صدر للباحث الجزائري أحمد دلباني كتاب ”مفاتيح طروادة”، ويجمع فيه مسألة ”الهويات المنغلقة”، ويشبّهها بالمدينة اليونانية الشهيرة، التي تقول الإلياذة الهوميروسية إنها بقيت محاصرة إلى أن جاءت فكرة الحصان الخشبي الذي ”فجّرها” من الداخل. و”مفاتيح طروادة”، الذي حمل عنوانا ثانيا شارحا هو ”كتاباتٌ في أزمنة الهويات المغلقة”، ويناقش مختلف قضايا الراهن الفكري والسياسي، صدر مؤخرا، عن دار ”التكوين” بدمشق، وقسّمه صاحبه إلى فصلين ”كتاب المخاطبات” و”بلاغة الراهن”، إضافة إلى ملحق يتضمن محاورتين صحفيتين ناقشت بعض قضايا الكتاب. ويعتمد المؤلف ”تقنية” الرسائل المفتوحة في ”كتاب المخاطبات”، حيث يخاطب شخصيات بعضها ما يزال على قيد الحياة (باراك أوباما، برنار هنري ليفي، وأدونيس) وبعضها غادر عالمنا منذ مدة طويلة (ألبير كامو)، وبعضها شخصية ”اعتبارية” و”مفكر إسلامي معاصر”، ويبدو أن الرسالة الأخيرة موجهة إلى أي إسلامي معاصر يشتغل في الحقل الفكري. ويقترب الكتاب أكثر من قضايا الساعة التي يتناولها بعيدا عن ”سرعة الميديا”، ويحاول الغوص في أعماقها، حيث يتناول مسألة ”الحرية في الدساتير العربية” وذكرى سقوط حائط برلين التي فتحت ”جرح” ”جدراننا التي لم تسقط بعد”، و”هزيمة الثقافة الحديثة” و”صورة العربيّ والمُسلم عند الآخر”، و”الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو”، وغيرها من المواضيع. ولعل ما يجمع فصلي الكتاب هو مساءلة اللحظة العربية الراهنة في تعقّدها ومصيريتها، فتقنية ”الرسائل” تجاوزت الفصل الأول إلى غيره، وسؤال ”الراهن” شمل الذين خاطبهم المؤلف ب”رسائله المفتوحة”. وبالرغم من أن بعض الرسائل وجّهت إلى غير العرب، فإنها تهم الواقع العربي دون غيره، مثل رسالة الروائي والفيلسوف الفرنسي الراحل ألبير كامو وعلاقته الإشكالية بالجزائر، ورسالة باراك أوباما المعني ب”حصان طروادة” الذي يحاول تفجير الواقع العربي المنغلق على ذاته والمقاوم لرياح التغيير. ويقول أحمد دلباني إنَّ ما يجمعُ بين مواد الكتاب على اختلافها هو ”محاولة فضح الانغلاق الهوياتي الرَّاهن الذي يمثل فشلا أمام التحديات وانكماشا للذات أمام الآخر المختلف يجدُ صداه في انفجار الأصوليات المختلفة وتنابذ الجزر الثقافية في أوقيانوس العالم”. ولا يتكلم عن مأزق العالم العربي الإسلامي الراهن دون الحديث عن التطرف بشتى أشكاله، وفي هذا الصدد يقول المؤلف إنَّ أشكال التطرف متعددة من أصوليات مختلفة و”إرهاب يلبسُ عباءة الإسلام ويمين سياسي ينكمشُ أمام الآخر المُختلف مُشيحا بوجهه عن ميراث الأنوار العظيم في أوروبا”. ويرى أن ذلك كله يمثل ردودَ فعل ”هوجاء وغير عقلانية أمام تحديات عولمة أصابها الكساح ووقعت في فخ الانغلاق وعدم الثقة في مد الجسور إلى العالم”. والكاتب وإن دافع عن عنوانه حيث شبّه الواقع العربي الإسلامي بمدينة طروادة اليونانية التي اخترقها ذلك الحصان الخشبي كما صوّرته الإلياذة الهوميروسية (وهي ملحمة شعرية تحكي قصة حرب طروادة)، فإن المفاتيح تطرح أكثر من سؤال، فقد تكون دعوة ل”فتح طروادة” من تلقاء سكانها أنفسهم، تجنبا لحصار قد يطول، وقد تشير إلى ”مفاتيح” لتجنب أي حصار مفترض. وفي كل الحالات بقي الكاتب يطرح السؤال تلو الآخر، متجنبا اقتراح أي ”مفتاح” جاهز، إنه السؤال الذي تتجنبه ”طروادة” المعاصرة الغارقة في يقينها، وهذا ما جلب كل هذا الحصار وهذه ”الجدران” مثلما يشير الكتاب في أكثر من موضع.