لن ينسى العالم مونديال كرة القدم في نسخته الرابعة بالبرازيل عام 50، بين ال24 جوان و16 جويلية، لأن كل ما هو شاذ ويحدث لأول مرة في تاريخ منافسة مماثلة، اجتمع بمونديال بلاد السامبا، بدءا بتنظيم الكأس بعد الحرب وتسمية كأس العالم باسم جون ريميه، وطريقة احتساب المتأهلين الأربعة للنهائيات، وصولا لشرط الهند للمشاركة، وغياب كبريات المنتخبات على غرار تركيا، فرنسا، اليابانوألمانيا الغربية. رابع مونديال ... الخروج من أطلال الحرب وكأس جون ريميه بعد انتهاء الحرب العالمية ال2، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم تعويض بطولتي 1942 و1946، وقام بالبحث عن دولة لاستضافة المنافسة، ولكنه فشل في الوصول لأي دولة أوروبية تستضيف الحدث، للأسباب المعلومة، وخشيت الهيئة من عدم الحصول على موارد كافية لتنفيذ تلك البطولة، حتى تقدمت البرازيل بطلب استضافة كأس العالم لكرة القدم على أرضها بشرط أن تقام عام 1950، التي كان مقرراً أن تقام عام 1949. تم اختيار البرازيل لاحتضان منافسة المونديال، من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم ”فيفا”، في جوان 1946، بعد ظرف خاص وهو الحرب العالمية الثانية التي لازال دخان دباباتها وطائراتها متصاعدا من الدول المشاركة فيها، أو المجبورة على خوضها، آنذاك، وراهن رئيس الاتحاد الفرنسي جول ريميه، ومن معه بأعلى هيئة لتسيير شؤون الساحرة المستديرة، على بلاد شرق القارة اللاتينية، لإعادة بعث أقوى منافسة رياضية فوق الأرض، عقب 12 عاما من الانقطاع بعد اندلاع الحرب، حيث كانت آخر نسخة منظمة على أرض فرنسا، عام 1938. وفي السنة ذاتها، أي 46، تمّ إطلاق أول اسم على كأس العالم، الممنوح للفائز في نهاية التصفيات والدورة، وذلك باسم جون ريميه، الرئيس الشرفي ل«الفيفا” منذ جوان 1954 حتى اليوم، والمتوفى سنة 1956، وهي تحفة فنية من تصميم النحات الإيطالي سيلفيو جازانيجا، وتزن 6.17 كغ وطولها 36.8 سم، عرفاناً مستحقاً لما قدمه هذا الفرنسي من خدمات جليلة للإتحاد ولكرة القدم على حد سواء، وتخليداً للذكرى الخامسة والعشرين لتوليه رئاسة الاتحاد الدولي، ولم تزده الحرب العالمية الأولى إلا إصراراً على تحقيق سعيه هذا، بعد الثانية، حيث أشرف على تنظيم النسخ الخمس الأولى للنهائيات قبل أن يسلم ”كأسه” الأخيرة لكابتن منتخب ألمانيا الغربية فريتز والتر، في جوان 1954، وخلال نفس الشهر، أنهى هذا العبقري الذي كان يبلغ من العمر ثمانين سنة، رئاسته الطويلة وأصبح أول رئيس شرفي للإتحاد، ويذكر أن عدد الاتحادات التي انضمت إلى الفيفا في عهده قفزت من 20 إلى 85. التصفيات.. عزوف تركيا وفرنسا وألمانيا الغربية واليابان عن المشاركة حاول الاتحاد الدولي لكرة القدم جاهدا إقناع الدول بإرسال منتخباتها للمنافسة في البطولة، وكان منتخب إيطاليا لكرة القدم من أهم المنتخبات التي يجب أن تشارك، كونه صاحب آخر كأس مونديال عام 1938، ولكن إيطاليا قد خرجت