جبهة المستقبل تحذّر من تكالب متزايد ومتواصل:"أبواق التاريخ الأليم لفرنسا يحاولون المساس بتاريخ وحاضر الجزائر"    الجزائر تحتضن الدورة الأولى ليوم الريف : جمهورية الريف تحوز الشرعية والمشروعية لاستعادة ما سلب منها    المحترف للتزييف وقع في شر أعماله : مسرحية فرنسية شريرة… وصنصال دمية مناسبة    مذكرات اعتقال مسؤولين صهاينة: هيومن رايتس ووتش تدعو المجتمع الدولي إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية    تلمسان: تتويج فنانين من الجزائر وباكستان في المسابقة الدولية للمنمنمات وفن الزخرفة    فروسية/ البطولة الوطنية للقدرة والتحمل: ناديا الفروسية "أسلاك" بتيارت و" لاشياندا' بالبليدة يتوجان باللقب في الفردي    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الصحفي محمد إسماعين    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: ابراهيم قندوز يمنح الجزائر الميدالية الذهبية التاسعة    إلغاء رحلتين نحو باريس    البُنّ متوفر بكمّيات كافية.. وبالسعر المسقّف    اللواء فضيل قائداً للناحية الثالثة    المحكمة الدستورية تقول كلمتها..    المغرب: لوبي الفساد يتجه نحو تسييج المجتمع بالخوف ويسعى لفرض الامر الواقع    الجزائر العاصمة : غرس 70 شجرة بصفة رمزية تكريما لأصدقاء الثورة الجزائرية    الأمين العام لوزارة الفلاحة : التمور الجزائرية تصدر نحو أزيد من 90 بلدا عبر القارات    السلطات تتحرّك لزيادة الصّادرات    الخضر مُطالبون بالفوز على تونس    الشباب يهزم المولودية    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    مجلس حقوق الإنسان يُثمّن التزام الجزائر    مشاريع تنموية لفائدة دائرتي الشهبونية وعين بوسيف    أدرار.. أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى عدة ولايات بالجنوب    بورصة الجزائر : إطلاق بوابة الكترونية ونافذة للسوق المالي في الجزائر    دعوى قضائية ضد كمال داود    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    حركة مجتمع السلم: حساني شريف يبرز أهمية تعبئة كل القوى الوطنية لمواجهة التحديات    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    لمست لدى الرئيس تبون اهتماما بالقضية الصومالية    قرار الجنائية الدولية ينهي عقودا للإفلات من العقاب    هذه شروط تأسيس بنك رقمي في الجزائر    استكمال مشروع الرصيف البحري الاصطناعي بوهران    3مناطق نشاطات جديدة وتهيئة 7 أخرى    "السياسي" يطيح بسوسطارة ويعتلي الصدارة    المرافقة النفسية للمريض جزء من العلاج    وفاة طفل تعرض لتسمم غذائي    ضبط مخدرات بالكرط    السداسي الجزائري يستهل تدريباته بمحطة الشلف    إيمان خليف وكيليا نمور وجها لوجه    دورة استثنائية للمجلس الشعبي الولائي للجزائر العاصمة    مجلس الأمة يشارك في الدورة البرلمانية لحلف شمال الأطلسي بمونتريال    دعوة إلى إنقاذ تراث بسكرة الأشم    نحو تفكيك الخطاب النيوكولونيالي ومقاومة العولمة الشرسة    4معالم تاريخية جديدة تخليدا لأبطال ثورة نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كُتاب يصفون الدعوة لحرق كتب أدونيس بالبدائية والتطرّف والتعصب والهمجية
نشر في النصر يوم 30 - 12 - 2013

