لنعد مرة أخرى إلى رسالة أول أمس، المنسوبة إلى رئيس الجمهورية، والتي تقول أصداء من المرادية إن من يقف وراءها شقيق للرئيس يرفض الزج بشقيقه الأكبر في لعبة العهدة الرابعة القذرة، وهو الذي أقعده المرض وأبعده عن القيام بمهامه السامية، وهذا الشقيق يشهد له جميع من عرفوه برجاحة العقل، حتى أنه لم يغادر منصبه الذي كان يحتله قبل مجيء أخيه على رأس الحكم. لنعد إلى الرسالة التي اعتبرها البعض خطبة وداع من رئيس اعترف في النهاية بجميل المؤسسة العسكرية وأفضالها عليه لما نصبته على رأس البلاد وفرضته على الأعداء والخصوم، رغم الحصيلة الضعيفة لفترته في الجانب الاقتصادي، فالرئيس أو من كتب الرسالة باسمه لم يشأ أن يغادر الحكم على خلفية من الصراع في أعالي هرم السلطة، أو أن يضعف المؤسسة العسكرية التي وعد رجالها من خلال التوافق الذي أتى به إلى الحكم وأعيد تنصيبه لفترتين، أن يبعدهم عن الصراعات السياسية وعن الاتهامات التي تطالهم في وسائل الإعلام الغربية، وكان سيخلف بوعده لو لم يتدخل أمس ويقول كلمته مرة أخرى وينهي البلبلة. وللأسف ورغم الأحداث المؤسفة والخطيرة التي عاشتها البلاد في الأسابيع الأخيرة، سواء في غرداية التي سقطت بها أرواح الأبرياء في خلافات عقيمة، ولم تتمكن السلطة من احتوائها رغم محاولات الوزير الأول، وتنقل مسؤولي الأمن إلى هناك، أو بالنسبة للإضراب الذي عرفته مدارس الجمهورية وحرم أبناؤنا طوال شهر كامل من الدراسة، لم يقل الرئيس ولو كلمة في هذا الشأن ويتحمل مسؤولياته كرئيس لكل الجزائريين، واكتفت الرسالة بالتربيت على أكتاف مسؤولي الجيش، معيدا لهم الاعتبار. شيء جميل أن يفصل الرئيس في الأزمة التي تسبب فيها أمينه العام لجبهة التحرير على اعتبار أن بوتفليقة هو الرئيس الشرفي للجبهة مثلما يحلو لأمينها العام ترديده. لكن ماذا عن أبناء الشعب ومستقبلهم؟! ماذا عن المدرسة التي على ضوئها يتحقق مستقبل ومصير البلاد؟ هل وصلت الرئيس أخبار عن هذا الإضراب الذي هدد أطفالنا بسنة بيضاء؟ هل علم بأن أرواحا سقطت في غرداية وأن هناك من حاول نعتها بأنها فتنة طائفية ودوس على حقوق أقليات؟ أم أن هذه أيضا فتنة تقف وراءها الصحافة المغرضة والخائنة؟! إن كان هناك من يريد المساس بأمن الجزائر وسيادتها مثلما يحذّر منه الرئيس، فيكون قد استغل هذا الصراع الدائر بين رجالها على الحكم. فالخلافات الداخلية هي من ستضعف الجزائر وتفتحها أمام أطماع الأعداء، ولم يحدث في تاريخ الجزائر المستقلة أن وصلت إلى أزمة حكم واستمرت كل هذه المدة مثلما عاشته البلاد في السنوات الأخيرة. لم يتحدث الرئيس عن المافيا التي نهبت البلاد وهو من توعد الفاسدين بالمحاسبة، وها هي المافيا اليوم تقود حربا على الحكم متسترة باسم الرئيس، لكن وثيقته التي قرأها نيابة عنه وزير المجاهدين مثلما قيل، لم تتوجه إلى هذه المافيا وكأنها لم تكن، بل جرّم الصحافة والصحفيين، فهل هذا لأننا حاولنا كشف مخطط المافيا ورغبتها في الاستيلاء على الحكم؟ أم لأننا رفضنا أن تسير البلاد بالوكالة ووقفنا ضد مخطط التوريث وغيرها من المخططات الدنيئة التي كانت تتربص بالبلاد وترهن مستقبلها؟! هنيئا لمن خرج منتصرا في معركة كسر العظام الأخيرة، والخاسر كان وما يزال المعلم والتلميذ والمواطن الذي يضحى بمصلحته على مذبح الصراع على السلطة، والقائمة تطول. وأتوقف هنا.