الذكاء الاصطناعي: الاعتماد على التكوين لبناء اقتصاد تنافسي    الجزائر-جنوب إفريقيا: عهد جديد لعلاقات تاريخية متينة    رئيس الجمهورية يكرم الرياضيين العسكريين المتوجين بالميداليات في الطبعة الثانية للألعاب العسكرية الإفريقية    وزيرة الخارجية البوليفية تؤكد على موقف بلادها الثابت والداعم لكفاح الشعب الصحراوي العادل    في الذكرى ال30 لوفاته..إبراز بطولات المجاهد الراحل العقيد محمدي السعيد    إحياء ذكرى "محرقة الأغواط" فرصة "لاستحضار المعاني في سيرة ماضينا المجيد"    السيد فايد يترأس اجتماعا حول متابعة تنفيذ خطة الطريق المتعلقة بتطوير وسائل الدفع الالكتروني    نزع ملكية الاراضي لفائدة مشروع منجم الزنك و الرصاص ببجاية: الدولة ستعوض المواطنين المعنيين بصفة مرضية وعادلة    الشلف..استحداث لجنة لمراقبة الجودة بالمعرض الوطني للعسل    مشروع قانون حماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة: النواب يثمنون مضمون النص ويدعون لمزيد من التمكين لهذه الفئة    البويرة تضيء على زاوية الشيخ الحمامي في ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر    بوغالي يستقبل من طرف رئيس برلمان عموم أمريكا اللاتينية والكاريبي "البرلاتينو"    حملة توعوية من مخاطر غاز أحادي أكسيد الكربون بالجامعات    البليدة..إصابة 16 شخصا بجروح في حادث اصطدام بين ثلاث مركبات    رئيس الجمهورية يشرف على حفل تكريم رياضيي النخب الوطنية العسكرية المتألقين في الألعاب العسكرية الإفريقية بنيجيريا    كاس الكونفدرالية الافريقية/نادي جاراف-اتحاد العاصمة: أبناء الزي "الأحمر والأسود" يحلون بدكار    العدوان الصهيوني على غزة: 440 حالة اعتقال في الضفة والقدس خلال نوفمبر الماضي    مجلس الأمة: جلسة علنية يوم الخميس لطرح أسئلة شفوية على عدد من أعضاء الحكومة    المجلس الأعلى للشباب ينظم منتدى حول أهمية الإعلام في تعزيز الأمن الفكري لدى الشباب    تنظيم المهرجان الدولي الثالث للفيلم الوثائقي " سيدي امحمد بن عودة" في ديسمبر بغليزان    الرئيس تبون يستقبل روبرت فلويد    جهود الدولة ترمي إلى تعزيز وترقية ذوي الاحتياجات الخاصة    وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني يعقد اجتماعا بمجمع صيدال    الجزائر تعمل لبلوغ الحظر التام على التجارب النووية    نحو إعادة هيكلة مجمع "صيدال"    الحكام يثيرون الجدل وشارف في قفص الاتهام    إيمان خليف تستأنف التدريبات بالولايات المتحدة الأمريكية    شباب قسنطينة وشبيبة القبائل يحققان تعادلا ثمينا    الجزائر متضامنة مع الشعب السوري في مواجهته للتهديدات    تسوية العقود وتوفير الدعم واستغلال آلاف الهكتارات    دفع مستوى التعاون الجزائري- الإيطالي في السياحة    صدمة من قرار "الأونروا" بإيقاف إدخال المساعدات لغزة    الجزائر مثال يقتدى به في التكفّل باللاجئين    استثمارات هامة وإنجازات استراتيجية في مجال الطاقة    الدرك يحجز 5350 قرص مهلوس    نحو إنشاء لجنة وطنية لحماية المنتج الجزائري    حملاوي تستقبل المفوض السامي المساعد لشؤون اللاجئين    تطوير شراكات استراتيجية بين الجزائر وقطر    "إخف نو سقاس" يتوج بأحسن عرض متكامل    عصا السنوار يلتقطها غيره ويكمل الغد    نشر الكتب بطريقة البراي لفائدة المكفوفين : "الإبصار بالمعرفة" تجربة رائدة في الجزائر    الانتصار للقضايا العادلة : "الأدب مقاومة " عنوان الطبعة ال7 لأيام خنشلة الأدبية    من أجل انتقال سلس في تنفيذ محتوى القوانين    استجبنا لكل المطالب ونواصل معالجة بعض النقاط    اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة: عرض مسرحية "محكمة الغابة" بالجزائر العاصمة    شنقريحة يترأس حفل تكريم    تسجيل 10 آلاف طلب استثمار في الجزائر    "الشبكة" مسرحية كوميدية تعالج ظاهرة الهجرة السرية    تيميمون: تخصيص 10 مليار دينار لإنجاز مشاريع طاقوية في آفاق 2030    الاتحادية الجزائرية تنظم ملتقى بعنوان "ملاعب آمنة في إفريقيا"    نسوا الله فنسيهم    تطعيم المرأة الحامل ضد "الأنفلونزا" آمن    إنتاج صيدلاني: دراسة إمكانية إعادة تنظيم وهيكلة مجمع صيدال    المغرب: تصعيد احتجاجات الأطباء و الدكاترة العاطلين عن العمل في ظل تجاهل الحكومة المخزنية لمشاكلهم    الصلاة هي أحب الأعمال إلى الله والسجود وأفضل أفعالها    هؤلاء الفائزون بنهر الكوثر..    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاج الذي من شأنه أن يزيل أو يخفف عنك وقع ذم الناس لك
حكمة عطائية
نشر في الفجر يوم 30 - 03 - 2015

يقول ابن عطاء الله السكندري: ”متى آلمك عدم إقبال الناس عليك، أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه، فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم”.
الجديد الذي يذكره ابن عطاء الله هنا، هو بيان العلاج الذي من شأنه أن يزيل أو يخفف عنك وقع ذم الناس لك أو إعراضهم عنك واستخفافهم بك.
إن على الذي يؤلمه ما يسمعه من انتقاص الناس له، أن يقارن بين ما قد عرفه الناس عنه أو اتهموه به، وبين ما قد عرفه الله من خبيئة أمره وواقع حاله، وسيعلم عندئذ أن ما يقوله أو يتقوله الناس عنه من سوء، لا يبلغ معشار ما يعلمه الله عنه من ذلك.. ولسوف يقول لمن يذمه أو ينتقصه:”علمت شيئاً، وغابت عنك أشياء”.
وهكذا فإن من أهم ما يخفف عن الإنسان وقع الأذى الذي يناله من الآخرين، أن يظل على علم بنقائصه وعيوبه وأخطائه التي يقترفها ويسترها الله عز وجل بفضله، وإحسانه عمن حوله من عباده، فإنه إن ألزم نفسه بمراقبة حاله، كان له من ذلك عزاء وأي عزاء تجاه الأذى الذي يناله من الآخرين.
وقد قالوا إن رجلاً من الصالحين كان يمر مع ثلة من مريديه في مضيق، فألقي عليه من نافذة بعض البيوت التي كان يمر تحتها، قدر كبير من الرماد لبسه من فرقه إلى قدمه، ولما اهتاج مريدوه ومن حوله ليتعقبوا الفاعل ويعرفوه، هدّأهم قائلاً:إنها بشارة كبرى، فمالكم تضيقون بها ذرعاً، رجل حكم عليه من قبل الله بالحرق، فصولح بالرماد، أي نعمة يمكن أن تكون أجلّ من ذلك؟
لعلك تقول:فافرض أن الرجل رجع إلى علم الله فيه وتأمل حاله الخفي بينه وبين ربه، فلم يجد إلا ما يحمد الله عليه من الأعمال الصالحة والقربات والطاعات التي ترضي الله عز وجل، فبأي عزاء يعود في هذه الحالة ليخفف عن نفسه وقع الأذى الذي يناله من الناس أو وقع استخفافهم به وإعراضهم عنه؟ والجواب أنه حتى الرسل والأنبياء لم يعودوا، لدى محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم الخفية مع الله، بمثل هذا القرار المغتبط، وبمثل هذه الطمأنينة الراسخة بأن ليس لهم من ذنب ارتكبوه في جنب الله، ولقد علمت أن رسول الله كان يقول:
”إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة”. ولقد كان من دعائه الذي يدعو به قوله: ”اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدّمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير”.
فمن الذي يجرؤ بعد هذا الدعاء الواجف من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: لقد رجعت إلى علم الله فيَّ، وإلى حالتي الخفية معه، فلم أجد إلا ما أحمد الله عليه من الأعمال الصالحة والقربات المقبولة؟!..
