علماء يقصرون إباحته على ثلاثة مواضع هل يجوز الكذب يوم 1 أفريل؟! دأب كثير من المسلمين، وبينهم عدد غير قليل من الجزائريين، على (التنافس في إطلاق الأكاذيب) في اليوم الأول من شهر أفريل كل سنة، تماشيا مع تقليد غربي يسمى (كذبة أفريل)، التي يفضل البعض تسميتها (سمكة) أفريل، (تهذيبا) وتخفيفا من وطئها، وإذا كان (كذابو الفاتح أفريل) يبررون سلوكهم بالمزاح والتسلية، فماذا يقول الإسلام الذي نؤمن بأنه دين الحق والفضيلة عن (السمكة الأفريلية)؟ وهل يجوز الكذب يوم 1 أفريل؟! إن الكذب من مساوئ الأخلاق، وبالتحذير منه جاءت الشرائع، وعليه اتفقت الفِطر، وبه يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة. والصدق أحد أركان بقاء العالم.. وهو أصل المحمودات، وركن النبوات، ونتيجة التقوى، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع، والاتصاف بالكذب: انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق. وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة، وعلى تحريمه وقع الإجماع، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة. ولم يأت في الشرع جواز (الكذب) إلا في أمورٍ معينة لا يترتب عليها أكل حقوق، ولا سفك دماء، ولا طعن في أعراض...الخ، بل هذه المواضع فيها إنقاذ للنفس أو إصلاح بين اثنين، أو مودة بين زوجين. ولم يأت في الشريعة يومٌ أو لحظة يجوز أن يكذب فيها المرء ويخبر بها ما يشاء من الأقوال، ومما انتشر بين عامة الناس ما يسمى (كذبة أفريل) أو (كذبة أفريل) وهي: زعمهم أن اليوم الأول من الشهر الرابع الشمسي - أفريل - يجوز فيه الكذب من غير ضابط شرعي. وقد ترتب على هذا الفعل مفاسد كثيرة - يأتي ذكر بعضها -. تحريم الكذب: 1 . وقال تعالى: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون} [النحل / 105]. قال ابن كثير: ثم أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بمفتر ولا كذاب؛ لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم شرارُ الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس، وأبرهم، وأكملهم علماً وعملاً وإيماناً وإيقاناً، معروفاً بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدعى بينهم إلا (بالأمين محمد)، ولهذا سأل (هرقل) - ملك الروم - أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيما قال له: (هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، فقال هرقل: فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل. (تفسر ابن كثير) (2 / 588). 2 . عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان. رواه البخاري (33) ومسلم (59). قال النووي: الذي قاله المحققون والأكثرون - وهو الصحيح المختار -: أن معناه: أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلق بأخلاقهم،... وقوله صلى الله عليه وسلم (كان منافقاً خالصاً) معناه: شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال، قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاً فيه. فهذا هو المختار في معنى الحديث، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي رضي الله عنه معناه عن العلماء مطلقاً فقال: إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل. شرح مسلم (2 / 46، 47). أشنع الكذب: 1 . الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الكذب، وصاحبه معرَّض للوعيد الشديد، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير فاعله. قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)، وعن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكذبوا عليَّ، فإنه من كذب علي فليلج النار). رواه البخاري (106). وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار). رواه البخاري (110) ومسلم (3). قال ابن القيم: المباءة: هي التي يبوء إليها الشخص، أي: يرجع إليها رجوع استقرار، والمباءة (هي المستقر ومنه قوله) من كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار ، أي: ليتخذ مقعده من النار مباءة يلزمه ويستقر فيه، لا كالمنزل الذي ينزله ثم يرحل عنه. (طريق الهجرتين) (ص 169). ومن الكذب ما يكون على الخلق مثل 2 . الكذب في البيع والشراء عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب). رواه مسلم (106). وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو قال: حتى يتفرقا - فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما). رواه البخاري (1973) ومسلم (532). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان، ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة / 8]. (منهاج السنة) (1 / 16). 