يعود الروائي والإعلامي الجزائري عبدالعزيز غرمول إلى جمهور قرائه برواية جديدة بعنوان ”مصحّة فرانز فانون”، وكان غرمول انقطع عن الكتابة الروائية منذ انشغاله بالسياسة. وتتناول الرواية الأحداث المعاصرة التي مرّت بها الجزائر من خلال نخبها المثقفة والأكاديمية والعسكرية والبيروقراطية، وهي تنظر بحدّة إلى عصرها، تنتقد وتدين وتفضح المآلات التي أوصلنا إليها الإرهاب وتخلّي الدولة عن مسؤولياتها. وتدور أحداث هذا العمل، الصادر عن منشورات النخبة، بالجزائر، حول حياة طبيب نفساني عالي الثقافة يتم نفيه إلى الصحراء الجزائرية إثر موقف سياسي أزعج السلطات، وبعد حادثة هروب مجانين من مصحة فرانز فانون تمت دعوته من طرف وزير الصحة لمعالجة هذه المشكلة، ومن خلال عودته يلقي الكاتب نظرة على مجتمع أصبح عبارة عن مصحة نفسية مفتوحة، وتكشف الرواية عبر تداعيات ومقارنات ثقافية وواقعية واحدة من اللحظات الشقية في تاريخ الجزائر. وككل أعمال غرمول جاءت هذه الرواية جريئة ومتميزة تعالج القضايا الساخنة والمعاصرة، وقد اتفقت الآراء أثناء تسلمه درع الثقافة اللبناني أن أعمال هذا الروائي الجزائري متميزة بموضوعاتها ولغتها سواء بالنسبة إلى الرواية الجزائرية أو بالنسبة إلى الرواية العربية المعاصرة. يقول الكاتب غرمول إن ”مصحّة فرانز فانون” هي ”صورة عكسية في مرآة مثقف عسكري (طبيب نفسي) يزاوج بين المرض الداخلي للمؤسسات ومرض المجتمع الذي انقلب فيه سلّم القيم”. ومن أجواء الرواية نقرأ ”الآن فقط يشعر أنه تحرر من ماضيه إلى الأبد، يشعر أنه يطير في سماوات رحبة لا نهائية، ناشرا جناحيه كذراعي راقص أوبرا. كل شيء عاد إلى مكانه حيث يجب أن يكون قلبه مطمئنا، رأسه فوق كتفيه، جسده الممدد بجانب جسدها الغافي، مغسولا من كل شهواته وأدرانه. إنه هنا سيد أقداره يقف على القمة عاليا كمسيح ريو دي جانيرو، في يده قبضة نجوم وفي الأخرى جسدها الأنثوي الذي استفرغ صخب رغباته، صمت عميق يخيم على الغرفة كصمت الصحراء، أين المدينة البائسة، أين ضجيج الناس والإهانات والتواطؤات الخفية، أين العسكر ذوو الأحذية الثقيلة والأنفاس العطنة، أين النخبة والحثالة وهما يتبادلان الأدوار، أين الناس الطغاة المتشبثون بماضيهم بلا شفقة”. وكان غرمول بدأ مسيرته في عالم الرواية ب”مقامة ليلية” (1993) التي كشف فيها عن قدراته في السرد، حيث اعتبرها الكثيرون عملا غير مألوف، يُحاول شقّ طريق مختلف عن الكتابة السائدة في ذلك الوقت، وهو الأمر الذي تكرّس فعلا بعد صدور مجموعتيه القصصيتين ”رسول المطر” (1994)، و”سماء الجزائر البيضاء” (1995). ويُعتبر عبدالعزيز غرمول من الجيل الجديد للروائيين الجزائريين، جيل ما بعد الطاهر وطار ورشيد بوجدرة ومحمد ديب.