يتعرض أعوان الشرطة، يوميا، إلى أبشع الاعتداءات تطالهم من قبل مجرمين، حيث تُمزق بدلاتهم الرسمية، ويُشتمون ويهانون دون سبب، وقد تصل الاعتداءات حدَّ القتل، بسبب غياب ضمير هؤلاء المعتدين خاصة منهم المسبوقين قضائيا الذين لا يتوانون عن ارتكاب جرائمهم في حق الشرطة، وبعدها يقضون فترة قصيرة داخل الزنزانة ويُطلق سراحهم بعد انتهاء مدة عقوبتهم. في وقتنا الراهن تغيرت معاملة رجال الأمن، فلم يعد الشبان المسبوقون قضائيا والمجرمون يُكنون أي احترام للشرطة التي تسهر مصالحها على حمايتهم وتوفير الأمن والسلامة للمواطنين. وفيما يلي عينة من قضايا اعتداءات مختلفة طالت أعوان الشرطة، استقيناها من محاكم العاصمة.
أربعيني يمزّق بذلة شرطي ويحاول دهسه بسيارته تعرض شرطي للاعتداء اللفظي والجسدي، من قبل أربعيني قام بركن سيارته في مكان ممنوع فيه ركن المركبات، فطلب منه الضحية أن يغيّر مكان ركن السيارة، غير أن المتهم رفض ذلك بحكم أنه كان مستعجلا من أجل اقتناء الدواء لحماته التي كانت برفقته وكانت حالتها حرجة، وقام بالاعتداء على الشرطي وحاول دهسه بسيارته، إضافة إلى ذلك مزق بدلته الرسمية ووصفه بأقبح العبارات. وإثر الإهانات التي تعرض لها الشرطي، توجه إلى أقرب مركز شرطة وقيّد شكوى ضد المتهم الذي أوقف وأحيل على المحاكمة، عن تهمة إهانة موظف أثناء تأدية مهامه، وهي التهمة التي أنكرها خلال مثوله أمام هيئة المحكمة، حيث صرح أنه بتاريخ الوقائع كان على عجلة من أمره وكان سيقتني الدواء لحماته التي كان وضعها الصحي متأزما، مضيفا أن الضحية طلب منه تغيير مكان سيارته لكنه رفض، مشيرا إلى أنه هو من تعرض للسباب والشتم، كما أنكر جميع التصريحات التي أدلى بها الضحية، لتلتمس النيابة في حقه عقوبة 6 أشهر حبسا نافذا.
كهل يصدم شرطيا بسيارته انتقاما من تحرير مخالفة ضده كاد يتعرض شرطي درّاج تابع لفرقة تنظيم حركة المرور لحادث مرور خطير، بعد أن حاول رب عائلة صدمه بسيارته، ورفض الامتثال لأمره بالتوقف لتجاوزه السرعة المسموح بها، حين كان على متن سيارته رفقة صديقه وجارته، بالطريق المؤدي إلى مطار هواري بومدين، وبمنعطف تجاوز فيه السائق السرعة المسموح بها؛ ما جعل الشرطي الدراج يلحقه لإلزامه بالتوقف، غير أن هذا الأخير واصل سيره موهما إياه بالتوقف على أمتار، غير أنه حاول الفرار وكاد يصدم الشرطي الدرّاج وإسقاطه من على دراجته النارية. وحسب ما جاء على لسان الضحية، فالمتهم وجه له عبارات سباب، وتبين أثناء عملية المراقبة أنه يقود المركبة بدون رخصة، ما استدعى توقيفه. وبمثول المتهم أمام المحكمة أنكر الوقائع المنسوبة إليه، وأكد أنه لم يرفض الامتثال لأوامر الشرطي الدرّاج، وإنما العبارات التي وجهها له الشرطي هي التي جعلته يواصل سيره متجها إلى مركز الشرطة من أجل إيداع شكوى. أما وكيل الجمهورية، فاعتبر الوقائع جد خطيرة والتمس أقصى عقوبة ضد المتهم.
