تراجع مخيف للإنتاج الفني المسرحي بعد "ثورة الياسمين" قالت الممثلة المسرحية التونسية وجزائرية الأصل، ارتسام صوف، إنّ الإنتاج المسرحي في تونس تدهور بعد ثورة الياسمين عكس ما كان عليه في عهد الرئيس بن علي. كما أنّ الفن والمسرح بات يحارب من طرف دخلاء يستعملون الثورة كغطاء للهروب من الحقيقة والوصول إلى مصالحهم الشخصية. وأضافت في حوار ل”الفجر”، على هامش افتتاح المهرجان العربي للمسرح النسائي ”مرا”، أنّهم ماضون في العمل رغم مختلف العراقيل. أسستم مهرجانا أطلقتهم عليهم اسم ”مرا أو femme”، رأى النور أول أمس أمس بقصر العبدلية، لم هذه التسمية بالتحديد؟ أجل، افتتاح أول أمس بقصر العبدلية بالمرسى التونسية، يعدّ بمثابة انطلاق رسمي لفعالية الدورة الأولى لهذا المهرجان الذي تنظمه جمعية العنقاء المسرحية بالتنسيق مع وزارة الثقافة. فبعد اجتماع أعضاء الجمعية تقرر في النهاية تأسيس هذا الحدث ويحمل اسم ”مرا” أو”إمرأة”، والتي تعني كل امرأة مناضلة، مقاومة ومدافعة عن ثوابتها وقيمها وأفكارها. كما يعتبر أولّ مهرجان خاص بالمسرح النسائي في تونس أو إن لم أقل في الدول العربية. فبالرغم من الصعوبات والمشاكل التي واجهتنا في تنظيمه منذ البداية، لاسيما مختلف العراقيل المالية والإدارية التي توجد في باقي الدول العربية إلا أننّا استطعنا تأسيسه وإطلاقه من أجل حماية المرأة والدفاع عنها بطريقتنا الخاصة. على ذكر المرأة في الفن الرابع، كيف هو إنتاج المسرح النسائي في تونس؟ اليوم في تونس هناك إنتاج واحد نسائي، ونحن نعود إلى الوراء، ما يعني أنه كان قبل الثورة بثلاث سنوات فقط أفضل ويسير بوتيرة مميزة، حيث كانت نسبة العروض من ثلاثة إلى أربعة في السنة وهذا رقم معتبر، لكن بعد الثورة وكذا بسبب البيروقراطية والتهميش والإقصاء، بات هناك توجه آخر يهدف إلى تغطية المرأة داخليا وخارجيا، وتغطيتها من الداخل تعتبر مشكلة كبيرة، فإذا أدخلت الخوف والرعب في نفسها فأنت تقتلها وتحبس تحركاتها وإبداعها، وهو الشيء الذي جعلها تهرب من مواجهة المشاكل. لذلك أردنا رغم العراقيل أن نستمر ونؤسس المهرجان للاحتفاء بها وبإبداعها، حيث كنت في كل مرة أنشط ندوة صحفية وأعتذر عن تأجيل المهرجان، لكن أقول أنا أقوى من أن أستسلم للظروف الصعبة، وربما يعود هذا إلى جذوري الجزائرية لأنني من أصل جزائري وتونسية الجنسية، فالمهم عندي أنني امرأة قوية ومستعدة لمواصلة المهرجان حتى بعرض واحد، ولست مستعدة للتراجع أوالتخلي عن حلمي. هل يعني أنّ المرأة في عهد الرئيس المخلوع بن علي كانت حرّة بخلاف ما حملته لها الثورة من تقييد اجتماعي وإداري، حيث كان يفترض أن يحدث العكس؟ هي ليست مقارنة بين زمنين بالمفهوم العام، وليس لأننا مع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أو مع الثورة التي انتفض فيها الشعب ضد النظام، لكن أشير إلى ناحية أوسع هي مدى الاهتمام بالثقافة والفن، حيث غاب الأمن اليوم ولا تشعر بالأمان مطلقا، وهذا في اعتقادي رهيب على المرأة. كما أنّه بعد الثورة اقتحم مجال الفن والثقافة دخلاء ليسوا من الوسط الفني أصبحوا يحاربونها بحجة أنّهم ثوريين، فكلمة ثورة أصبح كل شخص في تونس يستعملها كغطاء من أجل الهرب والتملص من دوره وحقيقته، وبالتالي أدى هذا الوضع الى تراجع الإنتاج الفني سواء الرجالي أو النسائي مقارنة بسنة 2009، وقبلها حيث كان التونسي يتباهى أنّ لديه مسرح، وربما لا يختلف معي اثنان إن قلت أنّ تونس رائدة في الفن الرابع على المستوى العربي، بينما في الفترة الراهنة أي فترة ما بعد ثورة الياسمين هناك نسبة كبيرة من الأعمال التافهة والمواضيع غير الجديرة بالطرح في المسرحيات. هذا تولدّ عن استسهال المسرح وقضاياه، إضافة إلى التراجع الرهيب للإنتاج فبات إنتاجنا مسرحيا يكاد لا يبرز. إضافة إلى حماية حقوق المرأة، أطلقتهم هذا المهرجان الذي تترأسين إدارته لإثبات وجودكم كفنانين وللردّ على الدخلاء في الوسط الفني؟ بطبيعة الحال، فدفاعنا عن المرأة يبدأ من هنا. كما أنّ المهرجان يشكل نوعا من الاحتجاج والرفض والتعبير عن أشياء تنقصنا كفنانين، فالفنان لا يستطيع التظاهر أمام وزارة الثقافة ويرمي الحجارة، كما يفعل الآخرون، لذلك نتحجج بطريقتنا الخاصة وطريقتنا بهذا الاحتجاج هي هذا المهرجان لأنّنا نعاني مشاكل عويصة ماليا وإداريا، فيعتبر بمثابة رسالة إلى السلطة لتحمل انشغالاتنا وأهدافنا المنشودة، والمطلوب منّا هو كسر روتين الإدارة التي تسير بعقلية البيروقراطية والإقصاء. فعلى سبيل المثال إذا كان لديك مشروع ثقافي جميل يخدم البلد تقدمه إلى وزارة الثقافة، فتبدأ التماطلات من طرفها أحضر لنا وكذا وكذا، خاصة إذا كانت لديك خبرة طويلة في العمل المسرحي سواء كممثل أو كمخرج. هنا يمكننا طرح سؤال لماذا لا تهتم به الوزارة أم أنّ سيرتك الذاتية الغنية بالخبرة لا تهمها؟. في السياق بالنسبة لي لا أريد من الوزارة لا راتبا ولا منصبا ولا تأمينا اجتماعيا، أريد فقط أن تهتم بأعمالنا الفنية. ولا أطلب مثل غيري من الفاعلين بأي شيء لأنفسنا، فمن حقنا الإبداع وهذه رغتبنا حتى تكون لنا كلمتنا ونثبت أننا موجودون لا أكثر ولا أقلّ. مشاركة تبدو قليلة في الدورة الأولى لمهرجان ”مرا” للمسرح النسائي، هل تسعون إلى تعزيزها بحضور فرق عربية مسرحية في الدورات القادمة؟ بخصوص الدورة المقبلة الثانية، أفكر في مشروع أكبر يكون مهرجانا متنقلا، أي في كل مرّة يحط الرحال بدولة عربية، إذا توفر الدعم المالي طبعا لأنّه يشكل الأساس لاستمراريتنا، فنبدأ من اليوم بعد نهاية الفعالية في التحضير لهذا الحدث، حيث سندرس الموضوع مع عديد الأشخاص من أجل تمويله وتنظيمه، فعسانا نوفق في مسعانا وتحقيق هدفنا. هذا من جهة ومن جهة أخرى ستكون إن شاء الله المشاركة واسعة للفرق المسرحية العربية، ومن يحتضن هذا المهرجان أكيد سينجح من خلال تنشيط ندوات ولقاءات في الفن الرابع وتنظيم ورشات فنية ميدانية لفائدة المتربصين والطلبة. وبالعودة إلى العروض الحاضرة في الدورة فقد، اعتذر الوفد المصري عن الحضور نظرا لأنّ وزارة الثقافة المصرية لم تمنحهم تذاكر السفر بحجة أنّ مسرحية ”البيت” من إنتاج مسرح الغرب ومن إخراج سعيد سليمان، وتؤدي بطولتها الممثلة وفاء الحكيم، والتي اختارتها جمعية العنقاء لتمثيل مصر في هذا المهرجان بالنظر إلى تميزها، قد شاركت في مهرجانين أخريين ولا يجوز لها التواجد في مهرجان ثالث.. وهذا وما أعتبره إقصاء دون مبرر كاف، يحدث في معظم الدول العربية للأسف. على صعيد مشاريعك الشخصية المسرحية، هل تحضرين لعمل معين؟ طبعا، أحضر لمونودرام جديد، وهو عمل ينتج بشراكة تونسية أردنية يحمل عنوان ”كركبة”، حيث انطلقنا في دراسة النص من مختف الجوانب منذ فترة، وبعد اختتام المهرجان العربي للمسرح النسائي ”مرا” سنقوم بتجسيده على الركح استعدادا لعرضه الأولّ وللمشاركة به في فعاليات مسرحية عربية وتونسية. ألا تودين المشاركة في مهرجان مسرحي بالجزائر، بإنتاج تحضرينه خصيصا له؟ بطبيعة الحال، أودّ ذلك وبكل سرور إذا تلقيت دعوة، وحتى إذا لم أتلق دعوة وسمحت لي الظروف بالحضور فسأكون متواجدة بالجزائر، هذا البلد الذي أحبه كثيرا ولتونس علاقة خاصة به. فلو لاحظتم في تقديمي خلال الافتتاح كنت جهوية نوعا ما وانحزت للجزائر التي علاقتنا بها ليس كعلاقتنا مع دول عربية أخرى.