دورة الختام المؤلم... أو عندما تحول العرس إلى مأتم عند افتتاح مونديال 1938 اجتمع أعضاء الاتحاد الدولي لتحديد الدولة المضيفة للدورة الرابعة التي كان من المفروض أن تلعب عام 1942 وكان الصراع على أشده وقتها بين ألمانياوالبرازيل مع أفضلية واضحة للجرمان. وقد تقرر وقتها تأجيل الفصل إلى اجتماع لوكسمبورغ عام 1940 لكن ما كان يتخوف منه كل العالم قد حدث، فقد اندلعت أعنف وأشرس حرب كونية، إنها الحرب العالمية الثانية التي أوقفت كل النشاطات العادية للناس، وبعد انتهاء كابوسها عام 1945 اجتمع أعضاء الفيفا مجددا في العام الموالي وتقرر إعادة بعث المسابقة، ولم تكن أوروبا المنهكة من مخلفات الحرب التي حولتها لخراب قادرة على احتضان الدورة آنذاك، فمنحت دون اعتراض للبرازيل مع تغيير نظام المنافسة، حيث تقرر وضع حد لنظام خروج المغلوب من أول مباراة وتشكيل 4 مجموعات على أن يلعب أبطال المجموعات فيما بينهم لتحديد البطل، كما تقرر أيضا حرمان ألمانيا من المشاركة وقد خاض التصفيات 31 منتخبا على أن يتأهل 16 منهم للنهائيات، لكن لمشاكل طارئة وأهمها غلاء تكاليف التنقل إلى أمريكا الجنوبية جعلت الحضور يقتصر على 13 منتخبا فقط، وكانت المجموعة الأولى التي ضمت 4 منتخبات وحسمها البلد المنظم لصالحه لكونه كان أكثر حيوية من يوغسلافيا، أما في الثانية فقد سيطر عليها المنتخب الإسباني الذي فاز بمقابلاته الثلاث وفي المجموعة الثالثة التي شكلتها 3 منتخبات فقط كانت المفاجأة بالسقوط الحر لحامل اللقب إيطاليا أمام السويد. أما المجموعة الأخيرة فقد ضمت منتخبين لا أكثر وهما الأوروغواي العائد للمنافسة بعودتها للأراضي الأمريكية ومنتخب بوليفيا الذي لم يصمد أمام بطل أول دورة، بعد أن اكتسحه برباعية في كل شوط، وقد تأهل لدورة اللقب أبطال المجموعات الأربعة ليلعبوا فيما بينهم دون خروج المغلوب، أي في شكل بطولة، وهي المرة الوحيدة التي يتم فيها اللجوء لهذه الطريقة. ومن محاسن الصدف أن القسمة كانت عادلة هذه المرة بتواجد فريقين من أمريكا وهما البرازيل والأوروغواي ومثلهما من أوروبا وهما إسبانيا والسويد، لكن الواقع الميداني أثبت قوة أبناء القارة المنظمة، فأصحاب الأرض مرغوا السويد في الوحل حين هزموهم بنتيجة ساحقة 7-1 فيما قمة إسبانيا مع الأوروغواي انتهت دون فائز وفي الجولة الثانية، وواصل البرازيل إمتاع جماهيرها وقصفت إسبانيا بسداسية، فيما فازت الأوروغواي بصعوبة بالغة على السويد 3-2 لتكون مباراة الجولة الأخيرة بين البرازيل والأوروغواي بمثابة النهائي الذي سيكشف عن البطل الجديد وكان التعادل يكفي البرازيل لتحقيق حلمهم، ولهذا فقد غص ملعب ماراكانا بقرابة 200 ألف متفرج، والكل ينتظر التتويج بالكأس الغالية، وبعد نهاية الشوط الأول بالتعادل السلبي، حدث ما لم يكن في الحسبان في الشوط الثاني، فقد رد منتخب الأوروغواي بقوة على هدف التقدم البرازيلي وتمكن من قلب النتيجة لصالحه وسط دهشة الحضور الذين اندفعوا غاضبين من خسارتهم للكأس، وأسفر تدافع الأمواج البشرية إلى وقوع ضحايا مما حول عرس النهائي إلى مأتم حقيقي. أديمير ماركيز دي منزيس سجل 9 أهداف احتفظ منتخب السحرة بلقب أحسن هداف للبطولة بعد أن تفوق نجمها أديمير ماركيز دي منزيس على كل منافسيه وأحرز 9 أهداف، وقد افتتحها بثنائية في المباراة الأولى أمام الأزتيك، ثم اكتفى بهدف يتيم ضد يوغسلافيا، قبل أن ينفجر ويحرز رباعية