طالب حقوق يعتدي على شرطي أمام السفارة الكندية قضية مماثلة راح ضحيتها شرطي يعمل بسفارة كندا، والمتهم في القضية طالب حقوق كان في حالة سكر بتاريخ الوقائع، وتهجم على الشرطي بسبب مناوشات كلامية دارت بينهما بسبب ركن المتهم سيارته التي بالقرب من السفارة الكندية ببن عكنون، من أجل الدخول إلى محل تجاري؛ وعليه تقدم منه الشرطي وأمره بإخلاء المكان، فقام المتهم الذي كان في حالة سكر بدفعه وإهانته.. وهي الوقائع التي اعترف بها المتهم أثناء استجوابه من قبل هيئة المحكمة، معربا عن ندمه الشديد من هذا التصرف، وطالب بالإفراج عنه، ليطالب دفاعه بتسليط عقوبة موقوفة النفاذ وتسريح موكله، وهذا بعدما التمس النائب العام تشديد العقوبة في حقه.
كهل يرمي وثائق سيارته في وجه شرطي ويهينه أودع وكيل الجمهورية لدى محكمة الحراش كهلا رفقة شاب رهن الحبس المؤقت بالمؤسسة العقابية بالحراش، عن تهمة إهانة موظف أثناء تأدية مهامه، على خلفية اتهامهما بإهانة شرطيين في حاجز أمني ببراقي، لرفض الأول الامتثال لأوامرهما ورمي وثائقه الشخصية بوجههما، فيما أهانهما المتهم الثاني. وحسب ما صرح به الشرطي أمام المحكمة، والذي أكد أنه يوم الوقائع كان يعمل في حاجز أمني بالمحور الدوراني بسيدي رزين ببراقي، حيث طلب زميله من المتهم الأول التوقف من أجل إفساح المجال لسيارة أخرى، غير أن المتهم الأول الذي كان رفقة ابنيه وزوجته ترجاه ليعطيه الشرطي أولوية المغادرة كونه كان مستعجلا، غير أن الشرطي تمسك بموقفه وطالبه بوثائق المركبة. حينها قام المتهم برمي وثائقه ومواصلة طريقه قبل أن يتوقف ويرجع أدراجه من أجل المطالبة بوثائقه، مع توجيه جملة من عبارات السباب لأفراد الشرطة الذين كانوا بالحاجز الأمني.
شاب يصف عناصر الشرطة ب"الحڤارين" ويتجرد من ملابسه أقدم شاب في عقده الثاني، على شتم رجال أمن كانوا بحاجز أمني، بعد أن تم توقيفه يوم الحادثة رفقة صديقته نتيجة عدم وضعها حزام الأمن. وبعد توقيفه حررت له مخالفة جزافية، وتم تغريمه بمبلغ مالي قدره 2000 دج، غير أن المتهم لم يتقبل ذلك وأقدم على شتم رجال الشرطة بأقبح العبارات، كما وصفهم ب"الحڤارين"، وتوجه إلى وسط الطريق وتجرد من ملابسه أمام الملأ، ما جعل رجال الضبطية يلقون عليه القبض وإحالته على وكيل الجمهورية، الذي أعد ضده ملفا جزائيا بتهمة إهانة رجال القوة العمومية والقيام بفعل علني مخل بالحياء، مع الأمر بإيداعه رهن الحبس المؤقت. وبمثوله أمام المحكمة، صرح أنه لم يعِ ما فعله كونه كان في حالة هيجان شديدة، طالبا الصفح وإفادته بأقصى ظروف التخفيف.
كهل يحاول قتل شرطي متقاعد حاول أربعيني قتل ضابط شرطي متقاعد، عندما كان خارجا من محله التجاري، حيث وجه له 3 طعنات تحت الإبط الأيسر ثم فر باتجاه محل مجاور، ولولا تدخل المارة لأزهق روحه؛ وعليه، تم نقل الضحية إلى المستشفى. وبرر المتهم فعلته بأن الشرطي المتقاعد قام بنشر صور له تظهره في وضعية مخلة بالحياء على "فايسبوك"، وأخطره بذلك أبناء حيّه. كما أكد خلال جلسة المحاكمة أنه كان ينوي قتله لولا مقاومة الضحية له، وأخبرهم أنه يكن له حقدا منذ 15 سنة.
