صاحب العقار: ”ضرر مادي ومعنوي لحق بي وأثق في العدالة لاسترجاع أرضي” ماتزال قضية محمد العيد بن رتمة تطرق أبواب المحاكم، حيث عجز القضاة الذين تداولوا على هذه القضية من التوصل إلى نتيجة أخيرة، لتتحول هذه القضية إلى أشبه بعملية الجزر والمد، فكلما حكم قاض بحكم إلا وجاء آخر وقضى بحكم جديد إلى درجة أن يقوم قاض واحد بالحكم في نفس القضية والوقائع بحكمين مختلفين. الغريب في هذه القضية أنه ظهرت خلال الأيام القليلة الأخيرة، في النزاع القضائي عن العقار المطروح على العدالة ما يقارب العشرين سنة، عقد اكتتاب جديد يحمل رقم 15 المحرر، حسب ما تظهره نسخة منه في 1 أكتوبر 1989 عن بلدية باب الزوار، ليضاف للعقدين السابقين اللذين يحملان رقم 13 ورقم 2، وبالتالي يصبح للعقار الواحد المتنازع عليه قضائيا ثلاثة عقود إدارية. ليبقى السؤال المطروح.. هل سيتمكن القضاء من حل هذه القضية وإرجاع الحق لصاحبه، خاصة أن الملف مليء بالألغام؟ ”الفجر” اطلعت على الملف، حيث تتلخص القضية في تحصل محمد العيد بن رتمة رفقة السيد محمود محمد ايوا، على عقد وكالة حررها الموثق زايدي يوسف بتاريخ 3 ديسمبر 1994، صرح من خلالها صاحب قطعة الأرض السيد ”ق.ع” أنه أناب السيدين بأن يقوما مقامه ولحسابه وأن يمضيا باسمه كل الوثائق والعقود أمام جميع الجهات والإدارات مهما كان نوعها، ودفع كل الرسوم والحقوق الواجبة، وكذلك لهما أن يبنيا ويستغلا ويسكنا أو يقوما بتجارة وأن يبيعا وأن يرهنا، كما لهما أن يؤجرا لمن أرادا العقار الاتي تعيينه قطعة أرض كائنة بإقليم بلدية باب الزوار بحي الصومام قطعة رقم 13 وتبلغ مساحتها 400 متر مربع، وذلك حسب عقد إداري تحت رقم 89/078 بتاريخ 1 أكتوبر 1989 كما لهما تسجيل وشهر عقد الملكية. ليتم بتاريخ 18 سبتمبر 1996 قيام نفس الموثق بتحريرعقد إشهاد تنازل يقر من خلاله البائع بالتخلي نهائيا عن جزء من مساحة القطعة الأرضية المقدرة ب200 متر لصالح محمد العيد بن رتيمة، حيث أقر البائع بأحقية ورثة الشاري في إتمام إجراءات التحويل في حالة وفاة هذا الأخير، على اعتبار أن ”ع.ق” لم يتمكن في بادئ الأمر من التنازل عن قطعة الأرض عن طريق البيع على اعتبار أن عقد قطعة الأرض كان عقدا إداريا. في سنة 10 أكتوبر 1996، قام محمد العيد بن رتمة أمام نفس الموثق بتحرير عقد إيجار لمحل تجاري بمساحة 80 متر مربع تم تشييده على نفس القطعة للسيدة بلبال مريم، لكن المثير في هذا العقد الذي حرره زايدي يوسف أنه جعل بن رتمة الشاري لقطعة أرض وكيلا وممثلا للبائع ”ق.ع”، وتم تحرير عقد الإيجار على أساس عقد الوكالة وليس على أساس عقد التنازل، حيث يقول بن رتمة أنه اكتشف أن عقد إيجار المحل التجاري يشوبه خطأ تسبب فيه الموثق بعد إقدام البائع على اقتحام المحل التجاري المؤجر بالقوة وكذلك المسكن، وتغيير وأقفالها، مثلما يبينه محضر إثبات حالة المحرر من طرف المحضر القضائي شهر ماي 1997، حيث استنجد بأقاربه لقراءة محتوى عقد الإيجار الذي حرره الموثق، أين وقف على حقيقة أن الموثق الذي يعرف الطرفين جيدا عوض أن يحرر عقده بناء على عقد التنازل حررها بناءا على عقد الوكالة، حيث يقول في هذا الصدد بن رتمة أن جهله قراءة اللغة العربية منعه من قراءة محتوى العقد، ولأنه أيضا وضع ثقته في الموثق كونه هو من تكفل بكل الإجراءات منذ سنة 1994 إلى غاية سنة 1996، بما فيها قيامه بتحرير عقد التنازل. رحلة استعادة الحقوق.. بناء على محضر إثبات الحالة أودعت السيدة مريم بلبال استئنافا أمام الغرفة الاستعجالية لمجلس قضاء الجزائر، بسبب قيام ”ق.