ما صاحب مباراة في كرة القدم جرت وقائعها في إحدى أكبر العواصم العربية وجمعت فريقين عربين من أجل التنافس لنيل بطاقة التأهل إلى نهائي كأسي إفريقيا للأمم والعالم لسنة 2010 فتحت المجال لطرح أسئلة كثيرة، وحركت أقلاما في كل الاتجاهات، لكنها جعلت الكاتب الدكتور محيي الدين عميمور يبحث ويغوص في المعلومات التي تراكمت في ذهنه والأحداث التي كان قريبا منها ليصل إلى أن ما حدث في القاهرة وما ترتبت عنها من مخلفات ''كان متناقضا تماما مع الصورة الخارجية للعلاقات التي تربط البلدين الجزائر ومصر. عميمور قال في مقدمة مؤلفه الذي عنونه ''بأربعة أيام صححت تاريخ العرب'' وهو عنوان كبير زاوج فيه الكاتب بذكاء بين الزمن والحدث الشامل الذي هو تاريخ أمة والصادر عن دار هومة، الكتاب جاء ليشرح رؤية الكاتب وموقفه من الأحداث التي جرت قبل وأثناء وبعد إجراء مباراة كروية ووأن ما كتبه هو رسالة وفاء منه للشعب المصري تحمل محبة ووئاما وتشرح له ما غيب عنه نتيجة تضليل أدى إلى وضعية انزلاق، وهو أيضا رسالة تقدير للشعب الجزائري الذي جرح في أعز ما يملك تاريخه وشهداؤه، وأخرى للشعب المصري الذي خدعته وسائل الإعلام التي أشعلت النار، مؤكدا في ختام المقدمة التي كتبها بنفسه انه على استعداد لتصحيح كل خطأ والتراجع عن أي تجاوز والاعتذار عن أي تعبير يساء فهمه. الكتاب الذي ورد في 455 صفحة من الحجم الكبير احتوى صورا نادرة لشخصيات عربية ودولية التقاها وعرفها واحتك بها الدكتور محيي الدين عميمور. "قبيل داحس والغبراء'' في هذا الجزء الذي أراده الكاتب تمهيدا للأجزاء الأخرى، رصد فيه ما كتبه العقلاء من مثقفين وكتاب وصحفيين مصريين أمثال ''فوزي الصياد'' و''أيمن الجندي'' و''فوزي الرملاوي'' و''فاروق مادوني'' والشاعرة ''أميرة فكري '' و''أمينة بال'' والصحفي ''حسن الشاذلي'' والكاتبة ''عزة مختار'' في الفترة التي سبقت المباراة، وهي نفس الفترة التي صادفت وجود الكاتب في القاهرة تلبية لدعوة مؤسسة البابطين، وأيضا حضر فيها الاحتفالات التي أقامتها السفارة الجزائريةبالقاهرة بمناسبة ذكرى الفاتح من نوفمبر المجيدة والتي جمعته بشخصيات ثقافية وفنية ومناضلين مصريين مثل ''أحمد حمروش'' و''عبد المجيد فريد'' و''محمد أبو الفتوح'' إلى جانب صاحب برنامج الطبعة الأولى الإعلامي الأستاذ ''أحمد المسلماني'' والذين أكدوا رفضهم لكل تشنج من شأنه تحويل مباراة كروية إلى حرب داحس والغبراء التي أتت على الأخضر واليابس في زمن الجاهلية. على امتداد سبع صفحات، شرح فيها الكاتب الخلفيات التي كانت تقف وراء كل حملات التشويه والسب والافتراءات على الجزائر وشعبها وخلص إلى أن ما حدث لم يكن صدفة ولم يكن بريئا، بل أن أيادي خفية حركت الأمور وعملت على إشعال فتيل الفتنة الذي استمرت شرارته إلى ما بعد مباراة أم درمان بالسودان، واعترف الكاتب أن اتهامات المصريين الجزائر بإرسال قوات عسكرية للسودان جاء ليخفي حقيقة أن مصر هي من أرسلت قوات أمنية رغم وجود جالية مصرية كبيرة في السودان، مضيفا أن ما عرضه الإعلام المصري طيلة الأيام التي تلت هزيمة فريقه كان ضمن مخطط وضع لامتصاص غضب الشارع المصري بعد أن تأكد أن المونديال لم يعد في الجيب. عميمور في هذا الجزء طالب السلطات بإعلان فورا إنهاء مهام السفير الجزائريبالقاهرة، ووضع