لتوّها من الحرب ولم تعتقد أنه يمكنها المشاركة في البطولة، إلى أن تم إقناعها بالمشاركة في النهاية بتحمل مصاريف سفر المنتخب الإيطالي للبرازيل وإقامته هناك، من قبل الاتحاد. وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم قد قرر تأهيل البلد حامل اللقب إلى البطولة مباشرة، ودون تصفيات، فيما لم يتمكن منتخبا ألمانيا الغربية واليابان من المشاركة بسبب بقائهما تحت الاحتلال، فيما أقيمت نهائيات كأس العالم يومها بأربعة منتخبات فقط، وهي جمهورية إسبانيا، سابقا، الأورغوايوالسويد، زيادة على البلد المنظم البرازيل، وكانت تلعب 4 منتخبات في النهائيات في جدولة الدوري، وهذا النظام لم يحدث إلاّ مرة واحدة في تاريخ كرة القدم، خلال هذه البطولة. إيتاماراتي البداية.. وماراكانا شهد نهاية مدوية أمام 200 ألف برازيلي شهد قصر الندوات إيتاماراتي بعاصمة البرازيل، ريو دي جانيرو، قرعة النسخة الرابعة من نهائيات كأس العالم، وذلك بحضور ممثلي 14 بلداً، حيث تركزت أنظار العالم المكلوم بندوب الحرب على الوعاء الزجاجي، والكرات ال12 الممثلة للمنتخبات المشاركة في القرعة، وقد ضمن حينها جزء من المشاركين حضور المونديال بعد خوض التصفيات، كما هو شأن ممثلي أوروبا وآسيا وأمريكا الوسطى، بينما تمت دعوة الجزء الثاني، على غرار ممثلي أمريكا الجنوبية. واحتلت منتخبات البرازيلوإنجلتراوإيطاليا وأوروغواي رؤوس المجموعات، بتوصية من الإتحاد البرازيلي للرياضات، وبموافقة اللجنة المنظمة التابعة ل”الفيفا”، وعليه لم تخصص لها كريات داخل الوعاء الزجاجي للسحب، وتم تقسيمها إلى أربع مجموعات: 3 مجموعات بأربعة منتخبات ومجموعة بثلاث منتخبات فقط. ولم يتم تحديد اسم المنتخب الثاني عشر بسبب اعتذار تركيا المتأهلة عن المنطقة الأوروبية، وقد تم استدعاء البرتغال فيما بعد، لكنها اعتذرت بدورها في نهاية المطاف. امتلأ بهو قصر إيتاماراتي، ليلتها، بالصحافيين والمصورين علاوة على الممثلين الدبلوماسيين لبلدان المنتخبات الأربعة عشر، بحكم غياب ممثلي بوليفيا عن القرعة، وكان الجميع متحمسا ويعاني من الضغط والقلق على مصير منتخباتهم، وما إذا كانت القرعة ستفرز مجموعات جهنمية أم أنها ستكون متوازنة، ويتكلمون بصوت مرتفع وبلغات متعددة، ما جعل الأجواء غريبة. عندها، تولى وزير العلاقات الخارجية البرازيلي، راؤول فرنانديس، الكلمة وساد الصمت القاعة عندما كشف عن أول خصوم ”الأماريلينيا” في المجموعة الأولى، وقال ”الرقم سبعة”، وكان الخصم منتخب يوغوسلافيا، ثم استرسل الوزير منادياً ”الرقم 3 في المجموعة الثانية”، وكان يقصد وجود إسبانيا في مجموعة إنجلترا، وتواصلت عملية استخراج الكرات، وكانت النتائج على النحو التالي: المجموعة 1: البرازيل ويوغوسلافيا والمكسيك وسويسرا. المجموعة 2: إنجلترا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وتشيلي. المجموعة 3: إيطالياوالسويد وباراغواي والهند. المجموعة 4: أوروغواي