كاملة في مرمى السويد التي سقطت بسباعية مع الرأفة أمام السحرة، وفي المباراة ما قبل الأخيرة أمام اسبانيا سجل ثنائية وضعته كأحسن هداف لبطولة 1950. أصداء من الدورة أسرع هدف سجل في الدقيقة (2) عن طريق اللاعب البرازيلي سانتوس في مباراة فريقه أمام السويد. البرازيل سجلت أعلى نسبة أهداف حيث أحرز لاعبوها (22) هدفا. مجموع الأهداف في هذه الدورة بلغ (88) هدفا بمعدل (4) أهداف في كل مباراة. بلغ عدد الحضور الذي شاهد فعاليات هذه البطولة (1447000) مشجع أي بمعدل (60772) مشجع في كل مباراة أما المباراة النهائية فقد شاهدها (199854) مشجع. اعتذرت فرنسا نظرا لطول المسافة وعناء السفر إلى البرازيل واعتذرت الأرجنتين بسبب خلافها مع الدولة المنظمة، أسكتلندا أيضا انسحبت في آخر لحظة، بينما شاركت إيطاليا بعد إلحاح كبير من الفيفا لكونها خرجت منهكة من الحرب، وقد اضطر الاتحاد الدولي لتحمل تكاليف تنقل منتخبها إلى البرازيل لأن حامل اللقب كان يجب أن يحضر، أما ألمانيا واليابان فقد منعا من المشاركة لكونهما سبب الحرب الكونية الثانية. يعتبر الفرد بيكل (سويسرا) اللاعب الوحيد الذي شارك في البطولتين اللتين اقيمتا قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها فرنسا 1938 والبرازيل 1950. جوزيف غيتنز (الولاياتالمتحدة): صاحب الهدف التاريخي الذي أخرج إنجلترا (1 - صفر) من المسابقة. السيد أدغاردو غيجيا (الأوروغواي): صاحب هدف الفوز في مرمى البرازيل، علما أن الأخيرة كان يكفيها التعادل لتحرز اللقب. خوان شيافينو (الأوروغواي): سجل 5 أهداف في المباراة التي فازت فيها بلاده على بوليفيا 8 - صفر في الدور الأول. انتهت الدورة بعودة الكأس إلى مونتيفيديو بعد 20 عاماً علماً بأن الأوروغواي لم تدافع عن لقبها عام 1934 وتغيبت عن النسخة الثانية عام 1938. البطاقة الفنية للمباراة الختامية (البرازيل 1 - الأوروغواي 2) 16 جويلية 1950 ملعب ماراكانا، جمهور قياسي زهاء 200 ألف متفرج الحكم: ريدر (انجلترا) الأهداف: ألبينوفرايتشا (د47) للبرازيل خوان شيافينو (د66)، أدغاردو جيج (د79) للأوروغواي التشكيلتان: البرازيل: مواسر باروسا، أوغوستودي كوستا، أمانسو جوفنيل، خوزي كالوس، دانيلوالفم، خوافيريرا، البينوفرايتشا، زيزينهو، أدمير ماركيز، جاروسا، فرانشيسكو أرامبورا. الأوروغواي: غاستون ماسبولي، ماتياس غونزاليس، أوزيسوتيغارا، شوبرت غامبيتا، أوبيديليو جابسلتو، فيكدور أندرادي، السيدس جيجي، خوليو بيريس، عمر أوسكار، خوان شيافينو، روبن موران. أشهر مفاجآت كأس العالم الأورغواي سرقت الفرحة من السامبا ^ المفاجأة المدوية جاءت من الأوروغواي التي قهرت البرازيل في عقر دارها وأخرجت (200) ألف مشجع برازيلي حضروا النهائي وملايين شاهدوها من التلفاز محملين بالدموع، فكل شيء كان يؤكد فوز البرازيل بالكأس، كيف لا وهي التي سحقت إسبانيا بستة والسويد بسبعة والمكسيك بأربعة، في الوقت الذي تعادلت فيه الأوروغواي مع إسبانيا وفازت على السويد بهدف قبل انتهاء المباراة بخمس دقائق، ولكن ذلك هو حال الكرة، فقد فجرت الأوروغواي المفاجأة ونالت الكأس وسط دهشة كل من تابع هذا الحدث، في مباراة تعد أحد أشهر مباريات كأس العالم، وستظل كذلك أبدا لأنه قبل بداية المونديال بنحو شهرين التقت البرازيل ضد الأوروغواي وعادت الكلمة لهذه الأخيرة، لكن النتائج الكبيرة التي حققها أصحاب الأرض في ذلك المونديال جعل صحيفة ”غازيتا اسبورتيفا” التي تصدر من ساو باولو تكتب في صفحتها الأولى في تقديمها للمباراة: ”غدا سنهزم الأوروغواي”، ولم يتوقف الغرور البرازيلي عند هذا الحد، بل أن عمدة ريو دي جانيرو المقاطعة التي احتضنت النهائي أطلق على منتخب بلاده صفة ”بطل العالم” قبل لعب المباراة...؟ كما شهدت ذات الدورة مفاجآت أخرى أهمها فوز الولاياتالمتحدةالأمريكية على إنجلترا 1-0 وفوز هواة السويد على إيطاليا حاملة آخر لقبين 32 في ساوباولو. في وقت كانت أوروبا منشغلة بالحرب بداية السحر البرازيلي توقفت بطولة كأس العالم لمدة (12) عاما بسبب الحرب العالمية الثانية والتي نشبت عقب (12) شهرا من انتهاء الدورة الثالثة.. فلم تقم دورتا عام 1942 و1946 وخلال هذه المدة الزمنية الطويلة أخذت لعبة كرة القدم مكانتها في البرازيل وأصبحت ذات شعبية جارفة ليس لها مثيل في جميع دول العالم. النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية، تم إخفاء الكأس الذهبية في خزنة بروما، قبل أن تنتقل إلى تحت سرير رئيس اتحاد كرة القدم الإيطالي باراسي. ونجت غرفة باراسي من القصف لتنقل عام 1943 إلى سويسرا، بعد محاولات عديدة من الألمان للعثور عليها وتقديمها لهتلر.. نوستالجيا خضرا دريد على خطى مارادونا لا يختلف اثنان في كون أحسن مباراة دولية للحارس نصر الدين دريد كانت ضد البرازيل، فيومها لقبته الصحافة العالمية بالحارس القط لكونه كان يقفز وينط من زاوية لأخرى بمنتهى الرشاقة والبراعة، ووقف الند للند أمام أحد أحسن المنتخبات التي شاركت بها البرازيل في شتى المونديالات، وفي وقت كان الجميع ينتظر أن يتواصل تألقه تعرض في المواجهة الموالية أمام إسبانيا لإصابة بليغة أرغمته على مغادرة الملعب بعد 20 دقيقة فقط من البداية، حيث رفسه الإسباني أندوني غويكيوتكسيا على قفصه الصدري بذات القوة التي تعمد بها إعاقة النجم الأرجنتيني دييغو مارادونا عندما كان يلعب في برشلونة الإسباني، ويومها أمضى المدافع على نفسه لقب ”المدافع الجزار” نظرا لإفراطه في تعمد الخشونة التي جعلت دريد في قائمته التي يتصدرها الأسطورة مارادونا الذي كاد أن يحال على التقاعد الكروي بسبب الإصابة البليغة التي تلقاها منه، كما أنه أخرج دريد من المونديال، وكان هذا التغيير قد أثر سلبا على تسيير المدرب رابح سعدان للمباراة التي كان فيها التعادل يكفي منتخبنا للمرور للدور الثاني، لكن خروج دريد وكذا ما حدث ليلة المباراة والصراع الشرس بين المحليين والمغتربين، جعل المنتخب الجزائري يكمل المباراة بقوى خائرة، وهو ما كلفه تلقي أكبر خسارة له في المونديال بوقع ثلاثة أهداف دون رد، وهي النتيجة التي لم يتوقعها وقتها الرأي العام العالمي وأولهم الإعلام الإسباني قياسا بمحدودية لاروخا وقتها، وكذا الوجه القوي الذي أظهره رفقاء دريد ضد البرازي، لكن الخاتمة جاءت عكس كل التوقعات. تراجعت عن المشاركة لهذا السبب الهند أصرت على اللعب دون أحذية ! عرضت الفيفا على الهند المشاركة في نهائيات البرازيل 1950 فوافقت وتم إدراجها في قرعة تقسيم المجموعات النهائية. وأعلمت الهند اللجنة المنظمة للبطولة أن لاعبيها سيخوضون المنافسات حفاة، واسترعت هذه الملاحظة انتباه الاتحاد الدولي الذي اشترط على الهند ارتداء لاعبيها الأحذية، فما كان من الاتحاد الهندي إلا إعلان انسحاب المنتخب من النهائيات مفضلا راحة بال لاعبيه على ترف التطور الحضاري.