أثارت دعوة زعيم جبهة الصحوة الحرة الإسلامية السلفية الجزائرية، من سماهم -أهل السنة في العالم- إلى حرق كتب ومؤلفات الشاعر السوري أدونيس، والذي وصفه ب «الملحد الباطني»، عاصفة من الردود المنددة والمستنكرة والشاجبة لهذه الأفكار التكفيرية المحرضة ضد كل ما هو أدب وفكر وفن. كما أصدر بعض المثقفين والمفكرين والكُتاب الجزائريين بيانا أطلقوا عليه عنوان «دفاعًا عن حُريَّة التفكير والإبدَاع". وهو كما ورد في مقدمته: "بيانٌ مفتوح للتوقيع انتصارا لأبسط حقوق المبدع في الجزائر والعالم العربيّ، ضد الأصولية الدينية التكفيرية والطائفية الجديدة التي على الأبواب".القضية اتسعت رقعتها من الصحافة الجزائرية، إلى الصحافة العربية التي تناولتها من عدة سياقات ومعطيات، لكنها اشتركت في محاولة الانتصار لحرية الفكر والإبداع والتنديد بالظلامية الفكرية التي تتبناها وتُروج لها بعض التيارات الدينية السلفية المعادية لحرية الإبداع والمبدعين. أدونيس، عبّر من خلال تصريحاته للصحافة العربية عن أسفه لاستمرار بعض المسلمين بالدعوة إلى ارتكاب مثل هذه الأفعال التي تتنافى مع جوهر الإسلام، ونفى علاقته بأبيات شعرية تحمل حسا طائفيا نسبت له ونشرت في بعض مواقع الانترنت منها موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. بعض الكُتاب والأكاديميين الجزائريين، يتحدثون في ندوة كراس الثقافة لعدد اليوم، عن قضية المفكر والكاتب أدونيس مع السلفية الجزائرية التي دعت إلى إحراق كتبه ومؤلفاته. كما يستنكرون حملة التكفير ضد صاحب «أغاني مهيار الدمشقي»، ويُشرّحون ظاهرة (وهي ظاهرة قديمة ومتجددة ورائجة في التراث العربي خصوصا) الاعتداء على المبدعين والتحريض ضدهم وضد الفكر والحريات والآداب والفنون عموما، وتسليط سيف الرقابة وعسس التعصب على أفكار وكِتابات المفكرين والمبدعين في بقاع الوطن العربي.
إستطلاع/ نوّارة لحرش
أحمد دلباني/ كاتب ومفكر وباحث
إننا أمام عودة التكفير ومُمارسة الحجر على العقل باسم الدين
أعتقدُ أنَّ ما أثيرَ، مُؤخرًا، بعد نسبة نص إلى أدونيس ودعوة «جبهة الصحوة السلفية الجزائرية» أهلَ السنة في العالم إلى إحراق مُؤلفاته يُعَدّ مُؤشرًا خطيرًا على عودة التكفير ومُمارسة الحجر على العقل باسم الدين في طبعة جزائرية. كما أعتقدُ أنَّ الخطورة تكمنُ، بالأخصّ، في تلك الدعوة المذهبية/الطائفية التي طبعت نداءَ السلفيين الجزائريين. كأنَّ المعركة تدورُ بين أهل السنة والعلوية في الوقت الذي يعرفُ فيه الجميعُ أنَّ الشاعر والمفكر العربيَّ الكبير أدونيس – رغم منبتهِ العلويّ سوسيولوجيا – لا يفكرُ ولا يكتبُ انطلاقا من خلفية دينية أو مذهبية. هذا الأمرُ أصبح معروفا. إنهُ مبدعٌ ومُثقفٌ عربيّ انخرط - مُنذ بدايات نشاطه الاستثنائيّ - في فضاء الأسئلة الحضارية والإبداعية التي واجهتها الثقافة العربية في مُحاولاتها الانسلاخ من الماضوية بغية مُجابهة تحديات الحداثة وعِتق الفاعلية الإبداعية العربية من البنية المرجعية - المعيارية للفكر. ولكن يبدُو أنَّ السلفيين الجزائريين – الذين لم يُكلفوا أنفسَهم عناء التحقق من نسبة النص إلى أدونيس – لا يقرأون ولا يُتابعون حركة الفكر العربيّ حتى يحكمُوا لها أو عليها بصورة نقدية هادئة وموضوعية لا تكفيرية.
