أسئلة كثيرة تطرحها محاولة ”الانقلاب” الفاشل في تركيا ليلة أول أمس، وأضع الانقلاب بين ظفرين، للتساؤل من يقف وراء هذا، وهل أردوغان هو الذي أعد السيناريو وأخرجه بإحكام؟! فأردوغان بات مستعدا لفعل أي شيء لضرب خصومه بالداخل والخارج، ولن يعجزه اللجوء إلى هذه المسرحية لإحكام قبضته على الجيش و”تطهيره” من الحرس القديم لأخونته أكثر، ثم أيضا ضرب جماعة فتح الله غولن في الداخل، فقد أشار إليه بوضوح أن المشرفين على الانقلاب موجودين في أمريكا، وهو يقصد بذلك غولن الذي سماه بالاسم وتنظيم ”خدمت” الذي حمل أردوغان إلى الحكم قبل أن ينقلب عليه. ثم ما دور فرنسا في هذه العملية؟ وهل كان لها علم بما يجري، وهي التي أغلقت سفارتها في أنقرة وقنصليتها في إسطنبول لدواع أمنية يومين فقط قبل تنفيذ سيناريو الانقلاب؟ حتى أمريكا نفسها دورها مشبوه في الانقلاب فلم يدنه البيت الأبيض مثل كثير من العواصم، وكأن أوباما كان ينتظر ”المنتصر” ليعلن موقفه، وساند أردوغان فقط بعدما أحبط المخطط. فماذا كان أردوغان يخاف ليلجأ إلى سيناريو دامٍ كهذا؟ لكن الأكيد أن ليلة السبت إلى الأحد ستكون فارقا في تاريخ تركيا، ستكون ليلة دق آخر مسمار في نعش الدولة العلمانية، ”فانتصار” أردوغان المفبرك سيطلق يده لفعل أي شيء، بشهادة الآلاف التي خرجت لنصرته، في رسالة واضحة إلى الغرب الذي وقف وراء إسقاط الأنظمة في المشرق عن طريق إخراج الشعوب إلى الشارع، فأردوغان أخرج ”الأتراك” إلى الشارع لنصرته، علما أن نسبة كبيرة من الشعب التركي الذي خرج في تقسيم في ربيع 2013 وكل شوارع إسطنبول يمقت دكتاتورية أردوغان وميولاته الإسلاموية، ورغبته في أسلمة المجتمع التركي للقضاء على إرث أتاتورك الذي كان أول من أسس لتركيا الحديثة ووضعها على طريق العصرنة، قبل أن يأتي أردوغان الذي يعترف له بالقضاء على جنرالات الفساد، ونجاحه في تقوية الاقتصاد التركي، وتخطي الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. لكن ضلوعه في زعزة المنطقة وخاصة تآمره على سوريا، وقمعه المعارضة التركية والضربات الموجعة التي وجهها إلى الأكراد، وضعته في صف المغضوب عليهم داخليا، فكان بحاجة أمس إلى سيناريو يخرج من ورائه الشعب إلى الخارج تعاطفا معه لتقوية موقعه داخليا وخارجيا، وهو ما نجح فيه بجدارة لكن ما كان لينجح في هذا لولا أن المعارضة التركية تحلت برصانة ووقفت ضد الانقلاب، ونددت به، لأنها تعرف أن انفلات الحكم ووضوعه بيد الجيش لا يخدم الديمقراطية ولا تركيا، ولم تنخدع بما جاء في ”بيان” الجيش الانقلابي المزعوم ”أن الجيش قام بالانقلاب حفاظا على الديمقراطية وحقوق الإنسان”. دعوة أردوغان عبر السكايب الشعب للخروج إلى الشارع هي الأخرى خطيرة، وكان بالإمكان أن تخلف حماما من الدم، لكن استجابة ”الإنقلابيين” بسرعة إلى موقف الجماهير هو أيضا جزء من السيناريو. فهل كانوا سيقامرون في لعبة غير محسوبة العواقب في انقلاب ”هواة” وهم يعرفون مكائد الرجل أو ميوله الدموية، فلم يتوان قبل هذا لفبركة تفجيرات كلما خرجت المعارضة منددة بسياسته؟! أيام عصيبة على الجيش التركي، وعلى الديمقراطية التي فصلها أردوغان على مقاسه، وعلى أتباع فتح الله غولن الذين حاربهم أردوغان وأغلق مدارسهم وصحفهم ووضع صحفييهم في السجون متهما إياهم بالإرهاب، وها هو يتهم غولن نفسه بالوقوف وراء هذه العملية، رغم أن هذا الأخير أصدر بيانا يدين ”الانقلاب” ونفى الاتهامات الموجهة إليه جملة وتفصيلا! مهما كانت حقيقة ما جرى، فإن أردوغان سينسى لفترة قد تطول ما يجري في سوريا ودول الجوار وسيفتح جبهات ”قتال” واسعة في الداخل. ومهما كان ”انتصاره” أمس والتفاف مناصريه حوله، فلن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل المسرحية المحكمة الإخراج، خاصة والحمد لله أن الأمن عاد أمس إلى الشارع التركي مثلما خطط له السلطان. لكن هل يهنأ طويلا بهذا الانتصار؟