كشفت قمة كامب ديفيد الخليجية، ولا سيما خلال مرحلة الإعداد لها، حقيقة الازدواجية الأميركية التي تتعاطى بها في سياساتها الخارجية، والتمييز الواضح بين العرب والإسرائيليين بنوع خاص، الأمر الذي يفسر وبقوة لماذا باتت مصداقية واشنطن شرق أوسطيًا في الدرك الأسفل. عن ماذا نتحدث بشكل محدد؟ بالقطع عن فكرة التعاون الأميركي الخليجي، بعد صفقة إيران النووية القادمة لا محالة، وبخاصة في ضوء الأطماع الإمبراطورية الهيولية الإيرانية. يلفت النظر بداية الأمر رفض واشنطن لفكرة التوقيع على اتفاقية أمنية طويلة المدى مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقد كان هناك أكثر من نموذج في هذا السياق؛ الأول ويتصل باليابان التي ترتبط معها الولاياتالمتحدة باتفاقية دفاع مشترك تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونموذج آخر يتصل بتايوان التي ترتبط بدورها بعلاقة أمنية طويلة الأمد مع الأميركيين، يحددها قانون عام 1979 للعلاقات مع تايوان (TRA)، وبحسب هذا القانون فإن واشنطن تقوم في حال تعرض تايوان لتهديد ب”تزويد تايوان بالأسلحة ذات الطبيعة الدفاعية” عطفًا على ”حفاظ الولاياتالمتحدة على القدرة على مقاومة أي قوة تهدد أمن تايوان”. هل لا ترقى دول الخليج وبقية العرب في الشرق الأوسط عند الأميركيين إلى مرتبة تايوان؟ لقد بدا واضحًا من تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في الرياضوواشنطن، وكذلك ردود الفعل الداخلية الأميركية، أن هناك رفضًا قاطعًا لفكرة الالتزام المكتوب، أو الاتفاقية الرسمية للدفاع المشترك بين واشنطن والعواصم الخليجية، والحجة هي أن الأمر يحتاج إلى موافقة الكونغرس، والذي لن يوافق بالفعل، عطفًا على أن واشنطن لا تريد المزيد من الارتباطات الدفاعية في الشرق الأوسط، إذ هي مهمومة ومحمومة بالشرق الأقصى، ناهيك عن التذرع داخل إدارة أوباما بعدم الحاجة إلى الانغماس في الخلافات العربية الداخلية. في الوقت عينه يمتد الحديث عن الثمن الذي تدفعه واشنطن لتل أبيب من أجل تسهيل شأن الاتفاق النووي الإيراني، وفي الوقت ذاته حماية الأمن القومي الإسرائيلي إلى أبعد حد ومدى ممكن... ماذا عن ذلك؟ عن صفقة طائرات F35 نتحدث ولا شك، والتي سترسل واشنطن اثنتين منها إلى إسرائيل العام المقبل، وينتظر أن تحصل إسرائيل على سربين منها بعدد 14 طائرة بحلول 2021.تعد هذه الطائرة ثورة استراتيجية عسكرية قادرة على تغيير مشهد التوازنات العسكرية حول العالم، إذ تقوم بتبادل البيانات في الوقت المناسب مع أجهزة استشعار واتصالات متطورة، ومع هذه الميزة ستؤدي مهام القيادة والسيطرة والاستخبارات التي تتجاوز قدرات الطائرات المقاتلة التقليدية، كما تعمل ضد عمق خطوط العدو وتعترض الأهداف المحمية وتوفر الدعم الجوي وتدمر الدفاعات الجوية للعدو في وقت واحد. ”هل توافق واشنطن على بيع F35 للمملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة” أو بقية دول الخليج؟ ليست قصة هذه الطائرات سوى نموذج مصغر للتباين الذي تتعامل به واشنطن في المنطقة، ومعه لم يعد أحد بإمكانه أن يجد تبريرًا لصدقية الإدارة الأميركية، وهو أمر ليس حديثا، ذلك أنه إذا رجعنا إلى القديم وزمن كامب ديفيد الأولى 1979 سنجد أن هناك عشرات الاتفاقات الدفاعية السرية بين واشنطن وتل أبيب، والتي تلزم الأولى بالدفاع المطلق عن الثانية... هل أتاك حديث المخازن السرية الأميركية العملاقة الموجودة في الأراضي الإسرائيلية تحت عنوان ”مخازن يوم القيامة” والمليئة بأسلحة أميركية من التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر؟ هذه المخازن تحتاج إلى فاكس خاص يمر من الكونغرس إلى البيت الأبيض وصولاً إلى السفارة الأميركية في تل أبيب، حتى تستطيع إسرائيل فتحها في حالات الطوارئ والتزود بما فيها من أسلحة أميركية، ومع ذلك فليس سرًا أن إسرائيل فتحت تلك المستودعات العملاقة في حربها الأخيرة ضد غزة، من دون إذن أميركي وللأمر قصة أخرى. خلال الحفل الذي أقيم في السفارة الإسرائيلية في واشنطن لإحياء ذكرى ما يسمى ب”استقلال إسرائيل” تحدث نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن موجهًا خطابه للحضور من يهود أميركا وداعمي دولة إسرائيل: ”إذا تمت مهاجمتكم، فسنقاتل من أجلكم، نحن بحاجة لكم، والعالم بحاجة لكم”. حسنًا، فليقل بايدن ما يشاء، إذ ليس سرًا أن دعم دولة إسرائيل أمر راسخ في عمق الهوية الدينية الأميركية منذ أزمنة تأسيس الدولة الأميركية، غير أن الأمر ولا شك يكشف حالة الاضطراب والقلاقل التي تتسبب فيها واشنطن للشرق الأوسط، المستمرة والمستقرة منذ زمان وزمانين. حكمًا سيخلق التماي والتباين في السياسات الأميركية تجاه دول الشرق الأوسط، لا سيما بعد الصفقة الإيرانية، المزيد من عدم الاستقرار، فالإقليم غير قادر على جلب الهدوء لنفسه، والعهد أن الرئيس الأميركي، لم يكن يظهر إلى أي جانب يقف، لكن في حالة أوباما بنوع خاص، تبدو خياراته واضحة، ما يعزز القول بأن هناك فعلاً وقولاً حلفًا للمصالح المشتركة يمتد من واشنطن ويصل إلى طهران عبر تل أبيب... ويبقى السؤال الواجب البحث عن جواب شاف واف له، ترى ماذا على العرب أن يصنعوا في مواجهة الآيديولوجيا الأميركية الهدامة والعدمية هذه؟