أسجلُ، بكل أسفٍ كذلك، هذه الدعوة البربرية العنيفة إلى إحراق مُؤلفات كاتب قد نتفقُ معهُ أو نختلف. إنَّ سقوط احترام الاختلاف الفكريّ من مُعجم زبانية العصر يعني التبشيرَ بعُهود الأحادية التي تنبذ الآخرَ وتجعلُ الذات سُرَّة العالم، ما يعني ترسيخ مركزية هذه الذات الفكرية والدينية في عهد انفتح على الآخرية والمُغايرة والتثاقف خارج أوهام الهويات المُتعالية المُغلقة. هذا الأمرُ من شأنه أن يُعيدنا إلى العصور الوسطى ويجعلَ من كل مثقف أو كاتبٍ عربيّ أو جزائريّ شهيدًا بالقوة، كأنَّ الأصولية الدينية عندنا تريدُ أن تطيلَ أمدَ محاكم التفتيش وقمع المُختلف وإدانة الإبداع، كأنها تتباهى بعودة أزمنة الوصاية الفكرية وتُبشّرُ بها. هذا ما دفع بنا إلى تدبيج بيان انتصرنا فيه للقيم الإنسانية العليا كحرية التفكير والتعبير وضرورة احترام الاختلاف الفكري بعيدًا عن أي وصاية دينية أو سياسية. فنحنُ لا نقبلُ ببقاء المثقف والكاتب العربيّ غاليلي آخر ينوءُ تحت أثقال الإدانة الأبدية. لا نقبلُ بتأجيل مواعيدنا أبديا مع التاريخ والتقدم. ولا سبيل لنا، كما نرى، إلى إرساء دعائم مُجتمع ديمقراطيّ / تعدّدي يحترمُ حقوقَ الإنسان إلا بتجاوز هذه المُمارسات والدعوات التكفيرية الهوجاء. نقولُ هذا ونحنُ نعلمُ، جيِّدًا، أنَّ الأصولية الدينية عندنا - وفي العالم العربيّ كله - لا تمثلُ «صحوة» وإنما شجرة طلعت في أصل جحيمنا الاقتصادي والسوسيو- سياسي الذي أنتجهُ فشلُ الدولة الوطنية العربيّة في تحقيق التنمية الشاملة وترسيخ شروط المُواطنة والازدهار الثقافي والفكري.
أود أن أشيرَ، أيضا، إلى أنَّ البيان الذي عرضناهُ على المُثقفين والكتاب للتوقيع لم يكن انتصارًا لشخص بعينه، وإنما دفاعا عن قيم نعتقدُ أنها يجبُ أن تشكل أرضية توافق مبدئيّ بين المُثقفين. فالقضيَّة لا تتعلقُ بشخص أدونيس فحسب، وإنما بوضع يُهدِّدُ المُناخ الثقافي والفكري والإبداعيّ العام في بلدنا. آلية التكفير لا تستثني أحدًا، وهي تمثلُ سيفا مُسلطا على رقبة الإبداع ومُغامرات العقل في اكتناه المعنى خارج أسيجة الدوغماتيات المختلفة. ولكن رغم هذا رأينا بين الكَتبة الجزائريين من طفقَ ينتقدُ أدونيس ويزعمُ أنه يكشفُ عن بعض «سقطاته». كأنَّ المسألة قضية نقد فنيّ / فكري لمشروع أدونيس الأدبي والثقافي لا قضية دفاع عن حقنا المبدئيّ في الحرية التي بدونها لا يُمكنُ لأي اجتهادٍ فكري أو إبداعي أن يتفتحَ أو أن يرى النور. إنَّ إدانتنا لسقوط «جبهة الصحوة السلفية الجزائرية» الأخلاقيّ وعدم احترامها للعقل والإنسان والحرية، لا يحجبُ عنا أيضا «خيانة المُثقفين» الذين تردَّدُوا – تحت حُجج واهية كثيرة – في إدانة المسعى الأصولي المُتشدِّد الرَّامي إلى كبت الحرية الفكرية، وتهديد كل تطلع إلى عهدٍ جديدٍ يقطعُ فكريا وسياسيا مع الوصاية بكل أشكالها.
