لم يعد الحديث عن تكنولوجيا الاتصال أمرا مستجدا كما كان عليه الوضع سابقا في أغلب دول العالم، غير أن الدخول المتأخر لتكنولوجيا الجيل الثالث للجزائر طرح إشكالية انعكاسات هذه الوسيلة وتأثيراتها على المستوى الدراسي للتلاميذ، الأمر الذي بات يقلق الأساتذة والأولياء على حد سواء. لم نتمكن بعد أن نحذو حذو البلدان المتقدمة من حيث استعمال تكنولوجيا الاتصال في المجال التعليمي، رغم الوعود التي قطعتها وزارة التربية الرامية إلى تحقيق ”آيباد لكل تلميذ”. إلا أن ذلك - حسب المختصين - يعد حلما صعب المنال نظرا للعراقيل والصعوبات التي تعترض هذا المشروع اقتصاديا وثقافيا وتكنولوجيا. وفي الوقت ذاته يحاول التلاميذ استغلال ما أتيح لهم من إمكانيات في استخدام الوسائل التكنولوجية، لاسيما مع دخول تكنولوجيا الجيل الثالث، بات الوضع يقلق الأساتذة الذين يؤكدون أن الانسجام الذي يحدث بين التلميذ وبينهم خلال فترة الدرس يزول تلقائيا يوما بعد يوم، وذلك بسبب غزو التكنولوجيا لحجرات الدراسة، وشغلها بال التلاميذ الذين يؤكد العارفون أنهم يستغلون التقنيات والأدوات التكنولوجية بصورة جد سلبية. التخوف من تطوير أساليب الغش.. بات الهاتف النقال بكل ما يحمله من برامج ملاذ الكثير من التلاميذ للغش في الاختبارات. فبعد ”البلوتوث” و”الأم بي 3” اللذين كانا طيلة سنوات كثيرة أكثر الوسائل استعمال في الغش في الاختبارات، أصبح الأساتذة يترقبون استعمال الجيل الثالث الذي يزود هواتفهم الذكية بخدمة الأنترنت، ما سيحول قاعات الاختبارات - حسبهم - إلى مقاهي أنترنت وفضاء حر لتبادل المعلومات وأجوبة الاختبارات بينهم. وفي سياق متصل يقول سيد علي حميش، رئيس جمعية أولياء التلاميذ بمتوسطة بباب الزوار:”من المنتظر أن تتأزم الأمور خلال الاختبارات الفصلية والنهائية القادمة مع انتشار الجيل الثالث، فالتلاميذ قبل ذلك لم يفوتوا فرصة استعمال الهاتف في الغش، فلا شك أنهم سيستخدمون هذه التكنولوجيا الجديدة للإجابة على أسئلة الاختبارات”. ويضيف محدثنا في ذات السياق:”على الجهات المعنية، لاسيما وزارة التربية، أن تتدخل بشكل عاجل لمنع الاستعمال العشوائي وغير المنظم للجيل الثالث في المدارس، فلاشك أن الأساتذة لا يسعهم لوحدهم التحكم في سير الأمور خلال الحصص، وأثناء اجتياز الاختبارات”. الفايسبوك واليوتوب لكسر ملل الحصص ما إن بدأ انتشار تكنولوجيا الجيل الثالث خلال الأيام القليلة الماضية، حتى توافد عدد هائل من هواة استخدام التكنولوجيا على وكالات الاتصال لاقتناء هذه المفاتيح التي تتيح استخدام شبكة الأنترنت في كل وقت وفي أي مكان وبسرعة تدفق كبيرة. وحسب تقدير العارفين في هذا المجال، فإن أغلب الزبائن هم من الشبان والمراهقين الباحثين عن تجربة كل ما هو جديد في هذا المجال. وفي سياق متصل يجمع الأساتذة على أن تلاميذهم يقومون مؤخرا بالتفاخر بينهم حول من يمتلك هاتف ذكي مزودا بخدمة الجيل الثالث. وينوه أغلب الأساتذة الذين كان لنا اتصال معهم أن الجيل الثالث بات الشغل الشاغل للتلاميذ خلال الدرس، فهذا يحاول تحميل فيديو، وذلك يلقي نظرة على الفايسبوك، وآخر يتصفح موقعا رياضيا.. وغيرها من التصرفات التي باتت تطبع الأقسام مؤخرا. كان لنا حديث مع بعض الأساتذة حول الظاهرة، ومن بينهم كحلوش حسيبة من متوسطة عين النعجة تقول:”يجلس بعض التلاميذ الراغبين في الانفصال عن الدرس والتشويش آخر القاعة، ثم يبدأ سيناريو المواقع الالكترونية والأفلام السينمائية بينهم، فمنذ قرابة الشهر والنصف بدأنا نلاحظ مثل هذه التصرفات لدى تلاميذنا، ما يدفعنا في كلحين إلى تفتيش جيوبهم ومحافظهم، تجنبا للتشويش وعدم الانتباه الذي يحدث بسبب هذه الأجهزة”. الأخصائيون الاجتماعيون والنفسانيون متخوفون تبقى ظاهرة الجيل الثالث جديدة ومستحدثة في بلادنا. ومن وجهة نظر خبرائنا، رغم استخدامها السابق في البلدان الأخرى إلا أن الجزائريين لا يزالون حديثي العهد به. لذا يتخوف الكثير من المختصين من مدى تأثير هذه التكنولوجيا خاصة على التحصيل الدراسي للتلاميذ الذين انبهروا بهذه التقنية وراحوا يستعملونها في كل حين، خاصة خلال فترة الدروس. وفي هذا السياق تقول الأستاذة بشيش رشيدة المختصة في علم الاجتماع:”إن ظاهرة تواصل التلاميذ بشاشة الكمبيوتر وشبكة الأنترنت ظاهرة خطيرة للغاية، لاسيما أن تلاميذنا ليسوا معتادين على هذه التكنولوجيا مثل نظرائهم من الدول المتقدمة، فالكل يجمعون أن نسبة التلاميذ الذين يستعملون الأنترنت في البحث العلمي أقل بكثير من الذين يستخدمونها في اللعب والتسلية. لذا نستطيع أن نلمس مدى التأثير السلبي للأنترنت على المردود الدراسي للتلميذ، إذا تم نقل هذا الاستعمال من البيت إلى قاعات الدراسة”.ومن جهة نوهت الدكتورة المختصة في الأمراض النفسية، نسمية ميغري، أن لانتشار الجيل الثالث انعكاسات خطيرة على سلوك التلاميذ الذين يلاحظ بشكل جلي تراجع مستواهم الدراسي. وتشير محدثتنا إلى أن انتشار استعمال الأنترنت في قاعات الدراسة يعود بشكل أساسي إلى غياب دور الأولياء الذين يسمحون بحصول مثل هذا النوع من التجاوزات”.