سألني صديقي هل تعرف ما هي أغلى قطعة أرض في العالم؟ وأجبته بالنفي، فقال: إنها البسطة التي كان يبيع محمد البوعزيزي عليها بضاعته البسيطة المتواضعة في تونس، انظر وتمعن وتأمل ودقق في التكلفة التي تكبدها العالم العربي جراء هذه البسطة. لو كنت أعلم الذي سيحصل بعدها لكنت اشتريتها له وأتيت بمستثمرين واشترينا له الشارع نفسه بل والحي كله ولا كنا وصلنا لما نحن فيه.. أي ربيع هذا الذي يتحدثون عنه؟ الربيع الذي هو أجمل المواسم وعزف له فيفالدي وغنى له فريد الأطرش وسعاد حسني. هذا موسم مجنون لا علاقة له بالربيع الذي حصل. إن الذي حصل هو فضح ما كان مستورا أو محجوبا. خرج علينا مزايدون من الفرق الموتورة كلها تتوشح بغطاء الدين، وطبعا انطلقت فورا وبكل أريحية نظرات المؤامرة تتهم الدول العظمى وأجهزة المخابرات الدولية أنهم هم جميعا ووحدهم المسؤولون عن هذه الظاهرة الإرهابية، ولكن العجيب أن المنتمين لهذه التنظيمات هم من دول عربية وإسلامية نشأوا على فتاوى التكفير والترهيب والرفض التام للآخر. مناخ مسموم وغريب كان من الطبيعي أن يخرج منه هذا الكم من الغث.. مناخ ملوث يخالف سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأوامره. مناخ يترك السنة الفعلية للرسول عليه الصلاة والسلام ويلجأ إلى أقوال وآراء لمشايخ متطرفين خرجوا تماما عن رأي جمهور العلماء واكتفوا بشواذ الرأي. هذه هي النتيجة الطبيعية لابتداع فكرة ”العقيدة” وهي كلمة لم ترد لا في القرآن ولا في السنة ولا على لسان الصحابة ولا الخلفاء الأربعة ولا الأئمة الأربعة، لتدخل هذه الكلمة كالفتنة لتدعي أنها تطلع على القلوب وترى من هو على حق ومن هو على ضلالة، فتعتبر شخصيات مثل أبو حنيفة أول أئمة الإسلام في الفقه والإمام النووي المحدث المعروف والإمام أبو حامد الغزالي مجدد الدين كلهم لديهم خلل في العقيدة؛ فأي تجرؤ هذا؟ كلمة العقيدة باتت رخصة لتفرقة المسلمين بعضهم عن بعض لأن كل فريق يدعي أنه على العقيدة السليمة وغيره على ضلال، بينما الحق سبحانه وتعالى لا يستخدم إلا كلمة الإيمان فقط. هذا الغث المهول والسموم العظيمة نتاج جهل مركب ندفع ثمنه، ف”داعش” و”القاعدة” و”حزب الله” وغيرهم من الفرق الموتورة لا علاقة لها بالإسلام الذي نعرفه. نحن مطالبون بإنقاذ الدين نفسه اليوم، فلا يمكن أن تنقذ أعظم حملات العلاقات العامة والترويج الإعلامي سمعة المسلمين اليوم مما يفعلونه بأنفسهم، وخصوصا في ظل الصمت المريب والمعيب والمشارك لثلة غير بسيطة من الدعاة والعلماء بحق ما يحصل من جرائم باسم الدين العظيم. التربة لا تزال خصبة طالما لم تتم مواجهة أصول المشكلة وتطهير الكتب الشرعية من الهراء والسموم التي دمرت العقول، فأجد نفسي مذهولا لماذا تكون كتب بعض ”العلماء” أكثر قداسة ولا يتم الاقتراب إلى السموم التي تحتويها ونعاني جميعا من ضررها اليوم. إلى أن يتم ذلك الأمر بشكل حقيقي وواضح فسنبقى في نفس الدوامة الدموية.