أزراج عمر/ كاتب ومفكر
دعوة بدائية وهمجية ولا علاقة لها بالأسلوب الحضاري
في الآونة الأخيرة لفقت مقاطع من النثر الرديء ونشرت على صفحات الموقع الاجتماعي بالانترنيت من طرف جهة مجهولة ثم نسبت إلى الشاعر والمفكر أدونيس وجراء ذلك انبرت جماعة الصحوة الإسلامية الجزائرية وقامت بتكفيره وإلصاق تهمة الإلحاد به ودعت إلى إحراق كتبه. إنه أمر غريب حقا أن يحول منتدى التواصل الاجتماعي في شبكة الانترنت إلى مكان تلفق فيه الأكاذيب وإلى ساحة للتكفير والدعوة إلى إحراق الثقافة والفكر والشعر بدلا من جعل هذا المنتدى فضاءً للحوار العقلاني المتحضر لنشر المحبة والصداقة والأفكار المتقدمة بين الناس؟، أنا لا أفهم كيف تسمح جماعة إسلامية لنفسها أن تصدر أحكاما مسبقة وعن سبق إصرار على شاعر ومثقف عربي كبير ومحترم مثل أدونيس دون أن تتحقق من صحة ما نشر أولا، ومن صحة مصدر النص المكتوب ثانيا؟ ثم لماذا يتم اللجوء إلى التكفير وكيل تهم الإلحاد والدعوة إلى إحراق الكتب بدلا من تقديم صورة جميلة عن إسلام التسامح والحوار الفكري السلمي المؤسس على الوازع الأخلاقي وعلى المعايير الحضارية؟. كنّا ننتظر أن تكرم الجزائر الشاعر والمفكر العربي أدونيس في أرض المليون ونصف المليون شهيد وشهيدة، وأن تسمى باسمه مؤسسات أو فضاءات اجتماعية وثقافية تربوية تقديرا لما قدمه من إبداع شعري متطور، ومن فكر نظري متقدم، ومن خدمات جليلة للثقافة العربية المعاصرة. نعم لقد كنا ننتظر مثل هذا التكريم الذي يستحقه الشاعر أدونيس تثميناً لجهوده التي ساهمت بفاعلية وعن «حسن النوايا» على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان في جعل الأدب العربي يخطو نحو اجتياز وتجاوز، وبكثير من المعاناة والألم، متاريس وخنادق التخلف الثقافي والاجتماعي والسياسي المنصوبة في الأقطار العربية المنكوبة لينطلق في سماوات التنوير. لكن هذا لم يحصل مع الأسف الشديد.
كل مرَة نظن فيها أننا شرعنا في الخروج من التخلف وفي مغادرة عصور الظلمات فإذا بنا نزجَ مرة أخرى وبالقوة في وحول التخلف العربي. إن الشيء الذي أستغربه هو أن ينصب بعض الناس أنفسهم وكلاء بين الله وبين البشر علما أن هذه الظاهرة الفاسدة تتكرر دائما وعبر التاريخ عند التيارات السلفوية في مشهد الثقافة العربية -الإسلامية- المغرقة في التخلف والركود والهمود. وهنا نتساءل: كيف يسمح أحد ما لنفسه أن يخترع (كلاما سمجا) ويقوم بنشره على صفحات المواقع الاجتماعية بالانترنيت ومن ثم ينسبه إلى شخص ما بريء منه كلية وبعد ذلك يتخذ هذا السيناريو الملفق ذريعة لكيل تهم التكفير والتجريم والإلحاد ضد هذا المفكر وذاك الشاعر وهلم جرا وفي هذه المرة تم استهداف الشاعر أدونيس الشخصية الثقافية العربية البارزة والمحترمة. أليس مثل هذا الفعل اعتداء على كرامة الناس وعلى حقوق الإنسان؟.
إن المعقولية والعقلانية تفترض أن لا يتم احتكار الدين من طرف أي فرد أو أية جماعة أو سلطة دينية أو سياسية كما أنه من المشين أن ينصب أحد ما نفسه كوكيل أو وسيط لله في مسائل الخلاف الثقافي، أو الاختلاف الفكري أو العقائدي في تقييم التاريخ العربي الإسلامي، أو النظر النقدي إلى أفعال وممارسات ومواقف شخصيات سياسية تاريخية عربية إسلامية. كما أنه من الأفضل أن يترك ذلك كله للحوار الطبيعي السلمي الأخلاقي في حالة بروز اختلاف في الرأي أو في التأويل أو في التقييم. أرى أن اللجوء إلى التكفير وإلصاق تهمة الإلحاد بشاعر ومفكر معروف بأخلاقه العالية وباحترامه لمشاعر الناس الدينية سواء كانوا مسلمين بمختلف طوائفهم أو من ملل ونحل أخرى. أما الدعوة إلى إحراق كتب أدونيس فهي دعوة بدائية وهمجية ولا علاقة لها بالأسلوب الحضاري وتذكرنا بمحاكم التفتيش في العصور المظلمة من التاريخ البشري.
