أصدر خادم الحرمين الشريفين مجموعة من الأوامر الملكية، كان من ضمنها تعيين وزير جديد للإسكان، هو ماجد الحقيل. والوزير الجديد شاب في مقتبل العمر، قادم من قلب القطاع الخاص، وتحديدًا من قطاع التطوير العقاري، وله خبرة جيدة وناجحة فيه. ويأتي الوزير الجديد إلى ملف مهم وحيوي واستراتيجي وساخن في آن واحد. فالإسكان همّ وتحد غير بسيط، وأسلوب الوزارة السابق الذي كانت تدار به الأمور أثبت فشلاً ذريعًا، والسبب الرئيسي يعود إلى أن الوزارة أرادت أن ترتدي أكثر من ”قبعة” في آن واحد، فكانت المطور والمصمم والمسوق والمروج والمشرع والمراقب والمشرف، حتى انتهى بها الأمر إلى أنها لم تنجح في كل هذه الأدوار ولا في إنجاز ما هو مطلوب منها أساسًا، وهو هدف واحد وبسيط: إيجاد سكن منخفض التكلفة للمواطن السعودي. والتحدي يبدو بديهيًا في طرحه، فالسعودية بلد شاسع جدًا في مساحته، وتشغل المساحة المأهولة بالسكان منها نسبة 4 في المائة، وهناك 86 في المائة من سكانها يسكنون في منازل لا يملكونها، وهناك قدرة مالية مهمة لدى الدولة والمصارف، وبالتالي وجود مساحات هائلة من الأراضي، وقدرة مالية كبيرة، وعدد هائل من المستحقين، يجعل من التحدي مسألة منطقية وبديهية. إذن أين المعضلة؟ المعضلة أساسًا تكمن في محاولة ”فلسفة” و”تعقيد” الأمور، ومحاولة اختراع العجلة مجددًا. هناك كثير من الأمثلة الناجحة جدًا حول العالم التي تمكنت بفعالية هائلة من استحداث نماذج متعددة من الإسكان العاجل والمنخفض التكلفة، ولعل أهم هذه الأمثلة تأتي من البرازيل، التي تمكنت من بناء الملايين من الوحدات السكنية، التي قدمت بالمجان للمواطنين أو كانت ذات تكلفة مدعومة جدًا، وأصبحت بالتالي منخفضة السعر عند التملك، وكانت البيوت تتراوح بين وحدات مستقلة وشقق، وأدى ذلك إلى تحسن عام في نوعية وجودة الحياة للبرازيليين وبالتدريج، وخلال عشرين عامًا انخفض معدل الفقر من 50 في المائة، وصولا إلى 25 في المائة، ولعبت مسألة دعم الإسكان دورًا محوريًا في ذلك الأمر الإيجابي. وهناك أيضا التجربة السنغافورية التي حظيت بدعم حكومي ومشاركات من القطاع الخاص في بعض الأحيان، وأدت إلى إيجاد حلول مهمة وسريعة ومنخفضة التكاليف على الجزيرة الصغيرة، التي قامت أيضا باستحداث أنظمة وقوانين ”عملية”، من ضمنها استئجار شقق ”قديمة” بأسعار رخيصة جدًا، فحلت مشكلة لطالب السكنى وصاحب الشقة، وبالتدريج أصبح بإمكان السنغافوريين تملك البيت الذي يريدونه، إلى درجة أن 80 في المائة من البيوت هناك ملك للدولة نفسها. هذه مجرد أمثلة.. وغيرها هناك الكثير. الوزير الجديد يأتي من خلفية التطوير العقاري، وهو يعلم تمامًا حجم التحدي لوحدات الإسكان المطلوبة، ويعلم أن الطرق والوسائل القديمة لعلاجها ليست بالمجدية أبدًا، وثبت عدم نجاحها، وهو بحاجة لأن يمد يده مع قطاع المقاولات في السعودية وخارجها، لأن في تحريك هذه الفرصة ما من شأنه أن يبث الروح في كثير من القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، وجلب فرص استثمارية مهمة من الخارج، فيتم ضرب أكثر من عصفور بالحجر نفسه: إحداث طفرة اقتصادية، وحل لمشكلة عويصة وتحد عظيم. من الجميل والمطمئن الاستعانة المتزايدة بالكوادر الشابة، والكفاءات الناجحة والقادمة من القطاع الخاص. واليوم مجلس الوزراء السعودي يشهد مشاركة أكبر نسبة في تاريخه قادمة من القطاع الخاص، وهذا بحد ذاته شيء محفز وإيجابي، لأنه سيبث روحًا جديدة وتفكيرًا غير تقليدي. الوزير الجديد أمامه مهمة غير تقليدية، وعليه سرعة التحرك وإحداث انتصارات سريعة جدًا، لأن الملف تأخر كثيرًا، وأدوات الحل موجودة، كل المطلوب هو التنفيذ الجدي والعملي للحلول. وهنا بيت القصيد.