3 . تحريم الكذب في الرؤيا والحلم وهو ما يدَّعيه بعضهم أنه رأى في منامه كذا وهم غير صادق، ثم يصبح يقص على الناس ما لم ير. عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تحلَّم بحلم لم يره كلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون - أو يفرون منه - صُب في أذنه الآنُك يوم القيامة، ومن صوَّر صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ). رواه البخاري (6635). قال المناوي: (أن يعقد بين شعيرتين) بكسر العين، تثنية شعيرة، ولن يقدر أن يعقد بينهما، لأن اتصال أحدهما بالأخرى غير ممكن عادة، فهو يُعذب حتى يفعل ذلك، ولا يمكنه فعله فكأنه يقول يكلف ما لا يستطيعه فيعذب عليه، فهو كناية عن تعذيبه على الدوام،. ووجه اختصاص الشعير بذلك دون غيره لما في المنام من الشعور وبما دل عليه فحصلت المناسبة بينهما من جهة الاشتقاق. وإنما شدد الوعيد على ذلك - مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ يكون شهادة في قتل أو حدٍّ، - لأن الكذب في النوم كذب على الله تعالى، لأن الرؤيا جزء من النبوة، وما كان من أجزائها فهو منه تعالى والكذب على الخالق أقبح منه على المخلوق. (فيض القدير) (6 / 99). 4 . تحريم التحدث بكل ما يسمع عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كفي بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع). رواه مسلم (5). قال النووي: وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب: ففيها الزجر عن التحدث بكل ما سمع الإنسان، فانه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدَّث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن، وقد تقدم أن مذهب أهل الحق: أن الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، ولا يشترط فيه التعمد، لكن التعمد شرط في كونه إثما والله أعلم. (شرح مسلم) (1 / 75). 5 . الكذب في المزاح ويظن بعض الناس أنه يحل له الكذب إذا كان مازحاً، وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول أفريل أو في غيره من الأيام، وهذا خطأ، ولا أصل لذلك في الشرع المطهَّر، والكذب حرام مازحاً كان صاحبه أو جادّاً. الكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره. عن ابن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم:(إني لأمزح ولا أقول إلا حقّاً). رواه الطبراني في (المعجم الكبير) (12 / 391). وعن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا، قال: (إني لا أقول إلا حقا). رواه الترمذي (1990). قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال ما يضحككم فقالوا لا إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً. رواه أبو داود (5004) وأحمد - واللفظ له - (22555). عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جادّاً، ومن أخذ عصا أخيه فليردها. رواه أبو داود (5003)، والترمذي (2160) - مختصراً -. 6 . الكذب في ملاعبة الصبيان ينبغي الحذر من الكذب في ملاعبة الصبيان فإنه يكتب على صاحبه، وقد حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: ها تعال أعطيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أردت أن تعطيه؟) قالت: أعطيه تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة). رواه أبو داود (4991). 7 . الكذب للإضحاك عن معاوية بن حيدة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له. رواه الترمذي (235) وقال: هذا حديث حسن، وأبو داود (4990) . عاقبة الكذب: وقد تُوعِّد الكاذب بعقوبات دنيوية مهلكة، وبعقوبات أخروية مخزية، ومنها: 1 . النفاق في القلب. قال تعالى:{فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}. [التوبة / 77]. قال عبد الله بن مسعود: اعتبروا المنافق بثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، قال: وتلا هذه الآية: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله} إلى قوله:(نفاقا في قلوبهم} إلى قوله: {بما كانوا يكذبون}. (مصنف ابن أبي شيبة) (6 / 125). 2 . الهداية إلى الفجور وإلى النار عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق بر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقا، وإن الكذب فجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذاباً). رواه البخاري (5743) ومسلم (2607). قال الصنعاني: وفي الحديث إشارة إلى أن من تحرى الصدق في أقواله صار له سجية ومن تعمد الكذب وتحراه صار له سجية، وأنه بالتدرب والاكتساب تستمر صفات الخير والشر. والحديث دليل على عظمة شأن الصدق وأنه ينتهي بصاحبه إلى الجنة، ودليل على عظمة قبح الكذب وأنه ينتهي بصاحبه إلى النار، وذلك من غير ما لصاحبهما في الدنيا؛ فإن الصدوق مقبول الحديث عند الناس، مقبول الشهادة عند الحكام محبوب مرغوب في أحاديثه والكذوب بخلاف هذا كله. (سبل السلام) (2 / 687). 3 . رد شهادته قال ابن القيم: [الحكمة في رد شهادة الكذاب] وأقوى الأسباب في رد الشهادة والفتيا والرواية: الكذب، لأنه فساد في نفس آلة الشهادة والفتيا والرواية، فهو بمثابة شهادة الأعمى على رؤية الهلال، وشهادة الأصم الذي لا يسمع على إقرار المقر، فإن اللسان الكذوب بمنزلة العضو الذي قد تعطل نفعه، بل هو شر منه، فشر ما في المرء لسان كذوب. (أعلام الموقعين) (1 / 95). 4 . سواد الوجه في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} [الزمر / 60]. قال ابن القيم: ولهذا يجعل الله سبحانه شعار الكاذب عليه يوم القيامة وشعار الكاذب على رسوله سواد وجوههم، والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه، ويكسوه برقعا من المقت يراه كل صادق، فسيما الكاذب في وجهه ينادى عليه لمن له عينان، والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة، فمن رآه هابه وأحبه، والكاذب يرزقه إهانة ومقتا، فمن رآه مقته واحتقره، وبالله التوفيق. (أعلام الموقعين) (1 / 95). 