وفرنسا وبوليفيا ومنتخب لم يحدد بعد. هذا ما أفرزته قرعة دور مجموعات أول أم بطولات احتضنتها البرازيل، وقد انطلقت فعالياتها بعد شهر واحد ويومين تحديدا على إجراء القرعة. الهند تضع شرطا هو الأغرب... اللعب بأقدام حافية كما قلنا سابقا، جمعت كأس العالم لكرة القدم بالبرازيل 1950، شتاتا من الأخبار والأحداث العجيبة والطريفة في آن، زيادة على موالاتها لأهم وأكبر حدث شاركت فيه كل البشرية، تقريبا، وهو الحرب العالمية ال2، ومنها ما حدث لاحقاً ببعض التغييرات التي طرأت على المجموعات، حيث اعتذر منتخب الهند لأن لاعبيه رفضوا خوض المباريات إن لم يكونوا حفاة الأقدام، وعدم لبس الحذاء الرياضي الخاص بكرة القدم، المتعارف عليه، وامتنعت فرنسا بدورها عن المشاركة، لأنها رفضت السفر مسافة ثلاثة آلاف وخمسمائة كلم بين مباراة وأخرى، أي بين المدن التي حددت لاحتضان المباريات، وهو ذات الدرب تقريبا الذي سارت عليه كل من البرتغالوتركيا، لتكون كأس العالم الأولى والأخيرة، وحتى الوحيدة دون كبار المونديال. وكانت أول مشاركة فعلية لمنتخب الهند، عام 1964، إلا أنّه كان دوما مثيرا للدهشة، فبعد مطالبته بلعب المونديال بأرجل حافية، فقد تجرع خسارة فادحة في تاريخه على يد الاتحاد السوفيتي ب36 هدفا دون رد، عام 1955. آلسيديس ادغارو غيجيا.. الأسطورة الأورغواياني الوحيد على قيد الحياة شاءت الأقدار أن يكون أسطورة كرة القدم الأورغواياني آلسيديس إدغاردو غيجيا، الوحيد على قيد الحياة، من أفراد جيل المنتخب الفائز بمونديال 1950، والأسطورة الحية لاستقبال كأس العالم الذي يصل البلد هذا العام، 2014 ضمن جولة عالمية، قبل النزول في البلاد التي صنع ورفقاءه معجزة كأس العالم، عام 1950، بالبرازيل، أيضا. وبعد تعافيه من حادث سير خطير تعرض له في جوان 2012، يعود ”غيجيا” للأضواء مجددًا بالمشاركة في مراسم استقبال كأس العالم، وذلك بعد أن حضر في السادس من الشهر الماضي مراسم سحب قرعة دور المجموعات بنسخة 2014 في البرازيل. وكان ”غيجيا” صاحب هدف فوز أوروجواي على البرازيل بعقر دارها بملعب ماراكانا العتيق، في نهائي مونديال 50، بحضور 200 ألف مشجع، ليطلق على تلك المباراة إلى الأبد اسم ”ماراكانازو”. كرة مونديال البرازيل 1950 تباع في المزاد العلني ببورتو أليغيري @عرضت إحدى وكالات الدعاية الكرة التي استخدمت في مباراة نهائي كأس العالم عام 1950، بين منتخب أوروغواي ومستضيفه البرازيلي، في مزاد علني بمدينة بورتو أليغري. وحدّد سعر مبدئي للكرة وهو 45 ألف ريال برازيلي (22.5 ألف دولار)، بالنظر لارتباطها بلقاء تاريخي شهد فوز أوروغواي على أصحاب الأرض 2-1، تحت أنظار 200 ألف متفرج في ملعب ماراكانا الشهير بريو دي جانيرو. وتحمل الكرة توقيعات لاعبي أوروغواي المتوجين بالكأس، بمن فيهم ثنائي الهجوم خوان ألبرتو سكيافينو وألسيدس جيجيا. وفي نفس المزاد، سيتم عرض قميص خاص بالنجم البرازيلي السابق فافا، ارتداه خلال