إن المؤمن إن عاد إلى نفسه بمثل هذه الغبطة والطمأنينة، فليعلم أنه من هذه الغبطة أمام أخطر الدلائل على سوء حاله مع الله، وليبادر فليتذكر قول الله تعالى: ”فلا تزَكُّوا أنْفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بمَنِ اتَّقَى” وليتذكر قوله تعالى: ”وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا” فاطر.
وكلما ازداد العبد معرفة بالله، ازداد بصيرة بعظيم حقوقه عليه، ومن ثم ازداد شعوراً بتقصيره في أداء حقوقه، وازداد تبيناً لجسامة أخطائه وكثرة تهاونه في النهوض بعظيم مسؤولياته تجاهه.. ثم إن جملة ”فارجع إلى علم الله فيك”تحمل معنى آخر، ربما اعتمده بعض الشراح، أي لا تجعل مناط همك ما يقوله الناس عنك، فإن رأيت أن الله يعلم براءتك مما يتهمونك به، فحسبك عزاءً علم الله ببراءتك، وكم هي تافهة اتهامات الناس لك بما يعلم الله براءتك منه..
وإن رأيت أن الله يعلم تلبسك بما يتهمونك به، فالمفروض أن يكون ألمك لهذا الذي يعلم الله تلبسك به، أشدّ بكثير من ألمك لما يعلمه الناس منك وكم هي تافهة أذيّة الناس لك لشيء لا تدري مدى مقت الله لك به، والعذاب الذي أعدّه لك بسببه، ربما كان إيذاء الناس لك تسليطاً من الله عليك.
ويقول المحقق الشيخ أحمد زروق ما معناه:ربما اتهمت من قبل بعض الناس، بما أنت بريء منه، ولكن فلتعلم أن ذلك ربما كان عقاباً ربانياً جاء عن طريقهم لنقيصة أخرى ارتكبها وبقيت سراً بينك وبين الله عز وجل، فجاء اتهامهم لك بما يوازيها مما أنت بريء منه عقاباً عاجلاً من الله عز وجل على ذاك الذي علمه منك وأخفاه عن عباده ستراً لك..
ثم قال ابن عطاء الله: ”فإن كان لا يقنعك علمه، فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه، أشدّ من مصيبتك بوجود الأذى منهم”. ولعل هذا التحذير هو مدار هذه الحكمة، والبيت القصيد فيها.
في الناس من يحصر همه في علاقته بالناس، فيتخذ منهم مصدر سروره إن هم أقبلوا إليه بالإعجاب والثناء، ويجعل منهم مصدر كآبته وحزنه إن هم واجهوه بالذم والانتقاص، دون أن يقيم في ذلك وزناً لعلاقته بالله ولما يعلم من علم الله عز وجل به وبخفايا أحواله وسلوكه.
ولا ريب أن من كان هذا شأنه، فلسوف يقضي حياته بين احتمالي الغرور بمدح الناس له، والألم من انتقاصهم وإيذائهم له، وهو في كلا الحالين خاسر خسارة فادحة.فإن استلامه لثناء الناس عليه وإعجابهم به، مهلكةٌ عاجلة له، إذ في ذلك ما فيه من صرفه عن النظر فيما لا يعرفه الناس من خفايا عيوبه.
وترسيخ لمشاعر استحقاقه لهذا الثناء في نفسه، بحيث لا يبقى لديه استعداد لسماع نقيض ما تعود على سماعه من ذلك الثناء الذي لم يجد في نفسه صارفاً عنه.. والغاية التي يرمي إليها ابن عطاء الله من هذه الحكمة، والتي تليها، دعوة المسلم إلى أن يمتن صلته، رغبةً ورهبةً، بالله عز وجل، وذلك بأن يكون دائم المراقبة له، وبأن يعلم أنه المتصرف الحقيقي في الكون هو الله. وليست الأسباب الظاهرة وصدق الله القائل: ”وما يعلَمُ جُنُودَ ربِّكَ إلاَّ هُوَ”. فمن أطال لسانه في حقك بقالة السوء، فبإرادة الله فعل ذلك، وبعبارة أدق: فبتسليط من الله واجهك ذلك. ومن أقبل إليك بلسان من المدح والثناء، فبإلهام الله أقبل إليك بذلك، وله في كل ذلك حِكمَه الباهرة وإن لم نكن نعلمها..
فلا علاج لكل ذلك إلا بتوجهك إلى الله متذللاً منكسرا بين يديه في كلتا الحالتين، تسأله الصفح عن ذنوبك، والرحمة بك، وإدخال برد السكينة على قلبك.
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.