ليس التمر فقط وظلال الواحات وحدهما ما يميزان شجرة النخيل، التي تعد بالنسبة للكثير من الحرفيين مصدر دخل عائلي متوارث عبر أجيال. فرغم انتشار هذه الأشجار في جنوبنا الواسع إلا أن استعمال سعفه منتشر في أغلب الولايات الوسطى والشمالية أيضا، أين تستعمل أوراقه لصناعة السلال وبعض الأثاث، والكثير من التحف الفنية المختلفة. هي حرفة تقليدية ضاربة في عمق التاريخ، اشتهرت بها الولايات الجنوبية التي تعرف انتشارا لشجرة النخيل. هذه الأخيرة التي باتت تشكل مادة أولية لصناعات تحف فنية مختلفة هي بالنسبة للكثير من العائلات مصدر دخل وباب رزق متوارث عبر الأجيال، فبواسطة هذه الأوراق المجففة تحت أشعة الشمس وبعض الأدوات البسيطة والحجارة الصغيرة يقوم ممارسو هذه الحرفة بترويض السعف القاسية وتحويلها إلى سلال ومقاعد، صناديق، والكثير من الأدوات المنزلية والتحف المستعملة في الزينة.. فمن يقوم بجولة ميدانية إلى عدد من الأسواق في العاصمة أو في أي ولاية، لاسيما منها الجنوبية، يلاحظ القدر الهائل لهذه الأدوات التي يجهل الكثيرون أنها نتاج شجرة النخيل. حرفة متوارثة عبر الأجيال لاتزال القفة والصندوق وكل الأدوات المصنوعة من سعف النخيل صامدة في وجه الزمن، رغم كل ما تعرفه بعض الحرف من تقدم وأخرى من زوال واندثار، فأصحاب هذه المهنة يرفضون الاستغناء عنها أو إدخال أي تعديلات ولو كانت بسيطة عليها. فبإتقان بعض طرق التظفير وباستعمال الأيدي المجردة وبعض الإبر والحجارة الحادة، يمارسون هذه الحرف التقليدية التي تورثوها عن أجدادهم. ولأن انتشار هذه النوع من الأشجار غالب على الجنوب الجزائري، فإن أغلب الممارسين لهذه المهنة هم من أهل الصحراء. ولأجل الاطلاع على أهل هذه الحرفة عن قرب كانت لنا جولة في بعض الأسواق الشعبية التي تعرض هذه السلع والمنتجات. والذي لاحظناه أن بائعوها هم نفسهم صانعوها وفي بعض الأحيان زوجاتهم. وفي السياق ذاته يقول محمد، 45 سنة، أحد البائعين الذين التقينا بهم بسوق ساحة الشهداء الشعبي أن أعمامه وأبناءهم هم الذين يصنعون هذه المنتجات الحرفية، مشيرا إلى أن أجداده كانوا سباقين إلى ذلك ومن ثم قاموا بتعليم الأحفاد والأولاد أبجديات هذه الحرفة. وعن الأثمان التي يسوقون بها منتجاتهم، يقول محمد أنها جد بسيطة ولا تتعدى سعرا رمزيا لا يكلف سوى جهد الحرفي، مرجعا السبب إلى توفر المادة الأولية ومجانا. ومن جهته يقول عبد المؤمن، 35 سنة، بائع وحرفي التقينا به بسوق أخرى بالعاصمة أنه رغم صغر سنه يجيد ترويض مختلف أنواع السعف التي يقول أنها تنصاع لأنامله التي تشكلها في مختلف الأنواع، فبين القفة والصندوق والسلال المنزلية والكراسي يبدع محدثنا في التصنيع، ويقوم صباحا بعرضها على الزبائن الذين لايزال أغلبهم يحافظ على هذه المواد في الاستعمالات اليومية.. أهل الجنوب لا يستغنون عنها رغم انتشار هذه الحرفة في كل ولايات الوطن ورغم الإقبال الكبير الذي تعرفه من الزبائن حسب شهادة كل ممارسيها، إلا أنها لا تتعدى في ذلك كونها أدوات يستعملها سكان الشمل في الزينة، غير أن الوضع مغاير بالنسبة لأهل الجنوب الذين توارثوا هذه الحرفة عبر الأجداد، وحافظوا عليها في كافة الظروف، فهي بالنسبة للحرفيين مصدر دخل وحيد ورئيسي لا يستدعي الكثير من الوسائل. وبالنسبة للزبائن أيضا أدوات ضرورية ولازمة يستعملونها في أشغالهم اليومية. وفي السياق ذاته تقول خديجة، من ولاية أدرار، أن هذه الأدوات المصنوعة من سعف الرحيل مختلفة، فمن المكانس والسلال والصناديق إلى أطباق الخبز والزرابي وغيرها من اللوازم المنزلية التي لا يستغني أهل الجنوب عنها. ومن جهة أخرى تقول مريم إن جهاز العروس الأدرارية لا يخلو من الأدوات المصنوعة من السعف، على غرار الصناديق والسلال التي تستعملها العائلات في نقل جهاز ابنتهم وتزيين بيتها الجديد.