ع” باقتحام محلها الذي سبق أن أجرته وتغيرت أقفاله، ما تسبب لمؤسستها التجارية بخسائر مادية، حيث قضى المجلس بإلزام المعتدي بفتح المحل التجاري مع غرامة تهديدية، وفقا لهذا القرار القضائي تمكنت المستأجرة من فتح محلها التجاري في 3 مارس 1998، لتتفاجأ المستأجرة بعد مرور 20 يوما من استرجاع حقها، بقيام الدرك الوطني لبلدية باب الزوار بمطالبتها بمنحهم المفاتيح، وعندما رفضت ذلك تفاجأت في اليوم الموالي بتغيير أقفال المفاتيح ووضع مفاتيح جديدة، وعندما قامت رفقة المؤجر السيد بن رتمة محمد العيد بالاستفسار لدى الدرك الوطني، تم إخطارهم أن ذلك نتيجة لأمر من وكيل الجمهورية لدى محكمة الحراش، وعندما تم الاتصال بوكيل الجمهورية أخطرهم أن السبب وراء ذلك هو إشكال في التنفيذ؟ تم تحريره بعد مرور 18يوما من تنفيذ القرار، حيث جاء في موضوع محضر اشكال في التنفيذ المحرر في 21مارس 1998 من طرف المحضر القضائي رشيد سعدو، أنه ”بعد عملية التنفيذ بفتح المحل التجاري الكائن بحي الصومام قطعة رقم 13/02 استدعينا من قبل وكيل الجمهورية الذي سلم لنا مفاتيح المحل التجاري الذي تلقاهم من طرف الدرك الوطني بباب الزوار، لكون هناك عدة مستودعات في القطعة رقم 13 المستفيد من القرار يصرح أنه طلب المحل التجاري كله فوق القطعة، وهو ما تمت عليه عملية التنفيذ. المحكوم عليه يصرح أن النزاع قائم على مستودع وليس على محل، وعليه نطرح عليكم سيادة الرئيس هذا الإشكال للبث فيه”. ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا دخلت القضية حيز الإشكالات والمعاناة والوقت الضائع سدى، مثلما يصرح المعني بالأمر، حيث تفاجأ بن رتمة أن مصير المفاتيح الجديدة تم منحها إلى السيد ”ق.ع”، بواسطة محضر تسليم المفاتيح المحرر من طرف وكيل الجمهورية لدى محكمة الحراش بتاريخ 23 أفريل 1998، حيث تضمن المحضر أنه تم تسليم 5 مفاتيح تخص محلات تجارية بما فيهم المحل المؤجر. في سنة 1999، قضت الغرفة الاستعجالية لمجلس قضاء الجزائر لصالح السيدة التي أجرت المحل بمواصلة تنفيذ القرار الاستعجالي الصادر بتاريخ 6 ديسمبر 1997، مع تحديد شكل المحل التجاري المتكون من ثلاث ”ستارات” حديدية وباب نجدة موجودة خلف المحل. ومنذ صدور هذا القرار القضائي الذي يؤكد على مواصلة التنفيذ لم تتمكن السيدة لبال مريم ومحمد العيد بن رتمة من الحصول على التسخيرة من طرف كل وكلاء الجمهورية، الذين تعاقبوا على محكمة الحراش طيلة هذه الفترة، وهو ما جعل القرار القضائي يبقى بدون تنفيذ. كما أن ”ق.ع” الذي رفع العديد من القضايا بخصوص وجود إشكالات في التنفيذ، حيث كانت قرارات العدالة كلها تصب في خانة مواصلة التنفيذ. يضيف بن رتمة:”وبقيت طيلة العشرة سنوات أراسل وزارة العدل، وفي سنة 2008 وكالعادة توجهت إلى وزارة العدل، حيث تم إخطارنا في مكتب التنفيذ أن وكيل الجمهورية لدى محكمة الحراش سيتصل بنا وسيقوم بمنحنا التسخيرة لتنفيذ القرار قصد تسليمكم المفاتيح، وهو ما حدث فعلا، حيث اتصل بنا وكيل الجمهورية وعندما قصدنا مكتبه طلب منا الاتصال بالمحضر القضائي لتنفيذ القرار القضائي، لكني أجبته أن وزارة العدل قالت أننا سنجد المفاتيح لدى وكيل الجمهورية. ولم يتمكن المحضر القضائي من تنفيذ القرار بسبب وجود إشكال بسبب قيام المعتدي على المحلات بتأجيرها لشخص آخر، فقام المحضر القضائي بتحرير إشكال في التنفيذ ليصدر القاضي بمحكمة الحراش أمرا استعجاليا بتاريخ 26 جويلية 2008 يقضي بوقف تنفيذ القرار الصادر عن قاضي الغرفة الاستعجالية بمجلس قضاء الجزائر بتاريخ 26 ديسمبر 1997. لأقوم برفع استئناف حكم وقف التنفيذ في المجلس، أين صدر قرارا بمواصلة التنفيذ ليتم تحرير محضر بالطرد في 25 جانفي 2009، حيث مكنتنا العدالة من استرجاع حقوقنا بعد مدة 12 سنة”. ليقوم ”ق.