ظاهرة انتشرت في بعض الناس ذكرها القرآن الكريم في مائتين وثمانين آية، إما على سبيل الذم أو على سبيل بيان سوء عاقبة من فعلها، اتخذها البعض وسيلة للتكسب واتخذها آخرون وسيلة للتفكه والتودد والتحبب، إنها – أخي القارئ - ظاهرة الكذب. وبقدر ما تذم هذه الخصلة التي هي من أسوأ آفات اللسان تمدح خصلة الصدق إذ يقول المنان: ”يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” [التوبة:119]. ويمدح سبحانه رجالا من المؤمنين فيقول: ”من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه...” [الأحزاب:23]. ويأمر نبيه أن يدعو فيقول: ”وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً” [الإسراء:80]. ويذكر الله عز وجل نبيه ورسوله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأفضل خصاله فيقول: ”واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً” [مريم:41]. أما السنة فيقول المصطفى في الحديث المتفق عليه من رواية الصحابي عبد الله بن مسعود: ((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا))(أخرجه البخاري). والكذب أخي القارئ هو الإخبار بالشيء خلاف ما هو عليه على وجه العلم والتعمد. وهو كبيرة تجر صاحبها - والعياذ بالله - إلى النار كما سبق وهي خصلة تؤدي إلى الطرد من رحمة الله يقول تعالى: ”قتل الخراصون” [الذاريات:10].أي لعن الكذابون. وكما يقول جل من قائل: ”إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب” [غافر:28]. وهو من خصال النفاق كما جاء في صحيح مسلم: ((آية المنافق ثلاث - وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم - إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ))(أخرجه مسلم). والمؤمن يمكن أن يذنب ويرتكب الكبائر لكن لا يتأتى منه الكذب، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((يطبع المؤمن على كل شيء ليست الخيانة والكذب ))(أخرجه أحمد). وللكذب أنواع، فهناك كذب على الله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فالأول من الكبائر العظيمة إذ كيف يكذب عبد حقير على عالم بالسر وأخفى، ويكون الكذب على الله بعدم اعتقاد وحدانيته في العبادة واستحقاقه التام لها وبإنكار ما جاء به الشرع الحنيف كما يكون بعدم صدق التوبة مع الله، ويكون كذلك في الرؤيا فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر))(أخرجه البخاري) والفرية: هي الكذبة العظيمة ومعنى الحديث أن من أعظم أنواع الكذب على الله أن يقول الإنسان رأيت في منامي كذا وكذا وهو في الحقيقة كاذب، فالرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. ويقول صلى الله عليه وسلم: ((من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل)) رواه البخاري. وهذا عقابا له إذ لا يستطيع أحد ان يعقد بين شعيرتين كما يعقد بين حبلين. وأما الكذب على رسول الله فهو من الذنوب الموجبة لدخول النار. أجارنا الله منها. فقد ورد في الحديث المتواتر الصحيح قوله: ((ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ))(أخرجه البخاري) أي: فليعلم أن مكانه محجوز له في النار.