بات مؤكدا أن مبادرة حزب جبهة القوى الاشتراكية، الخاصة بالإجماع الوطني، ذهبت أدراج الرياح، خاصة مع اعتزام السلطة الإعلان عن مشروع الدستور الجديد، الذي ينوي تمريره برلمانيا في أقرب الآجال، حيث فرغ حزب جبهة القوى الاشتراكية من جميع اللقاءات التي برمجها مع الطبقة السياسية وهيئات المجتمع المدني دون الوصول إلى نتائج ملموسة. مع الدخول الاجتماعي الجديد، أعلن الوزير الأول في أكثر من مناسبة أن مبادرة تعديل الدستور باتت جاهزة، ولا تنتظر من رئيس الجمهورية سوى قرار إنزاله لغرفتي البرلمان للتصويت عليه في الوقت المناسب. وعلى الرغم من المساعي الكثيرة والمتكررة التي أطلقها حزب جبهة القوى الاشتراكية لإقناع الطبقة السياسية بمشروع إجماعه الوطني، كخريطة طريق للخروج من الأزمة السياسية التي تواجهها الجزائر، غير أن مبادرة الأفافاس لم تلق قبولا وصمت الآذان عن سماعها. وجاء الرفض مشتركا من أحزاب السلطة، ممثلة في الأرندي، الأفالان، الجبهة الشعبية وتاج وغيرها، حيث فرضوا شروطهم المقيدة للمشاركة في ندوة الإجماع. وكان الأفالان أكثر الرافضين لها، حيث اشترط صراحة على الأفافاس أن يترأس هو بصفته حزب الأغلبية الندوة الخاصة بالإجماع وعدم تقبل أية وصاية، فضلا عن اشتراطه أيضا عدم المساس أو التطرق بالنقاش للمؤسسات الجمهورية في النقاش لأنه مساس بشرعية الدولة. أما عمارة بن يونس فوضع شرطا أساسيا وطاعنا لقواعد ندوة الإجماع، وهو رفضه إطلاقا استقبال أي إسلامي من عناصر الحزب المحل للمشاركة في الندوة بمن فيهم من مسهم ميثاق السلم والمصالحة الوطني، وهو ما رفضه الأفافاس كونه جلس إلى جنب عناصر الفيس المحل وأشركهم كطرف في تصورهم لحل الأزمة، وهو سلوك سياسي درج عليه الحزب حتى أيام العشرية السوداء. وجاءت الأحزاب المعارضة أيضا ضد مبادرة الأفافاس، ممثلة في تنسيقية الانتقال الديمقراطي والحريات، التي وقفت كطرف ضد المبادرة ورفضتها جملة وتفصيلا، واتهمت الحزب بعرقلة مشروع التنسيقية الذي يحمل فكرة التغيير الحقيقي، وقاطعت مبادراته وجلساته إلا البعض منها فقط. كما تندرج مبادرة السلطة الخاصة بتعديل الدستور أيضا في سياق رفضها لمبادرة الإجماع الوطني للأفافاس، كون هذه الأخيرة تنص على إنشاء دستور توافقي يتوج جلسات النقاش والتشاور للطبقة السياسية وهيئات المجتمع المدني، وهي عوامل ستساهم في جعل الأفافاس ينعزل أكثر بعد الفشل الذي منيت به مبادرته، والدليل أنه قاطع الدورة الخريفية وربما ينتقل إلى مقاطعة نقاش الدستور الذي ستنزله السلطة لاسترجاع شرعيته التي فقدها باقترابه أكثر من دوائر السلطة عكس ما كان عليه في السابق.