ع” بإيداع شكوى أمام القسم التجاري البحري ضد الشركة ذات المسؤولية المحدودة ”ميريال”، إلا أن المحكمة رفضت الدعوى لعدم التأسيس القانوني، ليقوم مرة أخرى وفي سنة 2011 برفع دعوى أمام نفس المحكمة التجاري البحري، أين تم إصدار حكم بتاريخ 18 أكتوبر 2011 برفض الدعوى لعدم التأسيس ويؤيد المجلس القرار الصادر بتأييد الحكم المستأنف الصادر عن محكمة الحراش القسم التجاري بتاريخ 23 مارس 2010 القاضي بعدم التأسيس. وفي سنة 2012 قام برفع دعوى قضائية أمام القسم التجاري البحري بمحكمة الحراش ليصدر حكما بتاريخ 13 أكتوبر 2012 يقضي بفسخ العقد الإيجار المبرم وكل شاغل بإذنه. لكن الغريب في القضية هو أن الحكم في القضية صدر من نفس القاضي الذي سبق له أن رفضها لعدم التأسيس، ليصدر مجلس قضاء الجزائر تأييد الحكم الصادر عن محكمة الحراش والقضاء بالطرد في 20 فيفري 2013 من المحلات التجارية، حيث مكنت محكمة الحراش المحضر القضائي بتنفيذ قرار الطرد من المحلات التجارية سنة 8 ديسمبر 2013. وفي سنة 2014، قام ”ق.ع” برفع دعوى أمام القسم الاستعجالي بمحكمة الحراش قصد طرد محمد العيد بن رتمة من منزله، أين حكم القاضي بعدم الاختصاص بتاريخ 10 أوت، ومن المنتظر أن يصدر المجلس قراره في الاستئناف المرفوع إليه. عقدان لقطعة أرض واحدة.. تمكن قير العمري من قلب موازين القضية بواسطة عقد اكتتاب ممضي من طرف الامين العام لبلدية باب الزوار سنة 2000. والمثير في العقد أنه يحتوي نفس المعلومات التي يتضمنها عقد الاكتتاب الممضي من طرف رئيس بلدية باب الزوار سنة 1989، حيث يعد هذا العقد الأخير العقد الذي بواسطته قام القير العمري ببيع قطعة الأرضية الذي قام من خلالها محمد بن رتمة بتشييد محلاته ومنزله. لكن الفرق بين العقدين هو اختلاف في الرقم فقط، حيث نجد نفس المعلومات مع اختلاف في رقم القطعة من القطعة رقم 13 إلى القطعة رقم 2. وأمام هذا العقد الجديد قام محمد العيد بن رتمة بإيداع شكوى أمام المحكمة الإدارية الجزائر سنة 2013، أين قضت في جلسة 30 ديسمبر 2013، بإلغاء القرار المتضمن مستخرج عقد الاكتتاب الصادر عن الأمين العام لبلدية باب الزوار بتاريخ 10 فيفري 2000 تحت رقم 327. لذلك نلاحظ حسب الوثائق أن القضايا التي ربحها قير العمري كانت على أساس القطعة رقم 2، في حين أن القضية تخص القطعة رقم 13، وهو ما يفتح بابا للتأويل بخصوص تعمد وتغليط العدالة. إغفال عن وثائق.. تشير الوثيقة المحررة في 8جويلية 1996، المحررة من طرف قير يحيى مسؤول على إدخال الكهرباء لحي الصومام. ويعد هذا المسؤول أخ ”ق. ع”، حيث تبين الوثيقة أن هذا الأخير تكفل بإدخال الكهرباء لمنزل ومحلات بن رتمة بعد أن دفع هذا الأخير المستحقات المالية عن طريق القرض الشعبي الجزائري. وتشير وثيقة في 23 مارس 1997 إلى إدخال الغاز الطبيعي باسم بن رتمة بعد دفع المستحقات المالية. عشرون سنة من الضرر المادي والمعنوي.. بتاريخ 15 جانفي 2015، أصدرت المحكمة العليا الغرفة التجارية البحرية، في جلستها العلنية قرارا يقضي لصالح محمد العيد بن رتمة، غير أن سعادته لم تكتمل بسبب تفاجئه بظهور عقد إداري جديد للعقار المتنازع عليه ويحمل رقم 15، وهذا ما يعني أن رحلة النزاع القضائي ستبقى متواصلة بسبب ظهور مستجدات جديدة في القضية، غير أنه لم يفقد الأمل ولايزال واثقا في العدالة لاسترجاع حقه.