جميل ما قام وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، من خلال استحداث العديد من الفعاليات الثقافية سواء في السينما والأدب والمسرح، حيث عادت السينما إلى مدينتي عنابة وقسنطينة عبر مهرجاني الفيلم المتوسط وأيام الفيلم العربي المتوج اللذين انتظما شهر ديسمبر الماضي. وتم ترسيمهما ليكونا موعدين سينمائيين مهمين في الساحة الثقافية الجزائرية والعربية والمتوسطية، والأجمل من هذا كله الموافقة على تنظيم مهرجان الصحراء للمسرح والذي من شأنه أن يكون نافذة على الفن في الصحراء الجزائرية واعادة الاعتبار لنضالات الفنانين في الجنوب الجزائري الذين قدموا الكثير وتجاوزوا العديد من العراقيل بهدف إعلاء كلمة المسرح، كما لا يمكن تجاهل الخطوة التي قام بها الوزير كذلك عبر فتحه الباب أمام الروائي سمير قسيمي لتنظيم برنامج ”موعد مع الرواية” الذي يقام كل يوم سبت من كل أسبوع، والدي حقق نجاحا طيبا وأثار نقاشا حول الرواية الجزائرية، ناهيك عن موعد آخر للشعر تشرف عليه الشاعرة لميس سعيدي في انتظار ”موعد مع السينما” والذي ينشطه سليم أقار خلال الأيام القليلة المقبلة، كل هذه الإنجازات تحسب للوزير، ولكن في الوقت نفسه خفي على الوزير أنه بصدد ارتكاب كارثة كبيرة يمكنها أن تقضي على بصيص الأمل عند الفرق الحرة من تعاونيات وجمعيات مسرحية صغيرة تسعى إثبات وجودها عبر الإبداع خلال المهرجانات المحلية في سيدي بلعباس وڤالمة، هذان المهرجانان ارتأى الوزير إلغاءهما ما يعد بمثابة غرس مسمار في جسد يتألم. في ملف سابق على جريدة ” الفجر” خلال الأيام القليلة الماضية، تطرقنا لموضوع من يريد قتل المسرح الجزائري خصوصا التعاونيات والجمعيات الحرة التي تعتبر عماد المسرح الجزائري، نظرا لما تقدمه من أعمال تنافس بها المسارح الجهوية التي تنتفع من المال العام ولا تقدم الكثير منها أعمالا ترتقي للقيمة الفنية التي تقدمها مسرحيات تنتج بصفر دينار من قبل الفرق الحرة. يقول المخرج المسرحي ربيع قشي ”أين نحن من العالم، وزير الثقافة يلغي حسب ما ورد في إحدى الجرائد الوطنية كل من المهرجان المحلي في ڤالمة وسيدي بلعباس الخاص بالفرق الحر”. ويقول ربيع قشي: ”في 2006 حين لم يكن عز الدين ميهوبي وزيرا قمت بإخراج نصه الشعري ”كاليقولا يرسم قارنيكا” من إنتاج تعاونية مسرح التاج ببرج بوعريريج التي قدمت في الطبعة الأولى للمهرجان المحترف 2006، وفي ذلك الوقت كان ميهوبي من المطالبين بإدراج الفرق الحرة في المنافسة”. واستغرب ربيع قشي أن يقوم اليوم الوزير بإلغاء المهرجانين، قائلا: ”إن كان السبب التقشف فلماذا على حساب الفرق الحرة؟ إن كان السبب التقشف فليقولوا لنا كم صرفوا على الجولة المسرحية للمخرج جواد الأسدي والتي تفوق ميزانية مهرجاني قالمة وبلعباس”. ودعا ربيع قشي كل الفرق الحرة من جمعيات وتعاونيات إلى لم الشمل والعزم على الاتحاد لمنع إلغاء المهرجانين، واقتراح إمضاء وثيقة تطالب رئيس الجمهورية بالتدخل، يمضيها أعضاء الفرق. مهرجانا ڤالمة وسيدي بلعباس مكانان للتلاقي وتبادل الأفكار بين الجمعيات والتعاونيات، خصوصا مع افتقاد الأماكن ما عدا المهرجانات التي تجمع لم شمل الفنانين، كما أن النهضة المسرحية آتية من طرف المسرح الحر، وحقيقة إلغاء مهرجان سيدي بلعباس وڤالمة لا يخدم المهرجان الوطني للمسرح المحترف، لذا يجب إعادة تنظيم وتسيير المهرجانات بفكر أوسع، ويجب على الفنانين الحقيقيين أن يقتربوا من بعضهم البعض، وليس إلغاء متنفس الفرق الحرة بأمس الحاجة إليه. إن المساس بالمهرجانات المحلية هو مساس بمشروع المسرح الحر في هذا الوطن، فوزارة الثقافة من جهة تقول لا تقشف في الثقافة ومن جهة أخرى تتعدى على مكاسب هرم رجالات المسرح من أجل التأسيس لها بداعي التقشف، فالمهرجان هو مكسب للمبدع والفنان وفضاء مفتوح يحتاجه المبدعون في كل أشكال وأنواع الثقافة بصفة عامة، كما أن المهرجان لم يؤسس اعتباطا أو بصفة لتبذير المال أو لحاجة سيئة، بل بأهداف محددة وبعيدة، خصوصا وأن هذين المهرجانين هما مرحلة تصفية للأعمال المسرحية التي يمكن لها المشاركة في المهرجان الوطني للمسرح المحترف والبحث عن الأعمال المسرحية التي يمكنها المشاركة في المهرجان الوطني بنفس المستوى، وإن لم نقل أحسن من بعض المسارح الجهوية، والدليل عدة تعاونيات وجمعيات تحصل على جوائز كبرى، والأرشيف موجود. الظاهر أن المكاسب التي حققتها الثقافة في العشر سنوات الأخيرة في المسرح، من خلال دعم الجمعيات بصفة مستمرة، كل هذه المكاسب في طريق الزوال بفعل بعض الأيادي، وهو ما يستدعي مراجعة الموقف من طرف وزير الثقافة عز الدين ميهوبي. للإشارة، دعا الفنانون المسرحيون لتنظيم وقفة احتجاجية مام وزارة الثقافة يوم 27 مارس الجاري وهو اليوم المصادف لليوم العالمي للمسرح من أجل الوقوف ضد قرار الغاء المهرجانين.