العلاقات الدبلوماسية في ثلاجة مؤقتة، ودراسة كل ما حدث ومعاقبة كل المجرمين أيا كانوا قبل الحديث عن عودة المياه إلى مجاريها، خاصة إذا كانت المؤامرة التي حيكت ضد الجزائر بهدف تشويه صورة الموقف السياسي الجزائري. الكاتب دخل عمق الأحداث بعد أن انتهى من التمهيد الذي شمل فيه كل ما تعلق من مواقف وكتابات تناولت قضية المباراة، فتحت عنوان ''أربعة أيام صححت تاريخ العرب'' لم ينجح الدكتور في كتم غضبه من الإساءة التي تفنن في توجيهها الصغار من أبناء أم الدنيا إلى جزائر العزة والكرامة، حيث رد على كل افتراء بالدليل والحجة وكشف إلى أية درجة يمكن لأهل الربط والحل بأرض الكنانة التلاعب بعقول المواطنين عن طريق توجيه الرأي العام إلى ما يريدونه وإلى ما يصب في مصالحهم الضيقة على حساب المصلحة العليا للوطن وللشعب، وكان لزاما على الكاتب المتمسك بموضوعيته أن يعود إلى الماضي راصدا أهم ما ميزه في مصر التي وإن عرفت بروز نخبة وروادا في الفكر مثل عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني وطه حسين ومحمد حسين هيكل وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم إلا أنه يستحيل مسح دور الرواد من غير المصريين فالصحافة المصرية أسسها لبنانيون مثل ''يعقوب صنوع'' و''جورج تقلا'' و''أنطوان الجميل'' وأيضا المسرح الذي ولد على يد ''جورج أبيض'' وكذا الموسيقى والسينما والغناء أين برزت أسماء كبيرة في سمائها أصلها من سوريا وتونسوالجزائر. ويعترف الكاتب في هذا الجزء أن مصر احتضنت في منتصف القرن العشرين العديد من المجاهدين مثل عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي من المغرب والحبيب بورقيبة من تونس والفضيل الورڤيلاني والشاذلي المكي ومجاهدين آخرين من الجزائر ومن فلسطين، وبعد سقوط النظام الملكي وقيام الحكم الجمهوري برئاسة اللواء محمد نجيب ثم الرئيس جمال عبد الناصر، عرفت الثورة المصرية محاولات أمريكية لاستيعاب السلطة وتطويعها، كما شهد المشرق العربي فرزا نتيجة الشرخ الناتج عن الصراع بين قيادة الثورة وجماعة الإخوان المسلمين أثرت سلبا على قيادات العمل الوطني الجزائري في القاهرة، وعرج على العدوان الثلاثي على مصر مؤكدا بما لا يترك مجالا للشك أن الثورة التحريرية انطلقت من جبال الاوراس وكل مناطق الوطن وليس من صوت العرب بالقاهرة، وأن دعم مصر للثورة الجزائرية شابه الكثير من المبالغات الإعلامية، وذكر في سياق متصل أسباب الوحدة التي أقيمت خلال هذه الفترة بين مصر وسوريا وما أفشلها وصولا إلى فجر الاستقلال والتحديات التي واجهت حكومة الرئيس أحمد بن بلة والعون الذي تلقته من البلدان العربية ومنها مصر التي لم يسلم ممثلوها الرسميون من ارتكاب الأخطاء، وتوقف الكاتب عند الزيارة التي قام بها الرئيس جمال عبد الناصر للجزائر في ربيع 63 التي حضي فيها باستقبال باهر، لكن الزيارة رافقتها أحداث مؤلمة كاغتيال وزير الخارجية آنذاك محمد خميستي من طرف مختل عقليا، وغرق إحدى البواخر التي أهدتها مصر للجزائر، وقد عدد بعض الأخطاء التي ارتكبها بن بلة الذي حاول استلهام الأسلوب اليوغوسلافي لتسيير الفلاحة إلى جانب تكالب بعض الأطراف على اللغة العربية. حقائق تنفض الغبار وتطفو على السطح مصر عبد الناصر كانت أول من لبى نداء الرئيس الجزائري أحمد