عبد القادر رابحي/ كاتب وناقد
لا معنى للحرق في عصر الذاكرة الكونية
إن حرق الكُتب، وعلى غرار كونه مرفوضا مبدئيا جملة وتفصيلا، فإن صورته الراهنة لم يعد لها معنى في عصرنا باعتبار مغزاها الذي لا يخرج عن رفض الآخر والحجر على أفكاره، وذلك بالنظر إلى ما يوفره العصر، في جانبه الافتراضي التواصليّ، من أدوات توصيل وقدرة حفظ يصبح معهما حرق الكتب مجرد ملهاة لا معنى لها في عالم يؤسس لذاكرة كونية متوفرة لدى الجميع وليس في وسع أحد أن يستأثر بها لوحده لأنها ليست ملكا لأحد. إن هذه الحالة تدعو بالضرورة إلى إبدال الحرق بالحجاج، والحجر بالحوار، والرفض بالإقناع.
قد تؤدي المبالغات في الأحكام والتسرع في إصدارها إلى سلوك الطريق الأضيق من بين كل الطرق الممكنة في التعامل مع الظواهر التي تصدر عن الحالات الفكرية والثقافية التي ينتجها عصرنا الحالي بما يمثله من تعقيد، وبما يطرحه من أدوات تسريع، وبما ينتجه من معمّيات تنتج هي الأخرى سوء فهم يؤدي إلى إنغلاقات فكرية ومعرفية تبالغ في حكمها النهائي على هذه الظواهر وعلى المواقف منها من دون التمعن مليّا في عمق ما تحمله من رؤية، وخطورة ما يمكن أن تنتجه من تبعات.
ذلك أنه ليس هناك فرقا بين الدعوة إلى الحرق الحقيقي للكتب التي تستدعي الوقوف ضدها والتنديد بها، بما فيها حرق القرآن الكريم في كثير من الحالات التي لم يحرك فيها المثقفون ساكنا باعتبارها استدعاء لعنف المواقف المضادة التي يستهجنونها، وبين الدعوة إلى الحرق الرمزي للأفكار الأخرى -لأن كل الأفكار هي أخرى في نظر الأخرى- والذي يُمَارَسُ في ثنايا الخطابات الفكرية والمعرفية والإبداعية بصورة مُلبَّسَة بحرية التفكير وحرية الإبداع وحرية الرأي. كيف يمكننا في هذه الحالة أن نكون موضوعيين وداعين إلى هذه المبادئ التي لا يختلف حولها مثقفان في عصرنا الحالي، وفي الوقت نفسه ننتصر للذات في محدودية اندراجها في العالم، وندافع عن الفرد في ضيق ما يحمله من أفق معرفيّ مهما اتسع، وندعو إلى رفض الآخر في سعة ما يمثله من امتداد لذواتنا بما تحمله من بعد حضاري؟. كان حرق الكتب قديمًا يحمل معنى واضحا لأنه ينتج عن موقف متناقض بين مثقف ومؤسسة رسمية ترى في أفكاره تهديدا لمشروعها السياسي الآني كما كان مع التجربة الرّشدية ومع غيرها في المشرق العربي وفي العالم. أما اليوم فهو يحمل صفة الصراع بين أتباع الأشخاص المختلفين سياسيا أو إيديولوجيّا. لقد أصبحت المؤسسات السياسية الرسمية العربية تعرف جيدا كيف تنأى بنفسها بدهاء عن هكذا وضعيات حرجة، وكيف تسخّر فائض قيمة الصراع الذي ينتجه المتصارعون لصالحها. كما أن الأشخاص المعنيين، مصدر الصراع، أصبحوا يعرفون كذلك كيف يتعالون بأنفسهم عن هكذا نقاش أرضيّ، تاركين الأمر، في فتنته وتعقّده، إلى الأتباع وأتباعِ الأتباع الذين يقومون بدور المناولة في تأجيج صراع يتجاوزهم