا لقلة نشاطاتها الثقافية، ولانعدام ميكانيزمات لحفظ المخطوطات من التلف، خصوصا أن معظمها يعاني اليوم من عدم تخصيص هياكل، ومناخ خاص لحفظ هذا الإرث من الزوال، مع العلم أن هذه الكتب والمخطوطات تعتبر هشة جدا أمام المؤثرات الخارجية، إذ يصل عمر بعض الكتب إلى أكثر من قرنين. كما اعتبر حمدي هذا الرهان هو الأساس في الموضوع إذ لا يهم اختلاف الإدارات وتغير الأشخاص بقدر ما يهم الحفاظ على كنوز المكتبة الوطنية. محمد ساري: المكتبة الوطنية تحولت إلى قاعة مطالعة وتوقفت عن أداء مهامها أما الروائي والمترجم محمد ساري فيرى أن استضافة النشاطات والفعاليات الثقافية ليس من مهام المكتبة الوطنية، إذ تمتلئ العاصمة بالعديد من الفضاءات التي بإمكانها أن تفي بالغرض، على غرار فضاء صدى الأقلام، وفنون ثقافة، وفيلا عبد اللطيف، وغيرها وضرب مثالا بالمكتبة الوطنية بباربس وبرلين، واللتين لا تستضيفان أيا من النشاطات الثقافية، ومع ذلك توفران ما يمكن للباحث والطالب أن يحتاجاه من مراجع وكتب ومجلات علمية، وأقر ساري أن حالة المكتبة الوطنية اليوم تبعث على الأسف بعد تحولها إلى قاعة مطالعة. علي ملاحي: لا ضير من النشاطات الثقافية إذا لم تؤثر على المهام الحقيقية للمكتبة الوطنية يرى الدكتور علي ملاحي أن المكتبة الوطنية قد افتقدت الكثير بتوقف نشاطاتها الثقافية والأدبية، حيث كانت تحتضن فعاليات مهمة استطاعت أن تمنح الكثير من الحيوية لهذا المرفق، غير أنه يرى أن توقف هذه النشاطات لا يسيء للمكتبة الوطنية على الإطلاق إذا استطاعت أن تحافظ على تأدية دورها المنوط بها في الأساس وهو توفير المراجع والكتب للدارسين والباحثين. تعيش المكتبة الوطنية مؤخرا حالة فراغ رهيب بعد التطور التكنولوجي الذي يعرفه عالم الكتاب الإلكتروني والذي أصبح يمكن الباحثين وطلبة العلم من الوصول إلى المعلومة بشكل بسيط وسلس، مما يلزم هذه الهيئة على اتخاذ إجراءات جادة لمواكبة هذا التطور. وساهم إنهاء مهام مديرالمكتبة السابق الأديب عز الدين ميهوبي، وعدم تعويضه إلى غاية اليوم باسم يليق بهذه المؤسسة العريقة، في تفاقم مشاكل هذه المؤسسة وعزز غياب النشاطات الثقافية والفعاليات الأدبية من حالة الركود التي تعيشها هذه الهيئة العلمية التي استطاعت أن تحتل مكانة مرموقة عير تاريخها، وأن تنافس في الماضي كبرى المكتبات في العالم.