جريمة لا تقل بشاعة عن جريمة “شارلي إيبدو” الشهر الماضي في باريس، جريمة ضحاياها ثلاثة شباب مسلمين، ومسرحها مدينة شتايل هيل الأمريكية، وقعت أمس صباحا، حيث عثر على طبيب الأسنان الفلسطيني ضياء بركات (23 سنة) وزوجته (يسر محمد 21 سنة) وشقيقتها رزان (19 سنة) غارقين في دمائهم بعد تعرضهم لطلقات نارية في بيتهم غير بعيد عن الحرم الجامعي بكارولينا الشمالية. والضحايا الثلاثة طلبة. ورغم أن الشرطة تمكنت من التعرف على المجرم واعتقلته، كما أن ردود الفعل جاءت عنيفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مدينة للجريمة، إلا أن هذا لن يسقط شبح الخوف على مصير الجالية المسلمة هناك أو في أماكن أخرى، في أوروبا وفي أمريكا. فالانتقام مما تسوقه الجماعات الإرهابية عن الإسلام، وصور القتل والحرق والنحر التي توزعها المواقع عن جرائم داعش في حق الرعايا الغربيين، أو حتى في حق المسلمين، سيؤدي حتما إلى تضييق الخناق على الجالية المسلمة في كل مكان. فبعد أن بدأت باريس تضيق بسكانها المسلمين منذ حادث الاعتداء على مقر “شارلي إيبدو” و”المتجر اليهودي”، إذ تعرضت مواقع عبادة المسلمين وبيوتهم وأملاك بعضهم إلى الاعتداء، ها هي جريمة بشعة توقع في حق ثلاثة طلبة، منهما طالبتان في عمر الزهر، تبعث ابتسامتاهما وجواهر أسنانهما الدفء في القلب، ولا شيء في أسارير وجهيهما الجميلين أنهما تمتان لداعش بصلة، ومع ذلك قتلتا بدم بارد، لأنهما محتجبتين أي ما يعني أنهما مسلمتان، وما يعني أنهما في نظر هذا المجرم الدموي لا تختلفان عن مسلمي داعش، فصار يكفي الانتماء لهذا الدين الذي مرغته الجماعات الإرهابية في وحل الجريمة والمجازر ليجلب إلى أهله الغضب والقتل. ومثل ما عرفته أمريكا في أعقاب أحداث سبتمبر من تضييق على العرب والمسلمين، تعد أمريكا سكانها المسلمين بأيام عصيبة، فمهما بذلت السلطات من جهود لحماية السكان المسلمين، إلا أن الشرخ قد حصل بينهم وبين الآخرين. والمسؤول الأول عن هذه الجريمة هم إرهابيو داعش والقاعدة الذين شوهوا صورة الإسلام في نظر الغرب، وجعلوا منه مرادفا للعنف، جريمة ستجني أشواكها الجاليات العربية والمسلمة. وما جريمة كارولينا الشمالية أمس، إلا عينة، ومن المتوقع أن تنتشر موجه الحقد أكثر، وتستهدف مسلمين أبرياء آخرين في جهات أخرى. فالأحقاد التي تسببت فيها جريمة 11/ 9، ما زالت لم تنطفئ وما زالت آثار الدمار التي خلفتها في المدينة والنفوس ماثلة، ما يشجع اليوم على التطرف ضد الإسلام والمسلمين، مع أن المسلمين أنفسهم لم ينجوا من جرائم هذه الجماعات في بلدانهم، وهم من يدفع يوميا بالعشرات من الضحايا، في العراق وسوريا، وفي مصر وليبيا، وحتى الجزائر حيث لم تنطفئ بعد نار الإرهاب. لن تكفي حملات التوعية وإدانة التطرف والكراهية للإسلام التي زادت اتساعا في الغرب أن ترمم صورة المسلم في نظر المجتمعات الغربية، فقد تكرست الصورة اليوم لهذا المسلم بأنه سفاح يحمل خنجرا وذي لحية كثة وعينين تنفجران حقدا. ضياء ويسر ورزان لا يمتون بصلة لمواصفات المسلم الذي تسوقه داعش إلى الغرب، مقبلون على الحياة بفرح يحملون مشاريع إنسانية، فضياء طبيب الأسنان، تقول الأخبار بشأنه أنه يمارس عملا تطوعيا لترميم أسنان الأطفال، فالذي يقدم عملا إنسانيا لا يمكن أن يتقاسم مع داعش مشروعها غير الإنساني، ومع ذلك دفع فاتورة الغضب والحقد الذي سببه التنظيم. إنه موسم آخر للأحقاد!؟