ضحايا الاعتداءات يكشفون: "الشرطي معرّض للاعتداء في أي لحظة" تقربنا من أعوان الشرطة الذين يمثلون أمام المحاكم كضحايا اعتداءات من قبل الشباب، خاصة المسبوقين قضائيا، حيث صرّح بعض من تحدّثنا معهم أنّ الشرطي أصبح محاصرا ويخاف من تطبيق الإجراءات القانونية. كما أنّ الشباب بمن فيهم القصّر يعتدون على أعوان الشرطة وهم بالزي الرسمي، ويوجّهون لهم عبارات خادشة للحياء ولا يُكنّون لهم أي احترام. وقال المتحدثون أنفسهم إن الشرطي اليوم أصبح مهدّدا بالاعتداء في الشارع أثناء قيامه بمهامه النبيلة في أي لحظة، مضيفين في السياق ذاته أن أعوان الشرطة أصبح لديهم مخاوف وهواجس من كل حالات الاعتداء التي يتعرّضون لها محاولين تفاديها بشتى الأشكال، وذلك خوفا على سمعتهم ومناصب عملهم التي تعتبر مصدر رزقهم، وخوفا كذلك على أفراد عائلاتهم الذين لا يسلمون من المجرمين والمسبوقين قضائيا. وأعرب المتحدثون ذاتهم في تصريحاتهم أنه بمجرد أن يتقدّم المواطن إلى مركز الأمن ويودع شكوى ضد الشرطي حتى وإن كان متّهما في القضية، يتحوّل بعد ذلك إلى الضحية وتوجّه أصابع الاتهام إلى الشرطي. سامية.ح
على الشبان احترام مصالح الأمن والتعاون معهم، قانونيون: "غياب الثقافة القانونية لدى الجزائريّين أدّى إلى استفحال ظاهرة الاعتداء على الشرطة" كشف قانونيون أنّ الشرطي يمثّل القانون وهو يسهر على راحة المواطنين، ومن واجب الشباب والمجتمع احترامه والتعاون معه وليس الاعتداء عليه وإهانته. في هذا السياق قال أحد المحامين "إنّ المجتمع الجزائري لا يملك ثقافة قانونية تمكّنه من احترام رجال الأمن والتعاون معهم من أجل القيام بمهامهم بأكمل وجه، وأنّ الأسر الجزائرية أهملت تلك القيم ولم تعلّمها لأبنائها، وهذا ما أدى إلى استفحال هذه الظواهر التي أصبحت تشكّل خطرا على مجتمعنا، خاصة أنها تمسّ جهاز الأمن، وهذا راجع دائما إلى تصرفات الشبان الطائشة، والذين يعتبرون أنفسهم أبطالا إذا تهجّموا على عناصر الشرطة واعتدوا عليهم، أما إذا احترموهم فيُنعتون بالجبناء من قبل أصدقائهم، وهذا ما ساهم في انتشار جرائم الاعتداءات على مصالح الأمن". وأضاف المتحدث ذاته أنّ الشبان ينظرون إلى الشرطة على أساس أنّهم أشخاص يعيشون خارج مجتمعنا، غير أنّهم موظّفون كباقي الأشخاص ويحرصون على حماية الوطن والمواطنين، داعيا في الأخير إلى ضرورة تربية الجيل الصاعد وتأطير الشباب ومساعدة مصالح الأمن والتعاون معهم
مصالح الأمن تضخّم الأمور أحيانا، قانونيّون: المواطن قد يتعرّض لاستفزازات من قبل عناصر الشرطة ولتسليط الضوء أكثر على الموضوع، ارتأينا أخذ رأي رجال القانون الذين بدورهم أكّدوا أنّ المحاكم تعالج يوميا قضايا إهانة موظّف أثناء تأدية مهامه، وأكّدوا أنّ القانون صريح في مثل هذه القضايا. وعن العقوبة المسلّطة ضد المتورّطين في مثل هذه القضايا فهي تتراوح بين 6 أشهر وعام حبسا نافذا. من جهة أخرى، أكّد محامي معتمد لدى المجلس «أنّ المواطن يتعرّض أحيانا إلى استفزازات وإهانات من قبل مصالح الأمن تدفعه إلى فقدان السيطرة على نفسه وتصرّفاته، وقد يعتدي على الشرطي بالضرب ويصبح متابعا قضائيا، وبعد التحقيق معه يصدر ضده أمر إيداع رهن الحبس». وأضاف المتحدث ذاته أنّ "الشرطة في بعض الأحيان تضخّم الأمور وتورّط شبانا أبرياء في مثل هذه القضايا"، كما دعا في الأخير السلطات القضائية إلى إعادة النظر في جميع المواد القانونية.