يختلف الحديث عن لباس البحر "البوركيني" الخاص بالنساء بالجزائر مقارنة بدول أخرى، فهو رغم حداثته يلقى إقبالا كبيرا. في حين أنه خلق جدلا واسعا لدى سياسيين ومسؤولين في فرنسا وألمانيا. ورغم أنه أصبح مكسبا لدى المتحجبات بالدول المسلمة، إلا أن قصة بدايته مثيرة للاهتمام. تعيش شواطئ الجزائر العاصمة مخاضا من نواحي عدة، فمن المداهمات الفجائية التي بدأت السنة الجارية من قبل أعوان الدرك الوطني على عصابات عرفت استغلال العائلات في الشواطئ، من خلال حجز الشمسيات والكراسي والطاولات إلى انتشار الباعة المتجولين لمختلف المأكولات، لتعطي شواطئنا في الوقت الراهن واقعا مريرا لغياب السلطات المعنية في التحكم في زمام الأمور. وللنسوة دورهن في تغيير الأوضاع بعد أن استبدلت الكثيرات منهن القطع المتعددة من الألبسة ليشكلن بها لباس سباحة محتشم، بلباس خاص بذلك يباع بمحلات بيع لوازم البحر أو محلات بيع الملابس الرياضية، ومتوسط ثمنه يبلغ 2500 دج، حيث أنه يتشكل من ثلاثة قطع أو أربعة، صنع قماشها من نفس القماش الذي يصنع منه "البيكيني"، ليكون التصميم مغايرا وحديثا، لكن الدول المسلمة لم يجهد مصممو الأزياء فيها أنفسهم لرفع المشقة على المتحجبات، ويساهموا في ابتكار يمنحهن إمكانية التمتع بالسباحة في البحر ، لتعيش عائلات جزائرية العزوف عن الذهاب إلى البحر، حتى تغض النظر عن البيكيني لا أكثر. "البوركيني".. قصة إبداع امرأة أسترالية جريئة! يستدعي الجدل القائم حول "البوركيني" الرجوع إلى الصفحات الأولى من بداية القصة، فقد نشرت جريدة "القدس العربي" مقالا مطولا حول هذا الشأن، يؤكد أن البلد الذي أوجد "البوركيني" أراد أن يمنح حق الرفاهية لكل "إنسان" بغض النظر عن أي انتماء له. لتبقى فرنسا معرضا منفتحا لإثارة الجدل "غير البناء" ورفضها للبوركيني مجرد "زوبعة في فنجان". بدأ "البوركيني" بالشواطئ الأسترالية، وتم تصميمه للشواطئ الرملية البيضاء في مدينة "سيدني"، تقول المصممة الأسترالية اللبنانية الأصل "عاهدة زانيتي" صاحبة الابتكار: "أردت تغيير الرمز الإسلامي المرتبط بالحجاب وأردت التأكد من اندماجنا في أسلوب الحياة الأسترالي". يرجع بنا الحديث عن "البوركيني" إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في بانكستاون، وهو حي من أحياء سيدني الذي تعيش فيه عرقيات متنوعة، كما أن عاهدة زانيتي نشأت فيه، علما أنها ولدت في طرابلس بلبنان، حيث صرحت زانيتي لجريدة "القدس العربي" أنها بدأت في البحث عن زي محتشم وجديد لممارسة الرياضة، فلم تجد أي واحد. من هنا كانت الانطلاقة لتصميم جديد في هذا المجال، حيث قالت أنها لم تكن مرتاحة لابنة أختها وهي تلعب كرة الشبكة، عندما كانت ترتدي لباس الفريق فوق الزي الإسلامي، وقالت: "عندما نظرت إليها كانت تبدو مثل حبة الطماطم"، لتشعر زانيتي بعدم الارتياح للوضع وبدأت في التفكير ببديل أنسب وتقول: "أنا امرأة جريئة"، لتصمم ما وصفته ب"هيجود" من (حجاب هود / قبعة)، وهو لباس يسمح للفتاة بالمشاركة في النشاطات الرياضية، لتقول المصممة: "أردت أن أجعل الحياة سهلة على المسلمات، وأساعدهن على الخروج من الشرنقة". ولقي الزي تفاعلا من قبل السكان المحليين، وتنمي عاهدة فكرتها لتصميم لباس جديد للسباحة، لتجمع بين لباس المرأة المسلمة والبيكيني، وتبتكر بعدها ما أسمته ب"البوركيني". علما أن كل هذا كان قبل سنة 2000 م. عاهدة زانيتي تواصل المسيرة في عام 2007 قررت مجموعة غير ربحية اسمها "سيرف لايف سيفينغ"، القيام بحملة لمساعدة المسلمين والبحث عن منقذين بحريين، إلا أن عدم توفر زي مناسب للمنقذات البحريات المسلمات حال من تقدم المشروع. وبحثت المجموعة عن أزياء محتشمة مع أن شركة تركية اسمها "حسيما" قالت إنها تعمل في هذا المجال.. لكنها لم تكن مناسبة لأستراليا، ولهذا السبب اتصلت المجموعة بزانيتي وطلبت دعمها في تصميم زي للمنقذات البحريات، لتلقى تجاوبا، حيث عدلت من الزي الأول الذي صممته بحيث ناسب عمل المنقذة البحرية. وانتشر الزي بين الشابات المسلمات وسمح لهن المشاركة في نشاطات على مستويات لم يكن يتوقعنها. شاطئ النخيل بزرالدة.. من العزوف بسبب "البيكيني" إلى الإقبال بفضل "البوركيني" عُرف شاطئ النخيل بعدم قصد العائلات له بسبب النظام الذي طغى عليه، والذي لا يتناسب وقيم العائلة الجزائرية، كما أن جو الاصطياف كان مرفقا بموسيقى صاخبة لا تُسمع إلا في "الديسكوهات". وصدق المثل القائل "إذا عمت خفت"، حيث أن السباحة بلباس محتشم وسط مرتديات "البيكيني" كان يجعل المرأة محط الأنظار وليس العكس. فقامت عديد النسوة بعدها باتخاذ تقليعات غريبة، واعتمادها لباسا للسباحة، فحتى "العباءة" لم تسلم من دخول مياه البحر، لكن الوضع غير مريح. كانت الجولة التي قامت بها "الفجر" في ناحية "بالم بيتش" دالة على أن شواطئ الجزائر العاصمة تعيش تغيرا، حيث أننا لم نلتق بمرتدية للبيكيني، رغم أننا ذهبنا بحذر. فالصورة الذهنية التي كانت حول الشاطئ كانت كافية لدحضها بعد العدد المعتبر من الفتيات والسيدات المرتديات للبوركيني، من مختلف الألوان والتصاميم المتعددة، لكن تبقى هذه الأخيرة فرعية كون التصميم الأساسي للباس تجتمع فيه جميع البوركينات. بعد الاقبال المتزايد الذي شهدناه من قبل العائلات، لاحظنا كذلك عدم تشغيل الموسيقى، والجدير بالذكر أن ارتداء البوركيني قائم حتى عند غير المتحجبات، كما أن اعتماده بديلا عن البيكيني لم يكن يخلق ضجة ولا جدلا في الجزائر.. لكن يبقى الباعة المتجولون وعديد النقائص التي في شواطئنا تشكل أزمة اصطياف حقيقية.