سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"المزارع البيداغوجية" المشروع الوطني الأكثر تطورا لذوي الاحتياجات الخاصة بالجزائر في بني ورتلان التجربة الأوروبية التي جسدتها جمعية "ابتسامة" على المعاقين ذهنيا
لم تكن الإرادة يوما حائلا دون تجسيد مشروع مهما كانت صعوبته، وفي قلب منطقة ريفية غير ساحلية على رقعة جغرافية كانت منذ بضع سنوات مكانا لرعي الأغنام، المحاذية للجبل الأسطورة ”آزرو إيفلان”، تجسد فيها اليوم أكبر مشروع جمعوي على المستوى الوطني، يكفل ذوي الاحتياجات الخاصة من ناحية الإعاقة الذهنية على جميع الأصعدة. جمعية بها مركز نفسي بيداغوجي أرادها رئيسها موهوب بوسكسو، أن تكون عنوانا للعطاء من قبل ذوي الإعاقة الذين عبد لهم الطريق ذهنيا بنعمة البصيرة، فما هو المشروع؟ وما طبيعة سيرورته؟ حطت ”الفجر” رحالها بجمعية ”ابتسامة” بالشمال الغربي لولاية سطيف، وتواجدنا بها كان مميزا وبعيدا عن النمطية التي عودتنا عليها كثير من الجمعيات فهي لم تسرد لنا مشاكل المعاق، بل أخذت بيده إلى عالم التكوين والشغل، فوجدناه ذلك الفاعل النشيط في مجتمعه تحت تأطير نفسي بيداغوجي راق، يتبعه مركز المساعدة عن طريق العمل، والمتمثل في ”المزرعة البيداغوجية” التي تعتبر أكبر مشروع جمعوي على المستوى الوطني. تعتبر ”المزرعة البيداغوجية” إحدى التجارب الأوربية الناجحة الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث صرح رئيس جمعية ”ابتسامة”، موهوب بوسكسو، في حوار جمعه مع ”الفجر” في إطار جولتنا داخل المزرعة، ”أن المشروع لم يؤسس لوجود فكرة فقط، وإنما جاء بناء على التشاور مع جملة من الأخصائيين من مجالات مختلفة، وكذا إرسال أخصائيين من المنطقة للتكوين في معاهد وطنية وأوربية لتعزيز كفاءاتهم في هذا المجال، مع تنظيم أيام علمية، إعلامية وتحسيسية حتى يتم التمكن من إحصاء وتصنيف ذوي الاحتياجات الخاصة حسب السن، الجنس، نوع ودرجة الإعاقة وخطورتها. ليتم بعدها التنسيق مع الهيئات الحكومية وغير الحكومية، ناهيك عن الأخصائيين وأولياء المعوقين”. كما أكد ذات المتحدث أن الدعم المالي متوفر من قبل الدولة، صناديق الضمان الاجتماعي، القطاع الخاص، المجالس المنتخبة، البلدية ودائرة بني ورتيلان، ولاية سطيف وكذا الراعي الرسمي. أما المجتمع المدني فيعتبر ممولا معنويا ل”ابتسامة”، حسب موهوب بوسكسو. جولتنا الاستطلاعية التي انطلقت بالمركز النفسي البيداغوجي التابع للجمعية، مكنتنا أن نستشف جزءا من يوميات طبيعة التكوين فيه والتأطير البيداغوجي، حيث تقدر مساحته ب 5000 متر مربع، والملاحظ أن كل ما فيه يحترم ثقافة منطقة القبائل بدءا بهندسته المعمارية. كما أن دخولنا لم يكن إلا بعد المرور ب”ثاجماعث” أهم مجلس تشاوري وتنفيذي كان بالمنطقة، أرادته ”ابتسامة” أن يكون فضاء للترحيب بزوارها من أولياء التلاميذ المعاقين والأخصائيين وكذا الإعلاميين، والتي جمعنا فيها نقاش بين موهوب بوسكسو رئيس الجمعية وعمر علالي مدير المركز النفسي - البيداغوجي ورفقاء آخرين، لنقوم بعدها بالجولة التفقدية للأقسام العشرة في الفترة الصباحية والتي تصبح ورشات بعد الظهيرة. يتابع 80 معاقا ذهنيا تكوينهم بالمركز في جو انضباطي، علما أن لديه طاقة استيعاب 120 طفل، لنتأكد عن طريق الملاحظة والتحاور مع عدد من المربين داخل الأقسام أن سير العمل يشمل الجانب التربوي، الجانب النفسي والأرتوفوني، الجانب الطبي، الجانب الرياضي، جانب النقل، جانب الإطعام، جانب الإيواء، هذا الأخير يستفيد منه 17 معاقا بالنظر لمقر إقاماتهم، كما يستفيد تلامذة المركز من الأنشطة الترفيهية. سؤال يولد مشروعا: ما مصير المعاق ذهنيا بعد سن 18 سنة؟ يؤكد موهوب بوسكسو أن الهدف الأساسي للجمعية هو إبراز نشاط المعاق وإبداعه الكامن فيه. وعلى هذا الأساس فإن الجمعية رغم توفيرها فرصة التأهيل النفسي والبيداغوجي للمعاقين ذهنيا بالمنطقة، إلا أن المعاق مضطر للخروج من المركز بعد بلوغه 18 سنة حين يتجاوز الناحية البيداغوجية. وهي الإشكالية التي طرح بسببها موهوب بوسكسو سؤالا وجيها حول ”أين يذهب المعاق ذهنيا بعد خروجه من المركز؟”