المواطنون الراغبون في أداء مناسك العمرة مدعوون لأخذ اللقاحات الموصى بها    صيدال: الاطلاق المقبل لمشروع انتاج المادة الأولية للعلاجات المضادة للسرطان    الألعاب الإفريقية المدرسية (تحضيرات) : وفد اللجنة الأولمبية يؤكد جاهزية المنشآت الرياضية بولاية سكيكدة لاحتضان جزء من المنافسات    كرة القدم/كأس الجزائر (الدور ثمن النهائي): ترجي مستغانم و وفاق سطيف أول المتأهلين للدور ربع النهائي    السيد عطاف يجري محادثات مع المبعوث الخاص للرئيس الموريتاني    الفريق أول شنقريحة يزور حوض بناء السفن " ڨوا شيبيار ليميتد" في ثاني يوم من زيارته إلى الهند    الجوية الجزائرية/الديوان الوطني للحج : اتفاقية لنقل الحجاج وفقا لآليات تنظيمية ورقمية متطورة    محكمة العدل الأوروبية ترفض طلب المفوضية الأوروبية الرامي إلى تشويه البنية الديمغرافية في الصحراء الغربية    تجارة: مراجعة شاملة للإطار التشريعي وتوسيع الاستثمار في المساحات الكبرى    التدابير الواردة في قانون المالية لسنة 2025 تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال في الجزائر    مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 27 : تسليم محور قسنطينة خلال الثلاثي الرابع من 2025    حيداوي يبرز جهود الدولة في التكفل بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة    وفاة المجاهد و الخطاط عبد الحميد اسكندر عن عمر ناهز 86 عاما    مع فرضية غير واقعية    الجيش الوطني يسترجع أسلحة وذخيرة    بوغالي يجدّد رفضه للائحة البرلمان الأوروبي    إبراهيموفيتش يكشف سبب رحيل بن ناصر    مسلوق يتعهّد باحترام رزنامة المباريات    راموفيتش مدرباً لشباب بلوزداد    خط سكة الحديد الرابط بين العبادلة وبشار يوضع حيز الخدمة قريباً    المنازل الذكية تستقطب الزوّار    صوت المريض    تنفيذ تمارين افتراضية بالجلفة    بذرة خير تجمع الجزائريين    تعويضات للعمال المتضرّرين من التقلبات الجوية    إبراز التراث الأدبي والديني للأمير عبد القادر    هذه ضوابط التفضيل بين الأبناء في العطية    عطاف يُحادث فيدان    شاهد حي على همجية وبربرية الاحتلال الفرنسي    ترامب يفتح جبهة صراع جديدة    سايحي يلتقي نقابة البيولوجيين    وزير العدل يشرف على مراسم تنصيب النائب العام الجديد لمجلس قضاء الجزائر    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 47583 شهيدا    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات جنوب البلاد ابتداء من يوم الخميس    كرة القدم/ كأس الجزائر: تأجيل مباراة اتحاد الجزائر-نجم مقرة ليوم الاثنين 10 فبراير    المسيلة : جمع 360 طنا من المساعدات لفائدة الفلسطينيين في غزة    مناجم: تنصيب مدير عام جديد للشركة الوطنية للأملاح    ندوة تاريخية للتأكيد على همجية وبربرية الاحتلال الفرنسي    اليمين المتطرّف الفرنسي في مرمى النّيران    صب منحة رمضان في حسابات مستحقيها قبل منتصف فيفري    "الأميار" مطالبون بتحمل مسؤولياتهم    الدانمارك تتطلع لتكثيف استثماراتها بالجزائر    استعادة الأراضي غير المستغلّة وتسريع استكمال المباني غير المكتملة    تأسيس جمعيات للتنشئة السياسية لفائدة الشباب    الجزائر تحتضن مؤتمر الاتحاد الإفريقي    رياض محرز يشدد على أهمية التأهل إلى كأس العالم    "أباو ن الظل".. بين التمسّك والتأثّر    معرض لفناني برج بوعريريج بقصر الثقافة قريبا    ندوة وطنية عن المعالم والمآثر بجامعة وهران    التقى بأعضاء النقابة الجزائرية للبيولوجيين..وزير الصحة يعد بمعالجة اختلالات القانون الأساسي الجديد    معسكر: إبراز التراث الأدبي و الديني للأمير عبد القادر    الجزائر_بنغلاديش: بحث سبل تعزيز العمل المشترك في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة    المبدعون من ذوي الاحتياجات الخاصة يعرضون أعمالهم بالجزائر العاصمة    إمام المسجد النبوي يحذّر من جعل الأولياء والصَّالحين واسطة مع اللَّه    الإذاعة الثقافية تبلغ الثلاثين    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يصادم الوارد شيءٌ إلا دَمَغَه
حكمة عطائية
نشر في الفجر يوم 02 - 02 - 2015

يقول ابن عطاء الله السكندري:”الوارد يأتي من حضرة قهار، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلاَّ دمغة(بلْ نَقْذِفُ بالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زاهقٌ)”.