في منطلقاته وأهدافه. ما يُؤسَفُ له حقًّا هو الإصرار على التنابز بالمرجعيات، والتفكير بالمناولة، والتكفير عن بعد، وخوض المعارك بالوكالة عن تصورات تبدو بعيدة في تأويلاتها الظاهرة عمّا يجب أن يهتم به المثقف محليّا. مبدئيا لا شيء يمنعنا من التنديد بما يجري في العالم من محق للإنسان في فلسطين، ومن حرقه في بورما، ومن هدم مرجعياته في أنغولا، ومن محاربته في الهند، لا لأنه مسلم، وهذا وحده كافٍ للتعبير عن رأينا، ولكن لأنه إنسان قبل كل شيء، من واجب المثقف أن يدافع عنه بما هو مبدأ من مبادئ حرية التعبير من دون السقوط في الرؤية التجزيئية أو الموقف الانتقائي الذي يميّز الكثير من مواقف بعض مثقفينا الذين أصبحوا وكأنهم يملكون حقّ الدفاع الحصري عن القضايا التي تتلاءم مع مواقفهم الإيديولوجية أو العَقَديّة، وترك الدفاع عن المواقف الأخرى للخصم على الرغم من أن مبدأ الدفاع عن حرية الرأي واحد لا يتجزّأ. ذلك أن الوقوف المبدئي الواضح ضد الدعوة إلى حرق كتب أدونيس لا يجب أن يحجب عنّا مواقف أخرى مشابهة تقاعسنا في اتخاذها، أو لم نتخذها بعد، أو رفضناها على الرغم من معاناتها من الحجر نفسه، ومن التضييق نفسه، ومن الإقصاء نفسه.
سمير بلكفيف/ كاتب وباحث أكاديمي
محنة ابن رشد تتكرر في أدونيس والمجتمعات العربية لم تستفد من الدرس التاريخي
يمكن أن نتحدث عن حادثة «الدعوة لحرق مؤلفات أدونيس» من وجهتين –لما يقتضيه المنهج الهيغلي الجدلي- حسب رأيي: وجهة جدّية خطيرة تشكل مأزقا حضاريا في أعلى مستوياته، ووجهة أخرى هزلية سخرية –تهكمية- تعكس (قيم) مقلوبة في ثقافة مجتمع معطوبة، حينما يصبح فعل الحرق كأشنع فعل يُطال على أقدس الأعمال (الكتابة والتأليف...إلخ)، والحقيقة أننا سنناقش الوجهة الأولى بجدّية وخطورة بما هي حادثة خطيرة، ذلك أن الدعوة لحرق المؤلفات وحتى حرق الأجساد شهدتها المجتمعات الغربية في عصورها الظلامية -العصور الوسطى- والتي لقى فيها العلماء والمفكرين ما لقوا من بطش رجال الكنسية ومحاكم التفتيش، ومصادرة للحريات الفردية والقناعات الشخصية، ومع ذلك إستطاع الفكر الأوروبي أن ينعتق من العبودية بكل أشكالها نحو أفق الحرية والتحرر وقيم الحداثة والعقلنة والتنوير، وأصبح عصر النهضة والعصر الحديث من أعمق وأبرز العصور الإنسانية في تاريخ البشرية بما يحملان من قيم كونية خارج إطار زمنيتهما، وأصبح اللاهوت الأوروبي يقدم اعتذارات رسمية -اليوم- على تاريخه الأسود، بعد أن قدم صكوكا للغفران. والحقيقة أن هذه الدعوة لحرق المؤلفات شهدها المجتمع العربي الإسلامي، وهي تعدّ نقطة سوداء في تاريخه الإنساني، إذ تم حرق كتب ومؤلفات فيلسوف قرطبة «ابن رشد»، أمام مرأى عينيه وأعين تلاميذه وخصومه. قرون تمرّ عن تلك الفعلة الشنيعة وتتكرر اليوم في جوهرها -حقيقتها- ومختلفة في شكلها، إن الأمر الخطير هاهنا والذي