نثمن "عاليا" دور الجيش الوطني الشعبي في تأمين حدود الوطن    بناء الإجماع الوطني وتوحيد المواقف" مطلبان حيويان"    ياسين وليد، ينهي مهام مسؤولين في قطاعه بقسنطينة    اطلعنا على تقنيات التحكم في تسربات الميثان ونسب حرق الغاز    شركة موبيليس تجري تجارب ناجحة على الجيل الخامس    اجتماع تنسيقي بين وزارتي التجارة الخارجية والتجارة الداخلية    الأورنوا: لم تدخل أية مساعدات إلى قطاع غزة    الاحتلال الصهيوني يعتقل أكثر من 4000 فلسطيني    العاصمة : توقيف 3 أشخاص وحجز قرابة 5000 قرص مؤثر عقلي    مقتل 7 أشخاص وجرح 178 آخرين    باتنة : وفاة شخص وإصابة آخرين بصدمة    مهرجان الشعر النسوي يعود في طبعته 14 بقسنطينة    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    الرابطة الأولى: وفاق سطيف يرتقي للصف الرابع, و نجم مقرة يتنفس الصعداء    الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية: تنظيم أيام إعلامية حول الشمول المالي لفائدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة    المكاسب التي حققها اتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب جاءت بفضل المسيرة العمالية الطويلة    وهران: يوم دراسي دولي حول التطورات وآفاق الإنعاش في طب الأطفال    استحضارٌ لمناقب رجل دولة    الحلول الرّامية للقفز على حقوق الصحراويين لن تنجح    الحصار الراهن على قطاع غزّة الأشد منذ بدء العدوان الصهيوني    بناء جزائر قوية تعتزّ بسياساتها في تكريس مجانية التعليم    بطولة افريقيا للجيدو فردي: الجزائر تشارك ب 17 مصارعا في موعد ابيدجان    أمراض فطرية تصيب المحاصيل الزراعية    نحو شراكة جزائرية بيلاروسية واعدة ومتنوعة    شراكة اقتصادية بين الجزائر ومصر بمبدأ رابح رابح    الجزائر- مصر: غريب يبحث مع وزير الخارجية والهجرة المصري سبل تعزيز الشراكة الصناعية بين البلدين    المجلس الأعلى للشباب يشارك بنيويورك في أشغال المنتدى الشبابي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة    هياكل جديدة تعزّز الخريطة الصحية بتيارت    تنسيق جزائري إيطالي لمواجهة الجريمة المنظمة    بناء مدرسة جزائرية عصرية وتشجيع التلاميذ على الابتكار    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    سد بن خدة تلقّى 200 ألف متر مكعب من الماء    انشغالات المواطنين أولوية المجالس المحلية    مولودية الجزائر تطعن في عقوبات "الكاف" وتردّ ببيان    وزارة الثقافة تدعو لتثمين الخبرات الجزائرية بالخارج    لقاء إبداعي بامتياز    الموسيقى الجزائرية قادرة على دخول سجل السيمفونيات العالمية    الشباب القسنطيني يدخل أجواء لقاء نهضة بركان    نملك خزانا بشريا نوعيا وفخورون بحصاد مصارعينا في الأردن    سوناطراك: حشيشي يزور مواقع تابعة لشركة إكسون موبيل بنيو مكسيكو    الأونروا: الحصار الراهن على قطاع غزة هو الأشد منذ بدء العدوان الصهيوني    حركة النهضة تؤكد على أهمية تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات    أوبرا الجزائر: افتتاح المهرجان الدولي ال14 للموسيقى السيمفونية    الجزائر العاصمة: لقاء حول آليات حماية التراث المعماري والحضري    تقييم أداء مصالح الاستعجالات الطبية: سايحي يعقد اجتماعا مع إطارات الإدارة المركزية    تصفيات كأس العالم للإناث (أقل من 17 سنة): لاعبات المنتخب الوطني يجرين أول حصة تدريبية بلاغوس    افتتاح الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    وزير المجاهدين يقف على مدى التكفل بالفلسطينيين المقيمين بمركز الراحة بحمام البيبان    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد وجهاً لوجه    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    تراث الجزائر.. من منظور بلجيكي    بن سبعيني يمنح برشلونة رقما استثنائيا    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن المرجعية العربية
نشر في الفجر يوم 15 - 06 - 2015

”خمسون مفكرًا مفتاحًا” قدمتهم مجلة ”سيانس هومن” الفرنسية لقرائها في عدد خاص صدر مؤخرًا، لتساعدهم على التعرّف ب”كبار كتّاب العلوم الإنسانية” الذين شكلوا ذهنية العصر الحديث. من آدم سميث منظّر ”الليبرالية” و”السوق الحرّة” في القرن الثامن عشر، مرورًا بكارل ماركس الناقد الأكبر للفلسفة، وباني نظرية ”التاريخ المادي” وإيميل دوركهايم أبي علم الاجتماع الحديث، وفرديناند دوسوسور الذي تمفصل على يديه ”علم الألسنية” وليف فيغوتسكي من أعاد التفكير بتطور اللغة عند الأطفال، وسيغموند فرويد مؤسس علم ”التحليل النفسي” ونعوم تشومسكي صاحب نظرية النحو العالمي، وصولاً إلى ميشال فوكو واضع التاريخ في خدمة الفلسفة وأنطوان داماسيو الذي كشف كيف أن العاطفة هي محرك العقل وقائدته. 200 سنة من الانقلابات الفكرية والكشوفات الإنسانية الغربية، تشرحها المجلة بتبسيط مذهل، ليفهم القارئ الفرنسي العادي، ما هي الخلفيات التي تحرك حياته؟ ومن هم أولئك الذين صاغوا بأقلامهم نظام عيشه الحالي؟
لسنا مقطوعين من شجرة. كتّابنا قاموا بجهود جبارة، من أحمد فارس الشدياق إلى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والطهطاوي، ومن بعدهم عباس محمود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وعبد الله العلايلي، كل كان له في نفض غبار التخلف وصفة ورأي. هؤلاء لم يكتبوا لأشباح ولم يكدّوا ليدفنوا في غبار الأقبية، وظلمات المخازن الرطبة. حتى طلاّب أقسام الأدب العربي في الجامعات، الذين قرروا التخصص في الميدان، لا يملكون فكرة جلية عن كتاب لا يعود تاريخ مؤلفاتهم لأكثر من مائة سنة، فما بالك بالجاحظ وأبي حيان التوحيدي. المعرفة المشتتة، المتناثرة، حين لا ترتبط بخيط ناظم، تبقى فتاتًا لا تغني من جوع، ولا تسد رمقًا.