. المزرعة البيداغوجية.. مشروع عملاق مستقبلا، والأرانب أول نوع حيواني ناجح بها تنقلت ”الفجر” رفقة فريق عمل المركز إلى ”تالمات” التي يتواجد بها مركز المساعدة عن طريق العمل، الذي تجسد فيه العمل المكيف والمزرعة البيداغوجية، على أرضية مساحتها 2500 متر مربع، ونكون شهود عيان على أول تجربة لها. ليؤكد موهوب بوسكسو أن الجمعية قامت بدراسة حول المشروع قبلا، بجلب أخصائيين بهدف نشر الوعي لهذا النوع من الادماج المهني، لتكون ثاني خطوة تحضير الأرضية اللازمة بإجراء ندوة عنوانها ”التبرع بثقة”، وهذا ما يسمى ب”تكوين المحيط”. في ذات السياق يؤكد رئيس جمعية ”ابتسامة” أن تمويل المشروع كان من جانب وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، وكذا وكالة التنمية الاجتماعية. ليتم الانتقال إلى مرحلة التكوين المستمر للمؤطرين داخل وخارج الوطن. هذا الأخير جاء في إطار ابرام اتفاقية الشراكة مع ”مزرعة الدراج” في نانسي بفرنسا، علما أن المزرعة البيداغوجية سيتم نقل مقرها مستقبلا إلى ناحية ”ثانوربا”، حيث ستكون أكثر تطورا وتنوعا من الناحية التكوينية، ليبقى المقر الحالي بمثابة ”مخبر التجارب”. وقد صرحت شريفة موفق، مديرة المزرعة البيداغوجية للأشخاص المتخلفين ذهنيا ببني ورتيلان، أن هذه الأخيرة استمرارية لتكوين وتمهين المعاقين في ذات الوقت، وتستقبل المزرعة الأشخاص فوق 18 سنة، بعد تشبعهم من الناحية البيداغوجية التربوية. وعلى هذا الأساس فإن الأخصائيين يقومون بإعداد المكان للإدماج المهني والاجتماعي لهذه الفئة، وفيه يقوم المتربصون بداية بإنجاز أعمال بسيطة كإحضار الماء من المنبع، أي توجيههم نحو تقنيات بسيطة في مجال تربية الحيوانات والاعتناء بها مع استدراك أخطائهم. تمكن المتربصون الحاليون للمزرعة والمقدر عددهم بثمانية تحت إشراف أخصائيين، من تربية الأرانب باعتبارها النوع الحيواني الأول والوحيد بالمزرعة حاليا. ومن خلال زيارتنا لاحظنا شروط الرعاية السليمة المتوفرة على الأرانب التي تطور حجمها بتربية المعاقين ذهنيا، لتتولد مشاريع أخرى انطلاقا من تربية الحيوانات حسب رئيس الجمعية الذي قال:”حققنا الهدف الذي كنا نصبو اليه، وهو تجسيد المزرعة البيداغوجية حسب المعايير المتفق عليها عالميا، لنفكر حاليا في كيفية استغلال الثروة الحيوانية للاستهلاك، والشراكة الفرنسية منحتنا أفكارا راقية، كفتح مطعم خاص جميع عماله المصابين بالتريزومي، فهذه الفئة لها موهبة متقدمة في مهنة الطبخ. لننتقل بعدها للجانب التجاري، وكله مشروع لا يريد أن يكف، باعتبارنا نريده نموذجيا من جميع النواحي”، يضيف موهوب بوسكسو. الأغنام والدجاج وحيوانات أخرى في المزرعة البيداغوجية جاء في المخطط المستقبلي الذي تملك ”الفجر” نسخة منه، والذي هيئت له الأرضية بناحية ”ثانوربا” عن مشروع مفعم بالتنوع الحيواني الذي سيقوم برعايته عمال المزرعة البيداغوجية. وعند تنقلنا رفقة مدير المركز إلى عين المكان الواقع في مكان جد مرتفع من الجبل، فإنه يتمتع بالهدوء والجمال الطبيعي، كما أن أشغال المشروع قد انطلقت. في حين أن دعم وزارة الفلاحة يكون حسب الطلب الذي تتلقاه من قبل إدارة الجمعية، ويحظى بالتكوين مسؤولو المركز لتنمية قدرتهم على تسيير المشروع، أما التكوين المهني فيكون لصالح أخصائي بالمركز. ليؤكد موهوب بوسكسو أن بعضا من المعاقين الذين أثبتوا كفاءتهم سيتم إرسالهم إلى الخارج لتلقي التجربة رفقة المعاقين هناك. شمل تطوير المزرعة البيداغوجية إنشاء مقر جديد يكون أكثر شساعة وأفخم تجهيزا، مع جلب أنواع حيوانية أخرى والمقررة حاليا في الدجاج والأغنام أما الماعز فيتم اعتماد حليبها في صناعة مشتقات الحليب، خصوصا الجبن. وهكذا سيتمتع كل شخص معاق ذهنيا بمردودية عمل في المجال الفلاحي تماشيا مع طبيعة المنطقة، بعد أن حقق ذاته في ظل ”ابتسامة”.