نهائي كأس العالم 1962 في تشيلي، ويحمل توقيعات بقية زملائه مثل بيليه وجارينشا، ووضع مبلغ 12 ألف ريال برازيلي (ستة آلاف دولار) سعرا مبدئيا للقميص. قسنطينة: فاتح خرفوشي خوان البرتو شتيافينو وآلسيديس غيجيا يكتبان تاريخ الأورغواي كما ذكرنا، حاول القائد الأورغواياني امتصاص حماسة البرازيليين بالاحتجاج على هدف شرعي، وهدأ من روع رفقائه الذين رموا بكل ثقلهم من أجل العودة في النتيجة، وبلقاء لم يعد هناك ما يخسروه على الإطلاق، وتكون الدقيقة مخالفة لكل التوقعات بعدما تمكن اللاعب خوان البرتو شتيافينو من احراز هدف التعادل بعد كرة ممرة بدقة من زميله آلسيدس غيجيا، الذي بات قائدا لفريق روما الايطالي، ويسود الصمت ملعب ماراكانا، واصفرت وجوه لاعبي البرازيل، ما دفع بالقائد المحنك فاريلا إلى مخاطبة زملائه قائلا ”ليس هؤلاء هم من سيوقفنا ويحرز كأس العالم، سوف نقلب الطاولة عليهم”، وبالفعل، قبل 11 دقيقة عن نهاية اللقاء الذي لازال في أيدي البرازيليين دكّ غيجيا شباك الحارس البرازيلي مواسير باربوزا، بكرة قاتلة وخادعة في زاوية مغلقة، كما كان يظنه حارس عرين البرازيل، إلا أن آلسيدس غيجيا أمضى على نهاية الأفراح بريو دي جاني رو وكل المدن البرازيلية، ويبعث بالحارس باربوزا إلى جهنم المنبوذين، حيث قال عام 2000 عما لاقاه بعد خطئه ”أقصى عقوبة في البرازيل هي السجن 30 سنة، وأنا سجنت مدى الحياة بسبب هذا الهدف”. وأطبق حينها صمت رهيب على ملعب ماراكانا، وخاف لاعبو الأورغواي من ردة فعل الجماهير الغاضبة، إلا أنهم خرجوا سالمين بعد المكوث أربعة ساعات في الملعب، وتسلم الكأس من جون ريميه دون مراسيم وبروتوكولات رسمية، للقائد فاريلا أوبديليو، بل وتلقوا التهاني في الشارع البرازيلي، رغم البلاغات التي تلقتها شرطة البرازيل بعديد محاولات الانتحار من قبل الأنصار الذين لم يتقبلوا الهزيمة المرة. ولازالت الأورغواي تحافظ على الحذاء الرياضي للقائد فاريلا أوبديلو حتى اليوم، كشاهد على التاريخ الذي كتب بأحرف من ذهب. بطاقة اللقاء: 16 جويلية 1950، ملعب ماراكانا، ريو دي جاني رو، 200 ألف متفرج. الحكم: جورج ريدر (إنجلترا). البرازيل 1 2 الأورغواي التشكيلتان: الأورغواي: ماصبولي، م.غونزاليس، تيجيرا، غومبيطا، فاريلا، آندرادي، غيجيا، بيريز، ميغاز، شتيافينو، موران. المدرب:؟ البرازيل: باربوزا، أوغيستو، جيفانال، بوور، دانيلو، بيغودي، فرياكا، زيزينيو، أديمير، جاير، تشيكو. المدرب: خوان لوبيز فونتانا. الأهداف: فرياكا (د 47) البرازيل. شتيافينو (د 66)، غيجيا (د 79) الأورغواي. الدولة المستضيفة: البرازيل. الموعد: 24 جوان 16 جويلية 1950. عدد المنتخبات: 35. المدن المحتضنة للمباريات: ”6” بيلو هوريزونتي، كوريتيبا، بورتو أليغري، ريسيفي، ريو دي جانيرو، ساو باولو. البطل: الأورغواي. الوصيف: البرازيل. المركز الثالث: السويد. المركز الرابع: إسبانيا. عدد المباريات بالمنافسة: 22. الأهداف المسجلة: 