يعكس مأزقا حضاريا في أعلى مستوياته، هو أن المجتمعات العربية لم تستفد بعد من درسها التاريخي، ولم تجابه موروثها بطريقة نقدية لتنصف من كان على حق، ومن كان عكس ذلك، فالخطورة ليست في مسألة الدعوة للحرق، والتي هي في حقيقتها مجرد فزاعة إعلامية- فيسبوكية، بل الخطورة في أن زمن ابن رشد يتكرر بتناقضاته اليوم، وهو ما يثبت أن المجتمعات العربية تتمدد في إطار التاريخ فقط من أجل الحركة الزمنية، دون أن تساهم فعلا في توجيه هذه الحركة التاريخية نحو التقدم والتطور، ببساطة التاريخ لا يحترم من لم يحترمه، أما الوجهة الأخرى- النقيض الهزلية فلن أسهب فيها كثيرا باعتبارها دعوة مضحكة وتحمل قيم السخرية، ذلك أن الفكر لا يمكن محاصرته بفعل الحرق أو الحبس أو سحب المؤلفات من السوق وغير ذلك من أفعال التهريج، فقد علمنا فيلسوف الروحانية «هنري برغسون» أنه لا يمكن تسييج الفكر، وابن رشد نفسه -حينما لاحظ تحسر أحد تلاميذه على محرقة الكتب- أكد أن للأفكار أجنحة وقد صار بوسعها أن تطير.
حميد زناز/ كاتب وباحث أكاديمي
سلوك إقصائي أرعن ينتمي إلى العصور الغابرة
الدعوة إلى حرق كتب الشاعر أدونيس هي قبل كل شيء فكرة مضحكة ولو أن شر البلية ما يضحك، وبغض النظر عن المضمون الفكري لهذا السلوك الإقصائي الأرعن الذي ينتمي إلى عصور غابرة يريد أشباه هذا الشخص (زعيم جبهة الصحوة الحرة الإسلامية السلفية) أن يعيدوننا إليها بالقوة وبتواطؤ رسمي مكشوف، فما المقصود بهذا العداء للفكر وحرية التعبير؟ أليست دعوة ضمنية لمهاجمة المكتبات البلدية والجامعية وغيرها واستعمال القوة في إفراغها من كتب أدونيس؟ أليست ترخيصا «فقهيا» لتأديب المواطنين الذين يرتكبون جريمة قراءة أدونيس؟ وفي هذه الحالة أين دولة القانون؟ وأين الجهات التي من المفروض أن تسهر على حماية المنشآت الثقافية والتجارية وأمن الأفراد وحرية ضميرهم؟ متى يقف القانون بصرامة أمام دعاة العنف اللفظي المؤدي حتما إلى ما لا يحمد عقباه؟ منذ أكثر من 25 سنة حاول أصوليون حرق كتب الطاهر وطار الموجودة في مكتبة بلدية في الحراش بدعوى أنه شيوعي وإفراغها من كل الأعمال الروائية لأن الرواية في نظرهم حرام «لا تجوز». والأمثلة لا تعد ولا تحصى في هذا الشأن.
يبدو أننا لم نعتبر وإلا كيف لمثل هذا الخطاب التكفيري المتخلف العنيف أن يجد له مكانا في وسائل الإعلام الوطنية؟ أصبحت وسائل الإعلام توزع لقب «المشيخة» على كل من هب ودب وحمل مكبر صوت ولحية. يجب أن نتعلم التفريق بين أفكار يمكن بل ينبغي أن تناقش في الصحافة وكل وسائل الإعلام وأفكار ليس لها من مكان سوى المساءلة في قاعات المحاكم لا لشيء سوى لأنها تدعو لاستعمال العنف. وهذا أمر معمول به في أرقى الديمقراطيات اليوم. ليس من حق أحد أن يفتش في ضمائر الناس ولا قذفهم أو فرض عليهم إيديولوجيته حتى ولو كانت دينية وتمثل الأغلبية.
