صناعة السلال وبعض مستلزمات المطبخ وأدوات الزينة وحتى الحصائر وغيرها من الأفرشة من سعف النخيل من المهن التي تشتهر بها المناطق التي تتميز بوفرة النخيل، والتي ما تزال تلقى اهتماما من أشخاص يملكون الموهبة والمهارات الكافية للتمسك بصناعة متوارثة أبا عن جد.. وتعد الحرفية ''الزاهي جمعة'' واحدة ممن يقدمون أعمالا فنية من سعف النخيل. هناك بدائرة تماسين ولاية ورقلة، حيث أشجار النخيل الباسقة كبرت ''الزاهي جمعة'' وكبر معها حب تحويل سعف النخلة إلى سلال وأطباق وأشياء أخرى تحكي عن بساطة أيام زمان وعن ذوق فني نسوي يواصل رسالة نقل التراث إلى الجيل الصاعد. التقتها ''المساء'' في المعرض الوطني الأول للإنتاج الأسري المنظم مؤخرا بالمركز الثقافي عيسى مسعودي بحسين داي، حيث كانت الإضاءة على حرفة تعتمد على سعف النخيل. كان ثمة فضول يدفعها لمراقبة الجدة والوالدة عندما تقومان بتحويل مادة سعف النخيل إلى أوان وقطع للديكور.. وكثيرا ما كانت تتدخل لتلامس فنا تقليديا شعبيا أحبته مع مرور الوقت، فصار أنيسها في فترات العطل المدرسية، حيث كانت الانطلاقة لإنتاج أولى القطع من السلال والأطباق. ولحسن الحظ مازالت منتجات هذه الحرفة بورقلة مطلوبة من قبل السكان الذين لم يتخلوا عن استعمالها في مجالات حياتهم اليومية، منها ''طبقة العشاء'' التي يوضع فيها السميد بعد تحويله إلى كسكسي. وإذا كانت الحرفية ''الزاهي جمعة'' تعتمد في عملها على نماذج تقليدية، فإنها لا تغفل عن مزج لمسات الزمن الجميل مع ما يوحي به الإلهام في ظل التطورات الحاصلة في المجتمع، ونتيجة ذلك هي ابتكار أشكال جديدة لسلة العروس وصندوق مجوهراتها وعلبة أدوات الخياطة وغيرها من اللوازم التي اكتسبت طلة جديدة. سألناها عما إذا كانت هذه الصناعة اليدوية تمثل مصدر رزق بالنسبة لها، فقالت: ''لا.. ببساطة أحب هذه المهنة وأمارسها في وقت الحاجة إليها، وعندما تكثر الطلبيات عليها... أما في سائر الأيام أمارس الخياطة، فأنا بطبعي أحب العديد من المهن اليدوية'. ولممارسة حرفتها الموروثة تحضر ''الزاهي'' المادة الأولية (سعف النخلة) من الواحة، تتركها لتجف مدة أسبوع أو أسبوعين ثم تبللها... وبعد تطويع سعف النخيل تضيف له مادة ''القنط'' (العرجون الذي تعلق به حبات التمر) لتصنع منهما قطعا متنوعة هي ثمرة جهد عضلي مصدره الصبر الطويل. ورغم ذلك لم ينفد بعد صبر الحرفية ''الزاهي'' التي شاركت خصيصا في المعرض الوطني الأول للإنتاج الأسري للتعريف بمنتجات تماسين التقليدية، متمنية أن يتواصل مشوار عملها في هذا المجال التقليدي. وتقدم نصيحة للفتيات مفادها أن استثمار الوقت ضرورة حياتية ليكون الإنسان منتجا ومبدعا.. وما أجمل أن يسخر وقت الفراغ في تعلم حرف الأجداد الحاضنة للتراث.