88 (معدل 4 أهداف في كل لقاء). الحضور: مليون و43 ألف و500. (معدل 47 ألف و432 متفرج في كل لقاء). الهداف: أدمير 8 أهداف (البرازيل). البرازيلالأورغواي داربي لاتيني و200 ألف مناصر فجروا ماراكانا، ولكن.. وكانت بطولة العام 1950 ولازالت الوحيدة التي لم تشهد نهائيا حقيقيا، على اعتبار أنه تم إقرار مجموعة من الشروط الاستثنائية، وعوضا عن الأدوار التصفوية فقد تمّ تبني اللعب بطريقة الدوري، أو المجموعة النهائية، والتي أوقعت البرازيل في مواجهة أورغواي، والسويد ضد جمهورية اسبانيا كما كانت تسمى، ومن يجمع أكبر عدد من النقاط سيكون الفائز بمونديال البرازيل 1950، وشاءت الصدف أو يكون ”الداربي”، إن صح التعبير اللاتيني، الأكثر إثارة وجلبا للجماهير، في نهائي سابق لأوانه، واللقاء المحدد لمصير من سيحمل كأس جون ريميه في سماء ماراكانا، بمدينة ريودي جاني رو. أما عن نظرة الجميع لمنتخب البرازيل وحتى الأورغواي، فمالت الكفة صالح أصحاب الأرض، سواء من ناحية النتائج المحققة خلال الدور التصفوي، أو حتى الدعم المنتظر بملعب ري ودي جانيرو بماراكانا، خصوصا وأن الأورغوايانيين تعادلوا مع اسبانيا ”2-2”، وفازوا بعدها، بالكاد، على منتخب السويد بنتيجة ”3-2”، في وقت حققت البرازيل انتصارات مدوية بسحق منتخب اسبانيا بنتيجة ”6-1”، والسويد ”7-1”، وهي المباراة التي تمكن فيها هداف البطولة البرازيلي آديمير من تسجيل سوبر هاتريك، تحت إشراف المدرب خوان لوبيز فونتانا. العالم يحضّر للاحتفال مع البرازيل، والكرة استسلمت لغزل الأورغواي لم تكن البرازيل بحاجة سوى لتعادل ضد الجارة الأورغواي من أجل ضمان حمل كأس جون ريميه، وإفراح البرازيليين خصوصا ال200 ألف الحاضرة بملعب ماراكانا بالعاصمة ريو دي جاني رو، لأول مرة في تاريخ منتخب بلاد السامبا، ولم يشكّ أسوأ المتشائمين، ولو للحظة، في أن يكون الهداف أدمير وزملاءه أصحاب التكريم الجليل لهذه المنافسة الكبيرة، بل وتخطى الأمر حدود المعقول، بعدما طبعت على أكثر من نصف مليون قميص بيعت كلها عبارة البرازيل البطل 1950، 1950” brezil campeoni”، وحُضّرت الساعات الباهضة الثمن من الذهب الخالص وسيارات الليموزين لتكون من نصيب اللاعبين، بل حتى وسائل الإعلام وعلى رأسها الصحف، آنذاك، انساقت وراء المد الجماهيري المهلل ببقاء الكأس في البلد المنظم، ولم تلتزم ولو الموضوعية ولا نقول الحياد في ذلك، وحضّرت عناوين بالبنط العريض ”مانشيتات” تبارك الفوز العظيم، وانضم البنك المركزي البرازيلي إلى موجة الفرح العارم قبل اللقاء، وطبع عملة جديدة تمجد الانتصار على الأورغواي. أمام كل هذا، لم يجد رئيس الفيفا يومها، الفرنسي جون ريميه سوى أن يتحضّر هو الآخر ويكتب خطابا باللغة البرتغالية، لغة البرازيليين، للتهنئة وتمجيد هذا الانجاز الغالي الأول من نوعه في تاريخ كرة القدم بالبلاد. وفي المعسكر الآخر، ساد جو مغاير تماما لما كان عليه الوضع في الخندق الأصفر