يجب أن يعامل الجزائري كفرد مستقل وليس كعضو ضمن قطيع. ولكن إذا كانت لمثل هكذا شطحات من فائدة فهي تلك التي ترغمنا على التساؤل الجدي: هل نحن نعيش في دولة دينية أم مدنية؟ وماذا قدمنا في المدرسة من فكر نقدي باستطاعته التصدي لهذا الفكر الديني المعتل؟ شخصيا أظن أننا في الجزائر ورغم العشرية الحمراء، فإننا لم نبدأ التشابك الفعلي مع هذا الفكر الأصولي الإجرامي ولا زال أغلبنا إما مهادنا أو مخاتلا أو أصوليا مقنعا. لا يمكن أن نلجم مثل هذه الدعوات المجنونة وإبراء البعض من هذا الهوس الديني إذا لم نوطد أهم أسس الديمقراطية والحداثة السياسية على الإطلاق. بمعنى تحييد مؤسسات الدولة وتخصيص الدين ليصبح مسألة فردية لا غير.
إسماعيل مهنانة/ كاتب وباحث أكاديمي
الأصولية الإسلاموية وليدة قرون من الجهل والتخلف والمستهدف من هذه الحملة هو المثقف الجزائري وليس أدونيس
حملات إحراق كتب الشعراء والمثقفين تذكرني دوما، بحملات مشابهة كانت النازية تحرق فيها كتب المفكرين اليهود في ثلاثينيات القرن العشرين، وما يقوم به الإسلاميون اليوم في كل مناطق العالم يشبه ما قامت به النازية من حيث الفكر الشمولي والاضطهاد والترهيب. مع فارق أن النازية كانت إرهاصا للحداثة والتقنية في حين أن الأصولية الإسلاموية وليدة قرون من الجهل والتخلف والهمجية. في الجزائر انهزم الإسلاميون عسكريا، وسياسيا وانتخابيا وأفلسوا أخلاقيا. لم يتبق لهم إلا مساحات ضيقة للمناورة مثل محاربة «أقفال العشاق»، أو محاربة الاحتفال برأس السنة الميلادية أو إحراق كتب أدونيس. أريد أولا أن أنبّه إلى أن الاختلاف مع الإسلاميين لم يعد اختلافا فكريا أو حتى إيديولوجيا بل خلافا أخلاقيا. هؤلاء لا يؤمنون بالاختلاف ولا يعترفون بفكرة الحرية أصلا. وبالتالي لا يمكن للعقل الكوني أن يتقاسم معهم أي شيء أو أي حوار.
أدونيس قامة شعرية وفكرية عالية وعالمية يستهوي المتسلقين الجدد في سلّم الشهرة والزعامات الوهمية. في بلد مثل الجزائر حيث الرداءة الإعلامية مهيمنة على كل الفضاء العمومي، وحيث الجميع يصطاد في المياه العكرة، أظن أن «الجيل الثالث» من الإسلاميون وجدوا في هذه الفزاعات الإعلامية سبيلا لتحريف الوعي عن البؤس والتفاهة التي ترفل فيها معظم طبقات المجتمع. يبدو أن كل «الأطراف» قد وجدت ضالتها في مثل هذه الزوابع: فهي حصان خشبي كبير بالنسبة للإسلامية للعودة إلى المجتمع، وهي بالنسبة للسلطة إلهاءُ وتصريف للمواطن عن مشاكله الحقيقية وهي مادة إعلامية ثرة للإعلام الجديد.
المستهدف من هذه الحملة ليس أدونيس شخصيا، فهو، كما أعرفه شخصيا، مواطن فرنكو-لبناني (سوري الأصل)، تحميه قوانين الدولة الفرنسية قانونيا وأمنيا، وتحميه نصوصه الشعرية تاريخيا وإنسانيا. المستهدف من هذه الحملة هو المثقف الجزائري. أساليب التخويف والترهيب والتشهير التي يعتمدها هؤلاء معروفة وتقليدية.
أعتقد أنه حان الوقت بالنسبة للمثقفين الجزائريين أن يتجاوزوا خلافاتهم وأحقادهم الصغيرة، وأن يتّحدوا في وجه هذه الموجات من الظلامية. ثمة وسائل كثيرة للمثقف لكي يفرض رؤيته للعالم وتصوره للمجتمع الجزائري خارج دوائر الخوف المسلطة عليه من كل جهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.