وصلت إلى أوتاوا من نيويورك عام 1974. من مدينة عاصفة بين نهري الهدسون والإيست ريفر إلى مدينة في حجم ”سنترال بارك” على نهر ”الأوتاواي”. من مجمَّع هائل لناطحات السحاب إلى مجموعة لبيوت القرميد. من مدينة في قلب أحداث العالم أجمع إلى مدينة على هامش جميع الأحداث في جميع أنحاء العالم، عاصمة صغيرة لثاني أكبر دولة على الأرض، نصفها فرنسي ونصفها الآخر إنجليزي، كلاهما يحمل ذكرياته العتيقة في دولة بالغة الحداثة والتقدم والرقي. سحرني الهدوء في أوتاوا وخدرتني العزلة. كانت قرية فيها أفضل مختارات المدن. وبعد نحو شهر، في نوفمبر (تشرين الثاني)، سوف يهبط الثلج ويغطيها نحو خمسة أشهر كاملة. وسوف يتجمد نهرها ويتحول إلى ساحة تزلج على الجليد. وسوف تنصرف أوتاوا إلى حياتها البسيطة، لا معالم مهمة فيها سوى دار البرلمان الفستقي القباب. البساطة هي الجمال، يقول المثل الفرنسي. وقمة قول فرنسي آخر هو ”مدينة على مقياس الإنسان”. وأوتاوا كانت القياس المثالي لحجم الإنسان العاقل. صحيفة يومية مليئة بالأخبار الطيبة لكي لا تكدر صفاء الابتعاد عن الضجيج. قمت بزيارة ”ذي ستيزن” وتركت عند رئيس التحرير مقالا عن انطباعي الأول، فوجدته منشورا في اليوم التالي في صدر صفحات الرأي. كانت خلاصته أن العاصمة الصغيرة تعطي الانطباع بأنك في سويسرا أميركا الشمالية: تنوع اللغات والإثنيات ونظام المقاطعات الفيدرالي والضمان الاجتماعي شبه المطلق. كان رئيس وزراء كندا يومها أهم رئيس وزراء عرفته في تاريخها. حَمى بيار إليوت ترودو وحدتها من الانفصاليين الفرنسيين. وجلس في المحافل الدولية متميزا بين رجال الدول الكبار. وعندما خطب في الكونغرس الأميركي عن استقلالية الشخصية الكندية عن الجارة الكبرى على طول الحدود، صفقوا له وقوفا وكرروا التصفيق والوقوف. كم أعتز في سيرتي المهنية باللقاءات مع بيار إليوت ترودو. وأفاخر بصوري معه. وترافقني أبدا تعابيره النبيلة ولمحات التواضع الكبير. هناك سياسيون لا تعجب بهم فقط، بل تشعر حيالهم بود عظيم. وأنا كم وددت الكندي التاريخي. إلى اللقاء..