الاستنتاجات في كرة القدم تدخلك أحيانا في متاهات لا أول لها ولا آخر. كتبت قبل فترة عن قضية فنية نالت مساحة من الاهتمام على مستوى الإعلام الإنجليزي بسبب ارتفاع معدل التسجيل، حيث كان المعدل في أول أسابيع الدوري الإنجليزي المثير نحو 2.8، وفهمت أن حماية المهاجمين من بين أبرز أسباب هذا الارتفاع، مع أنني شخصيا لست من المتحمسين لهذا التبرير، ولكن اليوم بمناسبة دورة الخليج لكرة القدم (خليجي 22)، وبعد عودتي للإحصائيات ولغة الأرقام اكتشفت أن العكس هو واقع دورة الخليج تحديدا بغض النظر عن كفاءة المهاجمين. قائمة الهدافين في دورات الخليج منذ انطلاقتها قبل 44 عاما تشير إلى أن الكويتي جاسم يعقوب يتصدر القائمة برصيد 18 هدفا سجلها في 3 دورات، ويأتي ثانيا العراقي حسين سعيد برصيد 17 هدفا من دورتين، ثم السعودي ماجد عبد الله برصيد 17 ولكن من 5 دورات. وتتوالى الأسماء على الترتيب: جاسم الهويدي وفيصل الدخيل ومنصور مفتاح ويوسف سويد ومحمد المغنم، وكل هذه الأسماء لعبت في دورات الخليج ال10 الأولى باستثناء الهويدي، ويكفي أن الأول لعب في الدورات الثانية والثالثة والرابعة وحفر اسمه في الذاكرة، وهو بلا شك أعظم نجم قدمته الكرة الكويتية، كما أن ماجد تألق ابتداء من الخامسة، الأمر الذي يعني أن القمة هي للربع الأول من القائمة، أي أن الهدافين في دورات الخليج الأولى تفوقوا على هدافي الدورات الأخيرة، وأذكر نجم المنتخب السعودي سعيد غراب مثلا الذي سجل 8 أهداف في دورتين هما الثانية والثالثة، علما بأنه شارك في الدورة الأولى ولم يسجل، كما أن الهداف العراقي الكبير فلاح حسن سجل نفس الرصيد من مشاركتين، ولا أنسى الصاروخ من السعودية الذي سجل 11 هدفا في 3 دورات وهو رقم أعلى من العماني الشهير عماد الحوسني الذي لم يسجل إلا 9 أهداف في 6 دورات، كما أن النجم السعودي ياسر القحطاني لم يسجل إلا 10 أهداف في 5 دورات. ومن هنا يبدو الفارق واضحا، ما يؤكد أن الهدافين برزوا في البدايات على نحو أفضل، وهذه النتيجة تقودنا إلى استنتاج مغاير للاستنتاج الحديث حول الحماية الزائدة للمهاجمين في الوقت الراهن ومطالبة البعض بضرورة الابتعاد عن المبالغة في منع الاحتكاك الذي قد يقتل اللعبة ويمنع فنون الدفاع عن المرمى. ومرة أخرى أتصور أن من الصعوبة حسم مسألة المقارنة بين المدافعين والمهاجمين، ومن الصعب الإجابة على نحو دقيق: هل الهجوم قوي أم الدفاع ضعيف؟! ومما يثلج الصدر أن معدل التسجيل منذ بدء دورات الخليج بلغ 2.5، وهو رقم جيد، حيث وصل عدد الأهداف إلى 834 وعدد المباريات إلى 330 مباراة. وفي النهاية، أهنئ النجم السعودي ماجد عبد الله الذي كرم قبل الافتتاح وتسلم شهادة ”غينيس” من بلاتر بحضور قيادات عالمية وخليجية نظير تسجيله 5 أهداف في مرمى الفريق القطري في دورة الخليج الخامسة، وأرى أن النجم الكويتي جاسم يعقوب يستحق أن يكرم تكريما خاصا لأنه لا يزال يحتفظ برقم التفوق، علما بأنه بدأ من دورة الخليج الثانية مع المجموعة الكويتية الذهبية: حمد بوحمد وفاروق إبراهيم وعبد الله العصفور والدريهم والحوطي ومحمد المسعود والطرابلسي وصالح عبد الله. جاسم يعقوب اسم كبير لكن المتابع لا ينسى أسماء كبيرة قدمتها الكويت في خط الهجوم، ومن ينسى فتحي كميل وفيصل الدخيل وجواد خلف ومحمد المسعود ويوسف سويد والهويدي وبشار عبد الله ؟!