أكد المؤلف مهدي براشد، مساء أول أمس، خلال تقديمه لمؤلفه الجديد ”معجم العامية الدزيرية” بفضاء صدى الأقلام بالمسرح الوطني أن اللسان الجزائري العاصمي ليس عربيا، ولا فرنسيا، ولا عاميا، مشيرا إلى أن الجزائريين لا يملكون قاموسا لغويا خاصا بهم، فالعامية الجزائرية ضحية تيار الفرنكفونية وسياستها التي انتهجها الستعمر لطمس هويتنا، وخصوصيتنا، ومن جانب آخر ضحية تيار رفض العامية، الذي تبنته السلطة الجزائرية في محاولة لتعريب الجزائريين. وأضاف ذات المتحدث، في اللقاء الأدبي، الذي حضره عديد من الشعراء والكتاب والإعلاميين، أن العاصميين كانوا مهددين قبل الاستقلال بزوال المكان، فبدأت الهجومات لتدمير القصبة، ودمر جزء منها، وبدأ المستعمر بالتوسع فما كان للعاصميين من سبيل للحفاظ على أنفسهم سوى بالانغلاق التام على كل المستويات، وأهمها اللساني، فحافظوا على لغتهم، وأضاف قائلا: ”وأكبر دليل المدونة التي انطلقت منها، نجد أن الفرنسية كانت آخر اللغات التي اقترب منها العاصميون، فكانت على رأس اللغات الأمازيغية، ثم التركية، ثم تلتها الفارسية، والإسبانية، واليونانية، ثم الفرنسية التي أتت في ذيل الترتيب. واعتبر مهدي براشد أن لغة ”الفرانكا” التي كانت سائدة في سواحل المغرب العربي، لم تتعد حدود المرافئ الموجودة في المتوسط، وهي لغة هجينة من الإسبانية، والإيطالية واليونانية، والفرنسية، وجاءت مراعاة لتطور القرصنة في البحر المتوسط، وكانت وسيلة للتعبير والتخاطب، فكانت محايدة بسبب ذلك، كما أكد المتحدث أن العاصميين كانوا يملكون لسانا عربيا صرفا، والكثير من المفردات، والألفاظ التي استعملها العاصميون لم تعد مستعملة في المشرق العربي. وأوضح الإعلامي والباحث براشد أن اللسان الجزائري تفرنس بعد الاستقلال، في الفترة التي كانت الدولة الجزائرية تنتهج سياسة التعريب في المناهج الدراسية، وكان المجتمع الجزائري يتفرنس بسبب الإدارة التي بقيت دائما فرنسية، فتحول الوصول إلى المراكز الراقية والمناصب العالية يوجب على الجزائري أن يكون ذا لسان ناطق باللغة الفرنسية، كما ألقت السياسات العربية الحاكمة في تلك الفترة بظلالها على الفرد الجزائري، فأصبح التوجه الناصري نموذجا إيديولوجيا وجب علينا الاحتذاء والانضمام له، ومن أساسياته تعميم اللغة العربية، فحاولت السلطة أن تعرب لسان الجزائري الذي كان معربا أصلا، ليسهل دمجه في النظام السياسي الجديد، فتم الخلط بين العربية كلغة، والعربية كنموذج سياسي يحتذى به. وعلى ذلك، قامت الجزائر باستقبال عدد من البعثات من كل من مصر، وسوريا وفلسطين لتلقين العاصمي الجزائري اللغة العربية على أساس أنه لا يفقه فيها شيئا، وأنه متلقن للغة وهي لا تمت للسانه بصلة. وجاءت بعدها مرحلة الانفتاح الإعلامي التي زادت الأمر تعقيدا وأصبح اللسان العاصمي فرنسيا لا يحسن الفرنسية، ومعربا لا يحسن العربية، فأصبح حتى المثقف الجزئري لا يمتلك الرصيد اللغوي لولوج عالم الرواية بالعربية، أو حتى بالعامية، فالفرد الجزائري فقد ثراء رصيده اللغوي العامي، والعربي وحتى الفرنسي، مما ولد لديه العنف في شكليه اللفظي والجسدي لأنها أصبحت الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعبير.