جدلية السلطة والشعب الأبدية، تجسدت على ركح محي الدين بشطارزي بالعاصمة، في العرض الذي قدمه المسرح الجهوي لباتنة بعنوان ”ليلة غضب الآلهة”، فكان التصوير بليغا وبرمزية كبيرة أفصحت عن قهر الشعوب من طرف الأنظمة المستبدة حتى ولو كانوا أبرياء. مسرحية ”ليلة غضب الآلهة” التي عرضت أول أمس ضمن منافسة الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف المستمر حتى ال8 سبتمبر الجاري، كتب نصها محمد بورحلة وأخرجها جمال مرير الذي ركزّ على أداء الممثلين فوق الركح، وحملّهم عبء النص الذي ضم متغيرات كثيرة، من رقص وحركة جسد تعبيرية وغيرها، حتى يبرز قدراتهم الكامنة ويفجرونها على الخشبة التي كانت فضاء مفتوحا وفارغا. فكان التصوير دقيقا وبإيحاءات كثيرة حول القمع والتعذيب والتنكيل والسخرية من خلال قصة أربعة إخوة، كبيرهم ذكي وعاقل ويدافع بشراسة عن حياته وحياة إخوته، حيث يزجون في السجن ويمكثون فيه مدة طويلة يرون فيها أبشع صور المعاملة، بعد أن ألصقت بهم تهمة لم يرتكبوها وحجة السجانين وحراس الكاهن الأعظم أنّهم دخلوا المدينة ”المقدّسة” في ليلة غضب بعد الغروب، فينتظرون داخل الزنزانة الموحشة المظلمة عليهم محاكمتهم بل ذبحهم وتقديمهم كقربان للآلهة تكفيرا عن ذنوبهم، لكن في خضم مجريات القصة يتعرضون لمعاملة قاسية ويحاولون إيجاد طريقة للخروج من أسوار السجن، فيبدؤون بتقاذف التهم بينهم ومحاولة كل واحد منهم النجاة بنفسه، حتى يكشف في الأخير الكاهن الأعظم عن المجرم الحقيقي الذي دنّس المدينة وخان الآلهة. في صورة أخرى ركزّ المخرج على جانب مهم هو تحول ”الإنسان” إلى حيوان في السجن، لإبراز مدى قساوة الظلم على الأبرياء ومدى تعامل الجلاد مع سجانيه، دون احترام لحياتهم أوإنسانيتهم. الفضاء المفتوح أثثه المخرج بكوريغارفيا راقية وأداء متكامل للممثلين الذي احتلوا الركح بشكل كامل وتركوا المتلقي يغوص في قراءات متعددة لفحوى العمل ونتيجته دون ملل. كما مررّ الكاتب بورحلة من خلال نصه رسالة أنّ بعض الجماعات الإرهابية تستغل الدين والأخلاق لتنفيذ مشاريعها المتعلقة بالانتقام والقيام بالقتل وارتكاب الجرائم، مع محاولة ”حيونة” الإنسان بعيدا عن اللاعدالة أوالمنطق. في السياق نجح الراقصون في مجاراة كفاءة الممثلين عبر الكوريغرافيا، حيث لم تكن لوحات الرقص عشوائية أو مقحمة، واقتربوا من التعبير بحركاتهم عن عذابات الإنسان وحتى في جلدهم للمعذبين بفنية عالية. واعتبر المخرج جمال مرير عقب العرض بأن ”ليلة غضب” هي اعتراف وتكريم للممثل الذي يبقى العنصر الأساسي للعرض المسرحي، وهو ما قام به من خلال المسرحية، حيث اعتمد على 12 ممثلا تمكن من تسيير حركاتهم على الخشبة. وتنتمي مسرحية ”ليلة غضب” إلى المسرح التجريبي العبثي وتعتبر أول عمل تجريبي ضمن المنافسة، حيث رفعت سقف المنافسة باحتفائها بالممثل وتقديمها لعمل مفاجئ للمتلقين ولمسار العروض لحد الآن بشهادة النقاد على غرار الناقد العراقي علي عواد الذي قال بأنّ العمل جمع بين الفانتازيا واللامعقول أوالعبث وفكرتها شطحة خيالية تعتمد على الرمزية والسيميائية في تجسيد إشكاليات السلطة مع الإنسان الواعي. برع في أدائها الممثلون الذين تحملوا النصيب الأكبر من أحداث العرض. يمثل العرض مسرح باتنة الجهوي، وهو للكاتب المسرحي محمد بورحلة الذي سجل حضوره في المهرجان بمسرحية ”في انتظار المحاكمة”، بينما يعود المخرج جمال مرير إلى العمل التجريبي بعد مسرحية ”الدالية” في 1997. يذكر أنّ 17 عملا يتنافس على جوائز المهرجان بالإضافة ل9 عروض خارج المنافسة وعرض ضيف لمسرح الطليعة لمصري بعنوان ”طقوس الموت والحياة”.