هذه الحكمة تأتي كالتعليل للقرار الذي تضمنته الحكمة التي قبلها، إذ لما قرر-رحمه الله-أن الواردات الإلهية إذا دخلت القلب طردت منه آفات الرعونات والعادات المذمومة، كان قراره هذا مثارًا للسؤال عن السر الذي يجعل للواردات هذا السلطان، بحيث تغيب أمامه قيمة الإرادة والاختيار، حتى لكأن الذي يتلقى هذا الوارد يفقد تحت تأثيره حريته وإرادته!..
فأعقب ابن عطاء الله رحمه الله ما قرره في تلك الحكمة، ببيان السبب الذي يتضمن إجابة عن هذا السؤال.
إن سلطان الوارد الذي يغشى القلب، فيفعل فيه ما يفعل، إنما هو آت من قاهرية الله عز وجل، وإنها لحالة جزئية تدخل في مصداق قول الله تعالى: ”إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ”(الشعراء).
وكما أن القهر الإلهي من شأنه أن يزج المستكبرين في أودية التيه والضلال، وأن يغيب عنهم سلطان اختيارهم وإرادتهم، فإن من شأن هذا القهر الرباني أن يزج آخرين من عباده في واحة الهداية والعرفان وأن يذيقهم حلاوة القرب من مولاهم الأوحد جل جلاله، دون أن يحوجهم في ذلك إلى الرجوع إلى سلطان الإرادة والاختيار.
ولك أن تسأل: أما الذين قضى الله بقاهر حكمه أن يزجهم في ظلمات التيه والضلال، فقد علمنا أن السبب في هذا الذي قضى عليهم به، إنما هو استكبارهم المتطاول وعنادهم المستمر، كما يصرح بذلك بيان الله عز وجل في مثل قوله تعالى: ” سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا”(الأعراف). ولكن فما السبب الذي قضى الله من أجله أن يزج بطائفة من عباده الآخرين في واحة الهداية والعرفان، دون المرور بوساطة فكر ولا اختيار أو إرادة منهم؟
وأقول لك في الجواب:
أولا: ليس في هؤلاء الذين ميزهم الله بوارداته الجاذبية، من يحجبون أنفسهم وعقولهم عن نداء الحق بأغشية العناد والاستكبار.
ثانياً: لعلَّ بواطنهم تنطوي على صفات كريمة يحبها الله تعالى، فكان لها دور الشفيع عند الله عز وجل، فاتخاذ الوارد الإلهي طريقه إلى أفئدتهم من هذا السبيل..
ثالثاً: يغلب على شأن هؤلاء الناس أن يكونوا ممن يكثرون الدعاء والالتجاء الضارع إلى الله، وأنت تعلم أن العاصي والمتطوح في تيه ضلاله، ربما كان أكثر انكساراً بين يدي الله وأكثر تضرعاً ودعاء له، من الطائع الملتزم بأوامر الله وأحكامه.. على أن الغالب أن تكون الواردات الربانية ثمرة لاجتياز السالك مراحل وظائف التزكية النفسية في أداء القربات و الإكثار من النوافل والأذكار.