بن بلة بعد عملية الغزو التي نفذتها القوات المسلحة المغربية في خريف 63 للأراضي الجزائرية على خلفية أن الجزائر حينها لم تعر اهتماما للمطلب المغربي القاضي باسترجاع أراضي يدعيها له، وهو ما كان بمثابة غدر موجع، غير أن موقف مصر أدخلها في مرحلة من التوتر مع المغرب، لكن هناك من كان يتربص بهذا التضامن وأراد القضاء عليه عن طريق عملية تفجير الباخرة المصرية التي كانت تسمى ''نجمة الإسكندرية'' في 23 يوليو بميناء عنابة والتي أسفرت عن وقوع ضحايا، وهي عملية تخريبية كانت ترمي إلى تفجير الموقف بين الجزائر ومصر. بروز رجل على المشهد السياسي الجزائري بعد عملية التصحيح الثوري أسقط حليفا استراتيجيا لمصر عبد الناصر، فوصول قيادة جديدة لا يعرف عنها الكثير كان بمثابة صفعة أصابتها في الصميم، ساهمت فيما بعد في التضحية بالمؤتمر الإفريقي الآسيوي الذي كان منتظرا انعقاده بالجزائر، يقول الدكتور إن العلاقات الجزائرية المصرية مرت بفتور لم تنتعش إلا بعد هزيمة يونيو 67 أين وقفت الجزائر وقفة رجولية مع الرئيس المصري وصلت إلى اتخاذ قرار بقطع الجزائر لعلاقاتها مع واشنطن في نفس اللحظة التي تقوم فيها القاهرة بقطع علاقتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا ما زاد من تأكد عبد الناصر بأن بومدين كان زعيما، وتناول الكاتب انطلاقة ثورة الفاتح التي أزاحت الملك إدريس السنوسي وحملت قيادة جديدة يتزعمها ضابط شاب هو معمر القذافي نالت مباركة الرئيس المصري، ويذكر أن العلاقات المصرية الجزائرية أصيبت مرة أخرى بتشنج في السبعينيات إثر موافقة عبد الناصر على مبادرة روجرز دون أن يستشير أحدا، غير أن وفاة عبد الناصر كان كالزلزال الذي اضطرب له الوطن العربي جميعه، وكانت الجزائر سباقة في الوقوف بجانب القيادة المصرية الجديدة التي أوصلت أنور السادات إلى الحكم، وهو الرئيس الذي حاول أن يفرض معطيات جديدة تناقض معطيات ثورة يوليو، وفي هذه الأثناء -حسب ما يشير الكاتب- فإن مصر السادات كانت تبادر بخطوات باتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكانت الجزائر تحقق الإنجازات على أرض الواقع. في أكتوبر 73 اندلعت الحرب بين مصر وإسرائيل، حرب دفعت بالرئيس هواري بومدين إلى خلق تضامن واسع مع مصر وسوريا خلال مؤتمر عدم الانحياز الذي احتضنته الجزائر في سبتمبر من نفس السنة، لكن مجرى المعارك التي كانت ساخنة أوضحت أن ''السادات لم يكن مؤهلا بالمقياس العسكري لاتخاذ قرارات في مستوى تداعيات حرب أكتوبر ونتائجها'' وتعرض الكاتب بكثير من التفاصيل حتى الدقيقة منها إلى الأجواء التي صاحبت حرب أكتوبر وما تلاها، وأيضا الدور الذي لعبه الدبلوماسي الأمريكي اليهودي كيسنجر الذي أوصل مصر فيما بعد الى معاهدة السلام مع إسرائيل والتي أدخلتها في عزلة، كما تحدث صاحب الكتاب عن موقف مصر من قيام الثورة الإيرانية، فيما رحبت الجزائر بها إلى جانب الأحداث السياسية الأخرى كالحرب العراقية الإيرانية واغتيال السادات ومجيء حسني مبارك للحكم وأيضا غزو العراق للكويت ودخول المنطقة في متاهات انتهت بغزو العراق من طرف القوات الأمريكية وسقوط الرئيس صدام حسين. وانتهى الكاتب إلى أن قبل الأربعة أيام من نوفمبر 2009 لم يكن أحدا يشك في أن مصر هي الشقيقة الكبرى لها الحق في الريادة والقيادة.