على غرار ”سيانس هومن” كانت مجلة ”لو نوفل أوبسرفتور” قد أصدرت قبل فترة عددًا خاصًا عنوانه ”المكتبة المثالية” اقترحت فيه على قرائها 29 كتابًا، من حضارات وعصور تمتد من زمن السومريين واليونان إلى يومنا الحاضر، ليفهموا الإرث الإنساني، ويدركوا مدى تأثيره فيهم. نصحت المجلة المهتمين - وقد خصصت لكل كتاب مقالة مبسطة، غنية وذكية - بملحمة ”جلجامش”، و”أوديسه” هوميروس، و”كتاب الملوك” للفردوسي و”ألف ليلة وليلة” كما ”هاملت” شكسبير و”دون كيشوت” سرفنتس من عصر النهضة، و”فيدر” راسين، و”اعترافات” جان جاك روسو من عصر الأنوار، و”فاوست” لغوته كما ”كانديد” لفولتير. تنويعات ساهم في اختيارها خبراء، هدفهم مدّ العون، لمن يريد تشكيل معرفته بعصامية.
قد لا يأخذ القارئ حيلة المجلة على محمل الجد ويذهب ليؤسس مكتبته الذاتية، لكنه في كل الأحوال يكون قد قرأ مقالاً عن كل كتاب، يعتبر من أمهات المؤلفات التي عرفتها البشرية، ووسّع مداركه وسبح في أفق أرحب.
الأكشاك الغربية غنية بهذا النوع من المجلات التثقيفية، التي تأخذ على عاتقها إعادة القراء إلى جذورهم، وتمتين صلاتهم بأجدادهم ومفكريهم الذين رحلوا من أرسطو إلى إدغار موران، كما فتح نافذة على ثقافات مغايرة رفدت الإنسان الأوروبي، مع تعزيز معرفة المواطن بمستجداته وما ستكون عليه يومياته في مقبل الأيام. الصحافة ليست سوى إحدى الطرق الكثيرة، لإبقاء الإنسان ذا ذاكرة حية، ومتحفزة لقبول التغيير. من الدربة في رياض الأطفال وصولاً إلى الجامعة مرورًا بالإعلانات في الطرقات، والبرامج في الإذاعات والتلفزيونات، والأفلام كما المعارض والمهرجانات.
”التشبيك” في كل الاتجاهات، ”المعرفة” الموسوعية التعددية، و”التواصل” الخلاّق من شروط البقاء داخل العصر، دون أن تلفظك الانقلابات الجديدة.
ليس للصدفة مكان في هذا العالم، إلا عند أصحاب النفوس المكسورة. الفراغ المعرفي في النفس العربية، بات مزلزلاً. الإهمال الخطر للعلوم الإنسانية واعتبارها هامشًا للعاطلين عن العمل، يزن ثقيلاً. كليات الآداب صارت حكرًا على الفتيات اللواتي يطلبن مجرد وظيفة صغيرة لمساعدة الزوج في استكمال أعباء الحياة. أقسام الفلسفة يغلق واحدها تلو الآخر، التاريخ أصبح لمن فشل في الوصول إلى اختصاص غيره. ليس ثمة من يرى في الفكر جدوى أو قيمة تستحق أن يلتفت إليها.
العصبيات المستشرية حتى الاختناق هي البديل الأوحد لغيبوبة العقل والقدرة على التحليل والاستنباط. الطائفية التي تشرذم الملّة الواحدة وتقسمها على نفسها مرات، نتاج بديهي لفك عرى العلاقة المعرفية بالماضي، مع التمسك العاطفي الحماسي به، وكأنه مجرد ذكرى فضفاضة.
مجلة ”سيانس آي في” خصصت عددًا لحياة الآلة، بدءًا من العصر البرونزي إلى وقتنا الراهن، واستخلصت، في مقالات من 90 صفحة، أن التكنولوجيا بزغت منذ 4 آلاف سنة، في الصين وبلاد ما بين النهرين ومصر الفرعونية، ولولا تلك الابتكارات الصغيرة لما كان العالم قرية صغيرة اليوم.
يبحث الآخرون عن جذورهم بعقلانية، في مشارق الأرض ومغاربها، ونغمض أعيننا حتى عمن لا يزالون حولنا، أو غادرونا منذ سنوات قليلة. هل من لا يزال يذكر محمد عابد الجابري، أو من يرى جدوى في قراءة إدوارد سعيد أو من يريد أن يستعيد ما كتبه حسن حنفي؟
حين تظن أن الكتب التي سطرت على شرفك جثة هامدة، فمعناه أنك فقدت القدرة على استنشاق أكسجين الحياة، ولا بد أنك غادرتها دون أن تدري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.