رابعاً: يجب أن نعلم جميعاً أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفقراء المهاجرين، عندما قالوا له:ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى.. إلى آخر الحديث، وفيه أنهم رجعوا إلى رسول الله فقال لهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”.ثم إن ابن عطاء الله، قرن هذه الحقيقة بقول الله تعالى: ”بل نَقْذِفُ بالحقِّ عَلَى البَاطِلِ”(الأنبياء) على سبيل التنظير أيضاً، كصنيعته في الحكمة التي قبلها.
والغرض من هذا التنظير إبراز أثر الوارد العلوي إذ يتجلى الله به على قلب عبده المؤمن، في محق ركام الانحرفات السلوكية والعادات السيئة، وظلمات الغفلة عن الله عز وجل، إذ كل ذلك يتناقض مع هذا الوارد الرباني، كتناقض الحق والباطل، وتناقض النور والظلام. غير أن هذا لا يعني أن صاحب هذا الوارد، يتحول بذلك إلى معصوم من الانحرفات والآثام، وإنما المراد أن القلب يطهر بذلك عن الزغل ويغدو وعاء لتعظيم الله ومحبته وذكره والمخافة منه، ثم إن صاحب هذا القلب يبقى معرضاً للزلات تدفعه إليها نفسه، فيكون بين أن تتغلب عليه أو يتغلب عليها، فإن تغلب عليها حمد الله وازداد ذكراً وشكراً له، وإن تغلبت عليه فزلت به القدم، عاد للتو نادماً تائباً متضرعاً إلى الله أن يقبل توبته عازماً على أن لا يعود لمثلها، فمآله إلى الخير في الحالين، وذلك هو أثر الوارد الذي يتجلى الله به على قلب العبد، وهو المعني بقول ابن عطاء الله: ”لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلاّ دمغه”.
ثم إن الذ يهمّني ويهمّك من الحديث عن هذه الواردات، هو أن نعلم أن ثمة سبيلاً مفتحة، توصلنا إن سلكناها إلى حيث التعرض لهذه الواردات، ولعلك قد علمتها من بيان الأسباب الثلاثة التي ذكرتها لك، والتي إن تحقق بها المسلم أكرمه الله بشيء من هذه الواردات.
وحتى تلك التي يتحف بها الله طائفة من عباده، بجاذب من عنده ودون أي تَسَّبُبٍ أو التفات منهم، فإنما ينالها ويتمتع بها من لم تغلّف أفئدتهم بغلاف الاستكبار.
فاحرص على أن تكون مُعافىً من هذا المرض الخفي العضال، فإنك إن عوفيت منه فإن المعاصي مهما كثرت، لن تكون حجاباً يصد عن هبوط هذه الواردات إلى القلب، بل ما أسرع أن تخترقها وتنفذ منها لتستقر نوراً وهدايةً وعرفاناً في حنايا القلب.
ثم إنك قد علمت أن كلمة ”الواردات”هذه مهما تنوع مضمونها، لا تعني أكثر من تجليات الله على قلب العبد بالرحمة والحب وما قد يمتعه من ألطافهه الخفية، ثم إن من شأن هذه التجليات، أن تثمر لدى صاحب هذا القلب من الفتوحات والمعارف وشفافية الإحساس وإدراك الحقائق الخفيىة، ما لا يدخل تحت حصر، ولا يتوقف على شيء من الوسائل والأسباب.
فاللهم تجلّ على أفئدتنا بألطافك الخفية، حتى تصبح مهيأة لاستقبال وارداتك العلوية، فتتحرر بذلك من زغل الرغائب النفسية ورعونات الأهواء والعادات الدنيئة، وتغدو أوعية صافية لحبك وتعظيمك ومهابتك أنت..
المرحوم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.