الجماعات أو التنظيمات التي أصدرت المملكة العربية السعودية، قرارا يوم 7 مارس (آذار) الحالي، بوضعها على لائحة الإرهاب، شيء، بينما جماعة أو تنظيم الإخوان، شيء آخر.. أو بمعنى أدق، فإن هذا ما كنا نفترضه ونتوقعه. إذ لم يكن أحد يتخيل، أن يأتي يوم، توضع فيه الجماعة الإخوانية مع تنظيم القاعدة، وجبهة النصرة، و”داعش”، وحزب الله داخل السعودية، وجماعة الحوثيين، في سلة واحدة! ومصدر عدم التخيل هنا، أن ”الجماعة” كانت تصور نفسها لنا، وللغرب قبلنا، على أنها جماعة معتدلة، وأنها لا تعرف العنف، وأنها تنبذ الإرهاب، وأنها تؤمن بالحوار، وتقدم العقل على ما سواه، فإذا بها بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011 بشكل خاص، وبعد ثورات ما يُسمى بالربيع العربي، بوجه عام، تخير المصريين بين أن تحكمهم، أو تقتلهم، ثم تخير السعوديين بين أن تصل إلى الحكم عندهم، أو تتآمر على نظام الحكم القائم لهدم أركانه، وكذلك الحال في معظم دول الخليج، وبدرجات وأشكال مختلفة! وقد كانت السعودية هي آخر دولة يمكن أن يصل الأمر بينها، وبين الإخوان تحديدا، إلى نقطة اللاعودة هكذا، لولا أن الإخوان فيما يبدو لنا جميعا، لم يفرقوا بين المملكة، وبين سائر الدول، مع أنها تفرقة كان على الإخوان أن ينتبهوا إليها جيدا، وبكامل وعيهم، لأسباب ثلاثة أساسية: السبب الأول، أن حسن البنا، مرشد الجماعة الأول، ومؤسسها، كان قد طلب كما هو ثابت تاريخيا، من الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، السماح بأن ينشأ فرع للجماعة في الرياض، لولا أن رفض الملك كان واضحا، وقاطعا، حين رد بعبارته الشهيرة: لا يوجد مبرر لذلك، فكلنا إخوان، وكلنا مسلمون. وحقيقة الأمر، أن هذا الرفض الحازم، لأن يكون للإخوان كجماعة، فرع في المملكة، إنما يدل على إدراك مبكر للغاية، من جانب الملك المؤسس، لنوايا الإخوان، قبل أن يكون إدراكا لحقيقة الأفعال، فالملك عبد العزيز حين أبدى رفضه ذاك، فإن ذلك كان بعد نشأة الجماعة بثماني سنوات، ولم تكن نواياها قد تحولت إلى أفعال بعد! وحين شاء الله للنوايا أن تصبح أفعالا، فإن حادث مقتل النقراشي باشا على أيديهم عام 1948، كان هو التجلي الأول، الذي خرجت فيه النوايا من مكامنها إلى العلن، ومنذ ذلك التاريخ، مضت سيرتهم عزفا على لحن واحد، وصولا إلى نقطة الذروة حين خرج عليهم المصريون وأسقطوهم يوم 30 يونيو (حزيران) الماضي.. ولذلك، ف”النوايا” التي انطوت عليها نفوسهم منذ النشأة، كانت فيما أظن، في حاجة إلى ذكاء فطري من نوع ما كان يتمتع به الملك عبد العزيز، ليدرك من خلاله، عندما تلقى العرض إياه من البنا، أن هذه جماعة لا عهد لها، ولا أمان.. ولهذا فقد كان المتصور، أن تلعب ”الجماعة” إذا أرادت أن تلعب، مع أي دولة، إلا أن تكون هذه الدولة هي السعودية، لا لشيء، إلا لأن مؤسسها نفسه، كان قد اكتشف الحكاية على بعضها وكشفها مبكرا.. ومبكرا جدا.. غير أن الإخوان، فيما بدا، لم يستوعبوا ”الرسالة” التي أرادها الملك عبد العزيز أن تصل إليهم، حين رفض أن يجادل في إنشاء فرع لهم هناك، فكان أن جاءهم الرد حاسما في 7 مارس 2014، لعلهم يستوعبون به، ما عجزوا عن استيعابه، بامتداد عشرات السنين! وأما السبب الثاني، الذي كان يدعو الإخوان، إلى أن يفرقوا حق التفرقة، بين السعودية، وبين أي دولة غيرها، فهو أن الرياض كانت هي التي أنقذتهم من عبد الناصر، وهي التي قبلت أن تستضيفهم، وتوفر لهم الإقامة، والعمل، والكسب، وتكوين الثروات، وهو الشيء الذي لم تقدمه لهم أي دولة أخرى. وكان الأمل، والحال هكذا، أن يحفظوا الود على الأقل، بأن يقروا للمملكة بفضلها في كل الأوقات. شيء من هذا لم يحدث بكل أسف.. بل حدث العكس منه على طول الخط، فكان ما كان في 7 مارس 2014، لعل أصحاب العقل في الجماعة، إن كان لا يزال فيها أصحاب عقل، يستوعبون الآن، ما عجزوا عن استيعابه، بامتداد عشرات السنين! ثم كان السبب الثالث، الذي كان يدعو هذه الجماعة ذات الوجهين المتناقضين، إلى أن تفرق وهي تعمل، بين الرياض، وبين باقي العواصم، أن أول زيارة قام بها محمد مرسي، بعد فوزه بمقعد الرئاسة في مصر، كانت إلى السعودية. فإذا ما تساءل أحد: وماذا في ذلك؟! فسوف أرد وأقول بأنه عندما يزور مرسي السعودية، في صيف 2012، ثم يصدر في حق جماعته، من جانب الدولة نفسها التي زارها، ما صدر في حقها، كجماعة، في 7 مارس 2014، أي بعد أقل من عامين، من زيارته إياها، فليس لهذا من معنى إلا أنه لم يكن صادق النية، حين زار، وليس لهذا من معنى، سوى أن نواياه إزاء السعودية، كانت هي ذاتها النوايا التي أخفاها حسن البنا، يوم أن طلب أن يكون للجماعة فرع هناك! هذه محطات ثلاث، من بين محطات غيرها كثيرة، في العلاقة بين الطرفين.. وإذا شئنا الدقة، قلنا إنها علاقة بين جماعة، وبين دولة.. بين دولة حفظت الود، وجماعة كانت في كل مرة تضيعه.. بين دولة أعطت للجماعة الفرصة وراء الفرصة، وبين جماعة لم تشأ أن تثبت للدولة، ولو مرة واحدة، أنها تعرف لها، كدولة، حدودها، وتراعي معها القواعد والأصول المرعية مع الدول! نحن، في مجمل القول، أمام جماعة ساءت نواياها منذ البداية، إزاء كل دولة وجدت فيها، وكان العقل يقول، إن ذلك إن جاز مع شتى الدول، فلا يجوز أن يقوم أو يكون مع السعودية، بحكم الأسباب الثلاثة التي أحصيناها، على سبيل المثال، لا الحصر الدقيق لمحطات بينهما، بلا عدد! والدرس الباقي أنه لو صدقت نوايا الإخوان، تجاه السعودية، لصدقت الأفعال!