تستعيد الصحافة المصرية كل 23 يوليو (تموز) ما حدث لمصر بعدها أو معها. كلما ابتعدت الذكرى اتضحت الأشياء. ولكن الكتّاب لم يغيروا في مواقفهم: هناك من ينظر إلى المرحلة الناصرية على أنها يونيو (حزيران) 67، وهناك من ينظر إليها على أنها السويس والسد العالي. وهذا العام قام من كتب عن أفضال الملك فاروق في الثورة. لولاه لأُزهقت دماء كثيرة، وربما لو عاند، لما نجحت الثورة في أي حال. والبعض توقف عند الرئيس محمد نجيب، أول رؤساء يوليو، وربما بين الأكثر طيبة في سياسيي وعسكريي العرب، ومع ذلك، عُزل، وضُرب من حوله الأسر والفقر والازدراء. فقد كان يكتب طالبًا عشرة جنيهات ليصرف على طبابته. وزاد في حرارة النقاش حول الثورة هذا العام البيان الذي أصدره المهندس عبد الحكيم عبد الناصر، الذي اتهم أنور السادات بسرقة يوليو. ورد مؤيدو السادات بأنه كان أحد جنود الثورة المجهولين. ربما كانت هناك نسبة معينة من الحق والحقيقة لدى كل فريق. وربما كانت هناك كميّة لا توصف من الحزن لما أُلحق بالرئيس محمد نجيب، ”السوداني” الذي أصبح حاكمًا على وادي النيل. ويبدو أن مصر تريد أن تنسى ماذا فعل من أجلها محمد نجيب، وماذا فعلت به. ولها كل الحق في الرغبة بالنسيان، فإن الطريقة التي عومل بها لا تليق بضابط مصري أو رئيس مصري أو، خصوصًا، مواطن مصري من النوع الذي كانه محمد نجيب. وأقسى ما في الأمر أنه لم توجه إلى الرجل أي تهمة. حتى من النوع الجاهز في أكياس النايلون على رفوف الإذاعة. أو من النوع الذي رُشق به كل عربي من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر (أو العكس، لم أعد أذكر). فقد كان عبد الناصر والسادات ومبارك موضع خلاف وجدل واستقطابات ومحاكمات وسجون. لكن محمد نجيب وصل وادعًا باسمًا، وخرج وادعًا باسمًا. ولم يلقَ مَن يؤاسيه في إقامته الجبريّة سوى القطط. يتعاطى الصحافيون والكتّاب مع هذه القضايا التاريخية على أنها مسؤولية العسكر والسياسيين. لكن يجب البحث أيضًا عن مسؤولية الصحافة في كل ذلك، حتى في ظل نظام يُصدر إليها الأوامر في ما تكتب وما لا يحق لها أن تكتب. عندما أتذكر الطرق التي عاملت فيها بعض الصحافة بعض الناس، عندما أتذكر الهزء والتحقير وسهولة الاتهام، أتساءل: يا ترى ما هي حصة الصحافة من الظلم الذي عمّ؟ ليس في مصر وحدها، بل في جميع البلدان العربية. محمد نجيب كان ضحية صاعقة للظلم المجاني الذي شارك فيه الجميع، لكنه لم يكن وحيدًا. لا نعرف عدد ضحايا الأهواء وأوامر السلطة وحماس الأقلام السهلة لرمي الأوادم والعقلاء وأبناء الحلال بكل أنواع الافتراء والاعتداء. لكننا أيضًا لا نزال نبحث عن صحافة هادئة لا تتسابق في نشر الخفّة واللاَّمسؤولية ولغة الاغتيال النفسي والمعنوي والسياسي. ”اللي استحوا ماتوا”. في النسيان والإقامة الجبرية. سمير عطا الله – عن الشرق الأوسط