وطار انتخب لويزة حنون رغم تكفل بوتفليقة بعلاجه في الخارج يكشف المخرج الجزائري المغترب، محمد زاوي عن تفاصيل الأيام الأخيرة التي عاشها الروائي الطاهر وطار في بيته، ويروي في الحوار الذي جمعه ب"البلاد"؛ معلومات تنشر لأول مرة عن صاحب "اللاز" وميولاته السياسية. كما يحدثنا عن إقالة وطار من منصبه كمراقب في حزب جبهة التحرير الوطني، إلى جانب سوء التفاهم الذي حصل بينه وبين الزعيم الراحل هواري بومدين بتدخل من الرائد هجرس. متى بدأت تصوير فيلمك عن الراحل الطاهر وطار، وعلى ما اعتمدت كأساس فيه؟ التصوير بدأته حينما كان الراحل الطاهر وطار ببيتي، في آخر الأيام التي قضاها وسط عائلتي وأكملت العمل بعد وفاته رحمة الله عليه، واشتغلت عليه في مراحل متقطعة، فمثلا إلى غاية الشهر الماضي صورت بعض الإضافات مع أبنتي في باريس وهي تقرأ مقاطع من رواية "الحوات والقصر" للكاتب الراحل. في البداية لم تكن هناك مناقشة أن نقوم بفيلم حوله ولكن الأمور جاءت بطريقة عفوية، فهو كان ممدودا على الفراش يغني في أغاني تراثية، وأثناءها اقترحت على عمي الطاهر التصوير فقبل وبدأنا نصور إلى أن طارت ذاكرته إلى طفولته. ماكان الذي يشغل وطار في آخر أيامه، وهل كان هناك مراحل معينة من حياته أرادها أن تصل من خلال العمل؟ الذي كان يشغله في أيامه الأخيرة هي تلك الأسئلة الفلسفية عن الحياة والموت لكنه في نفس الوقت كان يطرح أسئلة لمن يزوره في غرفته بالمستشفى فيقول له ماذا قرأت من رواية هذه الأيام.. كان يتابع جيدا الحياة الأدبية والسياسية أيضا في العالم وخاصة ما يجري في العالم العربي، لكنه أحيانا يكون لكنه أحيانا تراه يتابع فيلما أو مسلسلا تلفزيونيا مثل كل الناس وكانت "الجاحظية" تشغله كثيرا، حيث كان يهاتف يوميا سكرتيرته الخاصة لكي يتعرف على الأنشطة داخل الجمعية والبريد الوافد، ذلك أنه كان يراهن كثيرا على نجاح جمعيته، فهو الذي قال إنه لو لم تنجح "الجاحظية" في نشاطها سيضع حبلا على رقبته وينتحر وكانت الجزائر بالنسبة إليه هي قبل كل شيء. في شهادة عز الدين ميهوبي، قال إن وطار اتهمه باستغلال اسمه حينما كان مبرمج للقاء في قريته بعنابة؟ إلى أي مدى لا يؤمن وطار بالاهتمام الرسمي به؟ قبل ذلك، كالكثير من أبناء جيلي يمثل بالنسبة لنا الطاهر وطار حلما في البناء الوطني وفي بناء مجتمع وهذا الأمر لا يختلف عليه اثنان، أما عن الحادثة مع ميهوبي، فقد قال وطار بعدها لميهوبي الذي كان رئيس اتحاد الكتاب آنذاك إنه لم يكن يقصده شخصيا.. وطار رجل براغماتي كانت له علاقة حسنة بالدولة وبالمؤسسات لأنه كان أحد صانعي أو المشاركين في بناء الدولة الوطنية لا يجب أن تنسي أن وطار كان محاربا على طريقته في تحرير الجزائر وهو يحس نفسه أنه أحد المكونين لهذه الدولة لذلك أيد الراحل هواري بومدين، لكنه كان ينتقد ممارسات السلطة في رواياته وقد تسبب له ذلك في إقالته من منصب مراقب في حزب جبهة التحرير الوطني فهو وطار داخل وخارج الدولة هو مع الكيان أو النسق العام للدولة ومشروعها، حينما كان لها مشروع لكنه ينتقد بعض الممارسات. بالحديث عن علاقته بالزعيم الراحل هواري بومدين، ذكرت في الفيلم أنه كان هناك سوء تفاهم بينهما حبذا لو تحدثنا عن تفاصيل الحادثة؟ هناك متحدث في الفيلم يقول إنه حدث بينه وبين الرائد هجرس خلاف، حيث أن الرائد استدعاه إلى مكتبه لكي يستفسر معه عن روايته "الضابط والزنجية" وصل الخبر الرئيس الراحل هواري بومدين الذي قرأ الرواية وطلب من المؤسسة الوطنية للكتاب نشرها ولم يتعرض بذلك وطار إلى الرقابة رغم أننا كنا في فترة الحزب الواحد كانت كل رواياته تنشر وتلقى صدى كبيرا في العالم العربي خاصة. وترجمت إلى عدة لغات وكان وطار قال لهم "إذا أردتم أن أكتب خارج الوطن فأنا لا أستطيع أن أقوم بذلك ولذلك أتركوني أعبر وأنتقد"، وهذا الذي حدث، فقد كان وطار بالرغم أننا كنا في عهد الحزب الواحد؛ يكتب ويتجاوز الممنوع ويخترقه، ولذلك أصبح كاتبا عالميا، ففي بادئ الأمر كان بينه وبين بومدين سوء تفاهم ولكن حل مباشرة بعد قراءة الزعيم للكتاب. من خلال احتكاكك به؛ هل كان يعتبر الجزائر دولة ديمقراطية وهل كان له علاقة بالرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة؟ استفاد وطار من معونات الدولة لجمعيته عبر وزارة الثقافة وهذا لم ينكره الراحل، لكنه في نفس الوقت رجل لا يحب الظلم والتعسف ويتمسك بمبدأ الحريات العامة و"لا إكراه في الرأي وفي الدين".. هذه منطلقاته الفكرية التي تجعله متشبثا ببعض المبادئ التي لا يحيد عنها.. الذي أعرفه عن وطار أنه رجل له قناعات اشتراكية، أما عن علاقته مع بوتفليقة فهو لم يكن من المتضامنين معه حينما رشح إلى الرئاسة، وكان ينافسه حينها محمد صالح يحياوي رئيس الجهاز المركزي لحزب جبهة التحرير الوطني الذي كان مرشحا هو الآخر.. أعتقد أن وطار حينها كان يناصر المرشح الاشتراكي لأن بوتفليقة كان حينها ودائما يعتبر رجلا ليبراليا لكنني لا أعرف موقفه جيدا كي أجزم في الموضوع، فقد صوت وطار لصالح رئيسة "حزب العمال" لويزة حنون أثناء مرضه وكان يقول إنه اشتراكي ويساند "حزب العمال" وفي نفس الوقت يشكر الرئيس بوتفليقة على تكلفه بعلاجه في فرنسا لكنني أنا في فيلمي لم أهتم بالجانب أو الخلفية السياسية للراحل وطار بقدر ما كان اهتمامي بالأشياء التي تأسس عليها الراحل كالكتاتيب، والقرية والدوار والصفحة البيضاء والحصان والفقر والقرآن الخ.. ماهو دور المرأة في حياته خاصة أن زوجته كانت كظله في النجاح.. وكيف كانت آخر أيام وطار؟ عاد وطار إلى دواره وإلى تلك البيت الكبيرة، بيت جده، ولم يعد لها منذ استرجاع الاستقلال أعاد كل تلك الصور لنسيج العنكبوت الذي مازال باقيا وعاد إلى عصى جده العصا التي كان يسميها بأوباما لأن العصا كان على رأسها حيوان بين القط والكلب أسود.. وقد بدأ يحمل وطار العصا ربما حينما أعتلى أوباما الرئاسة،.. لأول مرة رجل أسود في الولاياتالمتحدة يرأس دولة كبيرة نافذة في العالم فكان وطار ربما يأمل في أن يغير أوباما هذا العالم خاصة بعد المستنقع العراقي والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وطار لا يحب