”لست خائفا من الموت، الموت تجربة أريد أن أعيشها، دخلت مناطق خطيرة حتى أتجاوز حاجز الموت.” كلام قاله عمي الطاهر في آخر أيام حياته، ووثقه المخرج محمد زاوي. يرصد فيلم ” آخر الكلام” للمخرج الجزائري محمد زاوي العديد من جوانب حياة الروائي الجزائري الراحل الطاهر وطار، هذا الأخير أقام أثناء فترة علاجه في باريس ببيت المخرج وهو ما جعله ينقل آخر لحظات ” عمي الطاهر” قبل وفاته وترجمتها إلى فيلم وثائقي عرض أول أمس بقاعة سينماتيك وهران في إطار المنافسة الرسمية لفئة الأفلام الوثائقية بمهرجان وهران للفيلم العربي. عاد المخرج محمد زاوي إلى فترة علاج الروائي الطاهر وطار ورصد آخر أيام حياته عندما مكث ببيته أثناء تلقيه العلاج في العاصمة الفرنسية باريس، وأظهر زاوي شغف عمي الطاهر بالفنانة الجزائرية الراحلة بقار حدة من خلال التركيز على مشاهد عمي الطاهر يغني لهذه الفنانة بالإضافة إلى الفنان الكبير عيسى الجرموني، حيث كان المخرج يقطع في كل مرة شهادات من يعرفون عمي الطاهر بمقتطفات للروائي الطاهر وطار يغني لهاذين الفنانين ويتحدث عن عظمتهما وما يمثلانه كقامتين فنيتين في التراث الموسيقي الجزائري، وكما قال الشاعر عامر مرياش في شهادته أن أغاني بقار حدة وعيسى الجرموني الذين عرفهم عمي الطاهر يعيدونه إلى جو الشباب، ويضيف أنه في مراحله الأخيرة عاد إلى حنين الماضي. نقل المخرج في فيلمه العديد منم الشهادات لروائيين وشعراء عرفوا عمي الطاهر كما عاد إلى الجاحظية الجمعية التي أسسها الطاهر وطار وجعلها منبرا للكتاب والأدباء وعمل على تشجيع المبدعين الشباب حيث كان بوابتهم واحتضن الكل بدون تفريق. يتساءل عمي الطاهر ويقول ”يوم مشيت في جنازتي ومشى الناس ليتني أدري كيف كان موتهم وكيف سيكون موتي؟ الموت جلس عندي حائرا نفذ أمرا قبل أوانه” ، هذا ما قاله الطاهر وطار في آخر أيام حياته، ويعلق واسيني الأعرج في شهادته قائلا: ”في لحظة الموت، يريد أن يرى الإنسان كيف يراه الناس، وماذا يفرغون ما لديهم اتجاه الشخص من مواقف.”، وانتقد المخرج في الفيلم حديث الناس في الجنائز خاصة الأحاديث البالية. اشتغل المخرج محمد زاوي على رمزية بعض الأشياء التي كانت أعمدة أساسية في حياة عمي الطاهر، وعلى سبيل المثال تركيز كاميرته على عصاه التي كان يسميها أوباما وتوظيفها في العمل، عبر حملها من طرف ابنته ما أضفى لمسة جمالية تبرز تعلق البنت كذلك بعمي الطاهر. ألمّ المخرج محمد زاوي بجوانب كثيرة من حياة عمي الطاهر خاصة من خلال اعتماده على شهادات من عاصروه في مقدمتهم الشاعر عز الدين ميهوبي الذي قال ” عمي الطاهر انزعج كثيرا يوم أخطانا في تاريخ ميلاده، حيث أضفنا له عاما فوق عمره الحقيقي فانزعج كثيرا، ولم أفهم حينها لماذا هذا القلق، لكن اكتشفت أنه عندما حلت ذكرى ميلاده السبعين انزعج كثيرا.” وشارك في الفيلم كذلك الإعلامي هشام عبود حيث تطرق إلى قضية كتابته ” الشهداء يعودون هذا الأسبوع” قائلا :” هاشمي هجرس العقيد استدعى الطاهر وطار إلى مكتبه ووجه له لومة أخ مجاهد إلى أخيه ولامه على كتابة ”الشهداء يعودون هذا الأسبوع” فانزعج الطاهر وطار وقال له إذا أرادوا تكسير قلمه فهم يريدون أن اخرج من البلاد، فلما بلغ الخبر هواري بومدين طلب الرئيس قراءة النص فأعجب بها وطلب أن ينشر في الجزائر.” ما قاله الطاهر وطار كذلك في الفيلم :”الإنسان هو وجدان وهذا الوجدان ينمو من الطفولة إلى الموت كالشمع بالنسبة للشمعة وكالزيت بالنسبة للفتيل، فلا يمكن فصل الوجدان عن إبداعه.” مواقف عمي الطاهر في العديد من القضايا سردها في شهادته الروائي المصري جمال الغيطاني حيث قال :” الطاهر وطار كان صريحا جدا في آرائه، أحيانا كان الهدوء الذي يتحلى به يسبق نوبة انفعال يطلق عليها غضبة جزائرية.” لم يغفل المخرج التوجه الديني لعمي الطاهر حيث يسرد كذلك ما قاله بهذا الشأن، خصوصا عندما يقول الطاهر وطار ” كان والدي ينتظر مني أن أصبح شيخا جليلا أصلي التراويح بالناس، شققت طريقي وحدي كان عندي عالم آخر، لا أدخل إلى جامع الزيتونة ليعلمونني كيف أذبح، وهذا هو مشكل الإسلام والمسلمين هو استمرار تعريف المعرف.