لا تزال الكثير من العائلات المسيلة تستخدم ”طاجين الطين” أو ما يسمونه تفاؤلا ”الفراح” لطبخ ”الكسرة” بأنواعها، أو ما يسمى الخبز المنزلي رغم التطور الكبير للحياة واتساع مدنيتها، إلا أنه أبى إلا أن يبقى محافظا على مكانته في البيت المسيلي بل هو زينة المطبخ المسيلي وقد كانت العروس قديما تأخذه في جهازها. ويصنع الطاجين من ”الطين الخام ” والذي يجلب من أماكن خاصة أو يشترى من بعض الأسواق وتختص بعض جداتنا غالبا بصناعته، حيث تعمدن إلى خلط الطين الخام بالماء على شكل عجينة، ثم يضفن له بقايا مسحوق طاجين مكسر بعد دقها بشكل جيد، وتخلط لتكون عجينة ثم تبدأ عملية القولبة من خلال بسط كمية الطين على شكل دائري، عادة ما يكون بقطر 40 سنتمترا تقريبا، مع مراعاة أن يكون سمكه بشكل متساو في مختلف الجهات ثم يقمن بصنع حواف الطاجين قصد الحفاظ على ”الكسرة” بعيدا عن ألسنة النار حتى لا تحترق وكذا نتوءات للامساك به ليترك بعد ذلك مدة من الزمن حتى يجف، وتنتهي بذلك المرحلة الاولى لتبدا مرحلة ”المحمى” ويقصد بها وضع الطاجين، بعد أن يجف على نار حتى يستوي ويكون أكثر صلابة وهكذا تنتهي العملية ويكون جاهزا للاستعمال. وهناك نوعان من الطاجين، واحد يسمى ”المسرح” وهو الذي يستخدم لصناعة الكسرة العادية والآخر يسمى ”الطاجين المرقوم” ويستخدم في صناعة المطلوع والذي يضفي عليه أشكالا دائرية تظهر على الخبز، وتختلف أسعاره من مكان إلى آخر وحسب الحجم أيضا، فطاجين الحجم الكبير يتراوح بين 400 إلى 600 دينار اما الصغير منه فيتراوح بين 300 إلى 500 دينار. نانة عرجونة والخامسة تركتا حرفة صناعة الطاجين بعد المرض الحاجة مقدر عرجونة أرملة وتعيش لوحدها بأحد المنازل في قرية النواصر ببلدية مقرة شرقي المسيلة، كانت مقصد جل سكان المنطقة من أجل الظفر ب”طاجين الطين” أو القصعة” أو ”التاجرة” ،هذه الأخير التي تستخدم في تقديم” البركوكس” أو”البربوشة”، حيث لها فائدة كبيرة خاصة أنها تساهم في خفض حرارة المأكولات وتزيد بنتها. الحاجة عرجونة تركت صنعة الطاجين بعد صراعها مع المرض الذي أقعدها الفراش، خاصة وأن هذه الحرفة تتطلب مجهودات عضلية كبيرة وصبرا فائق النظير، وهو ما كانت تتسم به الحاجة عرجونة وزميلتها في المهنة هي الأخرى الحاجة الخامسة زوجة سالم، والتي تركت هي الأخرى المهنة التي كانتا مشهورتين بها في المنطقة، حيث كانتا تسترزقان من هذه الحرفة، خاصة بعدما غيبت الموت شركاء حياتهن ساعد وسالم، وتركاهما لمجابهة مصاعب الحياة، فامتهن صناعة الطاجين واتقنتا الحرفة، حيث كان عليك الطلب مسبقا من أجل الحصول على الطاجين من أيادي الحاجة عرجونة والخامسة. طاجين الطين بدأ يفقد أصالته بعد ظهور دخلاء على الحرفة وهواة الربح السريع، بدأ طاجين الطين يفقد أصالته وجودته بفعل زيادة بعض المواد الأخرى، فبعدما كان حرفيو صناعة الطاجين يستعملون مادة ”التفون” لصناعتها، ظهرت مواد مغشوشة من خلال هرس مادة الأجر الأحمر مع الطين مما يؤدي إلى نقص جودة وصلابة الطاجين. حرفيو صناعة الطاجين في تناقص في المسيلة بالرغم من المكانة التي يحتلها الطاجين وبقية الأواني الطينية في المسيلة، إلا أن حرفيو صناعتها في تناقص مستمر، حيث وبعد أن كانت أغلب النساء الحضنيات قادرات على صناعة الطاجين، ها هي فتيات اليوم يجهلن حتى المواد التي يصنع منها، فهو الآن يقتصر على بعض العجائز اللواتي فضلن الإخلاص والوفاء لعادة الأجداد، خاصة في الأحياء الشعبية بولاية المسيلة. فحتى في عاصمة المسيلة هناك حرفيون لا يزاولون صناعة الطاجين والأواني الخشبية، ليبقى طاجين الطين رمزا ضاربا في القدم منذ عهد طارق بن زياد.