5 . شق شدق الكاذب إلى قفاه عن سَمُرَة بْن جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا قَالَ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي انْطَلِقْ.. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ فَيَشُقُّ قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى قَالَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ (ثم قال في تفسير الملكين للمشاهد التي رآها) وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ.. رواه البخاري (5745). أقوال السلف في الكذب: 1 . قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى ما يكون للفجور في قلبه موضع إبرة يستقر فيه، وإنه ليكذب ويتحرى الكذب حتى ما يكون للصدق في قلبه موضع إبرة يستقر فيه. 2 . وعنه قال: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل، ثم تلا عبد الله {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}. 3 . قال أبو بكر الصدِّيق: إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان. 4 . عن سعد بن أبي وقاص قال: المؤمن يطبع على الخلال كلها غير الخيانة والكذب. 5 . عن عمر رضي الله عنه قال: لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى تدع الكذب في المزاح. (مصنف ابن أبي شيبة) (5 / 235، 236). الكذب الجائز ويكون في مواضع ثلاثة: الحرب، للإصلاح بين المتخاصِمين، وكذب الزوج على زوجته والعكس لأجل المودة وعدم الشقاق. عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً. رواه البخاري (2546)، ومسلم (2605). وعن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس). رواه الترمذي (1939). والحديث: حسنه الشيخ الألباني في (صحيح الجامع) (7723). كذبة أفريل لم يعرف أصل هذه الكذبة على وجه التحديد وهناك آراء مختلفة في ذلك: فذكر بعضهم أنها نشأت مع احتفالات الربيع عند تعادل الليل والنهار في 21 من شهر مارس. ويرى بعضهم أن هذه البدعة بدأت في فرنسا عام (1564م) بعد فرض التقويم الجديد كما سبق إذ كان الشخص الذي يرفض هذا التقويم الجديد يصبح في اليوم الأول من شهر أفريل ضحية لبعض الناس الذين كانوا يعرضونه لمواقف محرجة ويسخرون منه فيصبح محط سخرية الآخرين. ويرى بعضهم أن هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية لارتباطها بتاريخ معين في بداية فصل الربيع إذ هي بقايا طقوس وثنية ويقال إن الصيد في بعض البلاد يكون خائبا في أول أيام الصيد في بعض البلاد في الغالب فكان هذا قاعدة لهذه الأكاذيب التي تختلق في أول شهر أفريل. سمكة أفريل: يطلق الإفرنج على كذبة أفريل (سمكة أفريل) وسبب تسميتها بهذا الاسم أن الشمس تنتقل فيه من برج الحوت إلى ما يلنه أو لأن كلمة (بواسون) السابقة التي معناها سمكة محرفة من لفظ باسيون التي معناها (العذاب) إذ هي رمز للعذاب الذي كابده عيسى عليه الصلاة والسلام فيما يدعيه النصارى ويزعمون أنه حدث في أول شهر أفريل. ويُسمى هذا اليوم عند بعض الكفار بيوم جميع الحمقى والمغفلين: كما أطلقه الإنجليز وذلك لما يفعلونه من أكاذيب حيث قد يصدقهم من يسمع فيصبح ضحية لذلك فيسخرون منه. وأول كذبة أفريل ورد ذكرها في اللغة الإنجليزية في مجلة كانت تعرف ب (مجلة دريك) .... ففي اليوم الثاني من أفريل علم (1698م) ذكرت هذه المجلة أن عددا من الناس تسلموا دعوة لمشاهد عملية غسل السود في برج لندن في صباح اليوم الأول من شهر أفريل. ومن أشهر ما حدث في أوروبا في أول أفريل أن جريدة (ايفند ستار) الإنجليزية أعلنت في مارس سنة (1746) أن غدا -أول أفريل - سيقام معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدنية (اسلنجتون) من البلاد الإنجليزية فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشادا عظيما وظلوا ينتظرون فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا شيئا فعلموا أنهم إنما جاءوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير !! انظر كتاب (كذبة أفريل أفريل أصلها التاريخي وحكمها الشرعي) للدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي. ولا يهمنا معرفة أصل هذه الكذبة بقدر ما يهمنا حكم الكذب في يومها، والذي نجزم به أنها لم تكن في عصور الإسلام الزاهرة الأولى، وليس منشؤها من المسلمين، بل هي من أعدائهم. والحوادث في كذبة أفريل كثيرة، فمن الناس من أخبر بوفاة ولده أو زوجته أو بعض محبيه فلم يحتمل الصدمة ومات، ومنهم من يخبر بإنهاء وظيفته أو بوقوع حريق أو حادث تصادم لأهله فيصاب بشلل أو جلطة أو ما شابههما من الأمراض. وبعض الناس يُتحدث معه كذباً عن زوجته وأنها شوهدت مع رجل فيسبب ذلك قتلها أو تطليقها. وهكذا في قصص لا تنتهي وحوادث لا نهاية لها، وكله من الكذب الذي يحرمه الدين والعقل، وتأباه المروءة الصادقة. وقد رأينا كيف أن الشرع حرَّم الكذب حتى في المزاح، وأنه نهى أن يُروَّع المسلم سواء كان جادّاً أو مازحاً معه في الحديث أو الفعل. فهذا شرع الله فيه الحكمة والعناية بأحوال الناس وإصلاحهم.