الصوم في الإسلام عبادةٌ دينية، بل وركن من أركان الإسلام لا يقوم ولا يصح إلا به، ولله سبحانه أن يشرعَ لعباده ما يحبُّ من الشرائع والأعمال، فالصيام تكليفٌ إلهيٌّ كسائر التكاليف الشرعية التي تظهر بها ربوبية الرب، وعبودية العبد، ويكفي في الصيام أن نقول للمسلم حتى يؤدي هذه العبادة إن الله يأمركَ بالصيام فيصوم، دون ذكر لفوائد الصيام، أو بحثٍ في أسراره. وليس معنى ذلك أنه لا يترتبُ على العبادات شيءٌ من الآثار النافعة المفيدة التي ندركا بعقولنا؛ولكن لا يصحُّ لنا أن نقطعَ بأنها هي المقصودُ من التكليف، وإنما هي آثارٌ تابعةٌ للعبادة، يزدادُ بها إقبالُ النفوسِ عليه، قوةً إلى قوة. أما الحكمة الجامعة من تشريع الصيام فهي في قوله: ”يا أيُّها الَّذينَ آمنوا كُتبَ عليكُمُ الصّيامُ كما كُتِبَ عَلَى الَّذينّ من قّبلِكُمْ لعلَّكُم تتَّقون”. وإنَّ من أسرار والفوائد التي ينطوي عليها الصومُ حصولَ الصحة العامة، خصوصاً إذا اتَّبع الصائمُ النهجَ السليمَ في صيامه، وذلك من ناحية الاعتدال في مطعمه ومشربه، وكثيراً ما تطالعنا الصحف والمجلات والدوريات بالمزيد من البحوث التي تكشفُ عن فوائد جيدةٍ للصوم في صحة الأيدان، والأطباءُ اعتنوا كثيراً ببيان فوائد الصوم واستخدامه كعلاج وقائيِّ أو كعلاج طبيعي لكثير من الأمراض، ومما قالوه في هذا: ”إن الصومَ ينفي الفضلات المتعفِّنة من المعدة والأمعاء، ويريحُ جهازَ الهضم بعض الوقت من عناء العمل، فليس لبعض الأمراض من علاجٍ إلا الحميةُ، وهل الصوم إلا نوع من الحمية؟”. والصوم مفيدٌ في ارتفاع الضغط الشَّرياني، وفي التهاب الكُلَى الحادِّ، والحَصَوات البولية، وفي أمراض الكبد، وفي حويصلة الصفراء من التهابات وحصَوات، وهو مفيدٌ في أمراض القلبِ المزمنة التي تصحب البدانة والضغط العالي، ومفيد في اضطرابات المعدة المصحوبة بتخمُّرِ المواد الزلاليةِ والنَّشَوية، وهو مفيدٌ في علاج الاضطرابات النفسية والعاطفية ومفيدٌ في زيادةِ النشاطِ، وإبطال الشيخوخة. ومن أشهر المؤلفين في فوائد الصيام الصحية العالم الأمريكيُّ”ماك فادن”وهو من علماء الصحة الكبار حيث أسسَّ مصحاًّ كبيراً مشهوراً بالولايات المتحدة سماه باسمه، وألَّف كتاب ”الصيام” بعد أن ظهرت له نتائج عظيمة من أثر الصيام في القضاء على الأمراض المستعصية وقد قال: ”إنَّ الصوم نافعٌ للجسم، حيث يصفِّيه من رواسب السُّموم، التي تشتمل عليها الأغذيةُ والأدوية”. أما عن الأمراض التي عالجها بالصِّيام فيقول: إنه عالج بالصيام أكثرَ الأمراض، وذكر ان انتفاع المرضى بالصوم يتفاوت بحسبِ أمراضِهم، فأكثر الأمراض تأثُراً بالصوم أمراض المعدة، ٌقال: ”إن الصَّوم يسارع في شفائها، وتليها أمراض الدم، ثم أمراض العروق كالروماتزم”وقد ذكر ماك فادن الأشخاص الذين عالجهم بالصوم وذكر أسماءَهم وأمراضَهم وتواريخَ علاجهم، وتؤثر عنه عبارته المشهورة: ”الصوم سبب للشفاء من كل علةٍ خابت في علاجها الوسائل الأخرى”. ومن هؤلاء الأطباء آلان كوت حيث استخدم الصوم في علاج السكَّر، وكارلسون حيث كان الصوم وسيلتَه في تجديد الصحة، وجيننجز الذي كان يصفُه في الحالات المرضية التي كانت تعرض له، وروبرت بارتول الذي توصل إلى أن الصيام من أمثل الطرق في علاج الزهري. ثم إن للصوم فائدة عظيمة تتعدى الصحةَ الدنيويةَ إلى الصحة النفسية، فيقول أحد الأطباء المتخصصين في مقال له بعنوان”الصوم والجهازُ العصبي”: ”إنَّ روحانية الصوم وما تفيظه من صفاءِ النفس، وتهذيب الروح، والصبر على احتمال المشاق، والعطف على الفقراء المحتاجين، والبعد عن التردي في الشهوات وما تجُّره على الفرد من ويلات، وتزكيةِ النفسِ بالأخلاقِ الفاضلةِ من صدق المعاملة، وأمانة في تأدية العمل، والبعد عن الغضب والانتقام، ونقاء النفس من الحقد والحسد، والبُغضِ للناس، كل هذا يضفي على النفس البشرية روحَ السلام والمودة والمحبة والصفاء التي بدورها تؤثر على الجهاز العصبي للإنسان، والذي يهدأُ الجسم لهدوئه، ويثور لثورته، وثورة الجهاز العصبي تثور باقي الأجهزة، التي تحفظ للجسم كيانَه”. أيها الصائمون الكرام هذه بعض فوائد الصوم الصحية، فسبحان الله الذي تظهر آياته في كل حين وآن: ”سُنريهِم ْآياتِنا في الأفاقِ وفي أنفُسِهِم حتَّى يتَبَيَّنَّ لَهم أنّه الحَقُ، أَوَلمْ يكفِ بِرِبِّكَ أنَّهُ على كلِّ شيٍ شهِيدٌ”(فصلت). هذا والحمد لله رب العالمين وصلي وسلم على نبينا وعلى آله وأصحابه أجمعين.