الظلم، هذا ما عرفته عن الرجل لكنه شديد الغضب من الحين إلى الآخر. أما عن دور المرأة في حياته، فالذي أعرفه أن زوجته رتيبة كانت تطبع له رواياته وكانت تستقبل ضيوفه اللذين يزورونه من المدن الداخلية من الأدباء الشباب، فمن من الكتاب من لم يتعش وينام في بيت الطاهر وطار.. وكانت هذه السيدة الكريمة تعتني كثيرا بالضيف بحيث أن الطاهر وطار كان ينظم جلسات أدبية وفكرية وفنية أيام الحزب الواحد.. وأنا شخصيا كنت من بين هؤلاء الضيوف اللذين شاركوا. حسب احتكاكك به؛ ما كانت نظرة وطار للشيوعية التي كتب عنها في "اللاز" وكانت بمثابة الضربة الموجعة لأصحاب الفكر الشيوعي؟ هو لم يكتب عن الشيوعية كفكر سياسي وإيديولوجية، لكنه كتبها قصصا عن أبطال شيوعيين جزائريين في حرب التحرير وبعد استرجاع الاستقلال، فهو رصد شخصية "اللاز" الذي ذبح من قبل مناضلين في جبهة التحرير الوطني مع أن وطار كان من صفوف هذا الحزب هو بقى إلى آخر أيامه يحلم ببناء مجتمع فيه العدالة الاجتماعية فهم متمسك بالنظري لكن ينتقد تطبيقات ذلك في الواقع وهناك إشارة إلى ذلك في آخر الفيلم. طيب؛ ماذا كان يقصد وطار في الفيلم حينما قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة يتمنون أن تعم الشيوعية في العالم؟ كان يقصد أن تعم العدالة الاجتماعية وليس التناقض الذي من الممكن أن يفهم بهذه الجملة التي قد تلفت الانتباه في أول وهلة ولكنها في الحقيقة تخفي خلفها طموح وطار ورغبته في العدالة. هل قدمتم الفيلم للمشاركة في مهرجانات وطنية أو دولية؟ لقد أرسلت الفيلم إلى مهرجان وهران للفيلم العربي، حسب البيان الذي أصدره المهرجان ولأول مرة أريد أن يشارك الفيلم في هذه التظاهرة وقد رحب محافظ المهرجان في أن يرى الجمهور الجزائري هذا الفيلم لأن الأمر يتعلق بكاتب كبير ومؤسس للرواية باللغة العربية في الجزائر، لكنني مع ذلك سمعت أخبارا غير سارة، حيث أن هناك من يريد أن لا يعرض الفيلم في المنافسة لقد سمعت من يقول إن فيلمي الذي أنجزته عن الراحل الروائي الطاهر وطار لن يبرمج ولن يدرج في مسابقة الأفلام الوثائقية لمهرجان وهران للفيلم العربي بمبرر أن تاريخ إنتاج هذا الفيلم حال دون ذلك. والواضح أن تاريخ فيلمي يوجد على الجنيريك، وقد كتب عليه سنة الإصدار لهذا العام، وأنا لست في حاجة إلى أي تبرير لكن سأقول إن فيلمي هو جديد وأنهيت إعداده وإنتاجه تصويرا وتركيبا هذا العام.. ولقد أتصل بي إبراهيم صديقي محافظ مهرجان وهران وقال لي إنه طلب من اللجنة الفنية أن تعيد النظر في قرارها بشأن فيلمين أو ثلاثة من بينهم فلمي حول الراحل الطاهر وطار، وإنه سيعقد اجتماعا استثنائيا خاص بالموضوع لذلك فأنا أشكر صديقي للتعليمات التي أعطاها للمتعاونين معه.. وأنا في انتظار القرار النهائي بخصوص مشاركة فيلمي وإحياء ذكرى فقيدنا الروائي الكبير الراحل الطاهر وطار. وأريد أن أركز في هذا الشأن على نقطة وهو أنني لم أطلب سنتيما واحدا من وزارة الثقافة في الأفلام التي صنعتها إلى حد الآن.. وأصرف من جيبي على أفلامي بإمكانياتي المحدودة جدا.