والأخضر، فاكتفى الاتحاد الأورغواياني لكرة القدم بخطاب يطالب فيه اللاعبين بذل قصارى جهدهم لتخفيف حجم الخسارة، وأن بلوغ النهائي بحد ذاته انجاز كبير، وهو ما لم يهضمه قائد الأورغواي أوبديليو فاريلا، وتجاهل ما سمعه من خطاب جبان من قبل اتحادية بلاده. وبالفعل، سار الحدث عكس التيار القوي المتوقع، بتألق واضح لحارس منتخب الأورغواي ونادي بينارول المحلي، وهو روكي ماسبولي، الذي صدّ الكثير من محاولات البرازيليين، فيما اكتفى رفقاء أوبديليو فاريلا بالتواجد على الملعب فقط، وانتهى الشوط الأول بتعادل أبيض يكفي أصحاب الأرض للصعود على بوديوم التتويج بالكأس الغالية. وحمل الشوط الثاني مفاجئة صاعقة للمنتخب الأقل ترشيحا، بعدما تمكن البرازيلي فرياكا من فتح باب التسجيل، دقيقتان فقط عن صافرة انطلاق الجزء الثاني من المواجهة الدرامية، ليشتعل يومها ملعب ماراكانا، وتستكمل الأفراح والاحتفالات التي انطلقت قبل الوقت، يومها، التقط القائد فاريلا الكرة واحتج على الحكم بشكل غير مفهوم لمدة خمسة دقائق كاملة، لكن هذا الداهية اعترف بعدها أنه حاول امتصاص بركان الهجومات البرازيلية الصاعقة التي كانت تنتظر منتخبه، ويعيد الهدوء والتركيز والأنفاس إلى رفقائه، وهو ما أفلح في فكّ العقدة. مدرب المنتخب الوطني السابق رابح سعدان ”الضغط الجماهيري الكبير وراء نكسة البرازيل أمام الأوروغواي” أكد مدرب المنتخب الوطني سابقا، رابح سعدان، في تصريح ل”الخبر” بأن المنتخب البرازيل في مونديال 1950 طبّق أحسن كرة مقارنة بباقي المنتخبات ”وهذا معروف تاريخيا”، مشيرا إلى أن العائق الوحيد الذي وقف أمام منتخب ”راقصي السامبا” آنذاك، هو الضغط الجماهيري الكبير الذي مورس على اللاعبين، باعتبار أن مونديال 1950 جرى بالبرازيل. وشدد رابح سعدان أن لاعبي منتخب البرازيل لم يتمكنوا من تحمّل كل الضغوطات التي وقعت على عاتقهم في المباراة النهائية أمام منتخب الأوروغواي، خاصة وأن المواجهة جرت في ملعب ”ماراكانا” أمام 200 ألف متفرج، فكانت النتيجة هزيمة مرّة وخسارة الكأس في حدث أبكى الشعب البرازيلي بأكمله. ونبه رابح سعدان إلى أن منتخب الأوروغواي استغل الموقف ولعب لاعبوه بدون أي ضغط وكانوا متحررين نفسيا، خاصة وأن منتخبهم كان بعيدا عن الترشيحات وكان يعد في ذلك الوقت بلدا صغيرا في كرة القدم مقارنة بالبرازيل والأرجنتين. كما أن منتخب الأوروغواي، حسب سعدان، طبّق أسلوبا دفاعيا يعتمد على الهجمات المعاكسة، وذلك عن طريق لاعبين صغار السن وكانوا كالمحاربين فوق أرضية الميدان، وأرادوا البرهنة على إمكانياتهم الكبيرة أمام منتخب عملاق كالبرازيل. وقد أوضح سعدان بأن منتخب البرازيل غالبا ما يعاني ضغوطا كبيرة عندما تقام منافسة كأس العالم في بلده، ”بدليل أن نجمه الحالي نيمار عبّر مؤخرا عن تخوفاته من كأس العالم القادمة التي ستقام في بلده، وهو ما بيّن حجم الضغوط الموجود في هذا البلد من الناحية الكروية”. قسنطينة: ش.فيصل